المُنقذ الغربي لأوكرانيا: طريق التسليح ليست وردية
أحمد الحاج علي:
مع تَوجّه الولايات المتحدة إلى فتح «حنفية» الدعم العسكري لأوكرانيا إلى أبعد مدًى ممكن، يَمثل أمام القيادة الروسية تحدّي العمل على إفشال الخطّة المتمثّلة في استنزاف قواتها إلى ما لا نهاية. وإذ لا يبدو ممكناً التقليل من فاعلية الأسلحة الجديدة المرسَلة إلى كييف، كونها قادرة على تشكيل تهديد حقيقي للقوات الروسية خلال مدّة عملها الافتراضية على طول الجبهات القتالية، يَظهر أن موسكو ستتابع تركيزها على استهداف البنية التحتية للسكك الحديدية والطرقات السريعة، بهدف إضعاف قدرة الغرب على ضخّ السلاح والمعدّات بكميات كبيرة، وحرمان المتحكّمين بتلك المعدّات من القدرة على المناورة وإعادة التموضع وفقاً للمتطلّبات الميدانية. وممّا قد يساعد الجانب الروسي، هنا، حقيقة أن المعدّات الحربية الأميركية قد أُعدّت لحرب مختلفة؛ فهي ثقيلة جداً ولا يمكن للجسور الأوكرانية المتضرّرة أن تتحمّلها، فضلاً عن أن الكثير من المناطق تتحوّل إلى مستنقعات مع حلول الربيع وهطول الأمطار، الأمر الذي يجبر القوات الأوكرانية على اعتماد خطوط سكك الحديد لنقل المعدّات الثقيلة، بما فيها المدفعية الميدانية والصاروخية البعيدة المدى، في ما يمثّل نقطة ضعف مركزية تشكّل تحدّياً رئيساً بالنسبة إلى الداعمين الغربيين.
إلى جانب ذلك، تَبرز معضلة أخرى متمثّلة في اعتياد القوات الأوكرانية على استخدام السلاح السوفياتي الصنع، والذي شارف مخزونه لدى 40 من الدول الحليفة على النفاد. ولذا، قرّرت الولايات المتحدة البدء بضخّ السلاح الأميركي والغربي الصنع لصالح أوكرانيا. إلّا أن خبراء عسكريين يعتقدون أن السلاح الأميركي ليس مثالياً لخوض المواجهات الدائرة هناك، لأسباب عديدة، على رأسها أن استخدامه يحتاج إلى تدريب الكوادر الأوكرانية عليه، وهو ما سيستغرق وقتاً طويلاً، ربّما يمتدّ لأشهر، حتى تتمكّن الطواقم الأوكرانية من امتلاك المهارة والخبرة والمعلومات الكافية لتشغيل المنظومات الغربية بجدارة. كذلك، تحضر مسألة تأمين صيانة منظومات الدفاع الجوي وتوفير قطع الغيار الدورية لها، وهو ما يَصعب تحقيقه بانتظام في ظروف المواجهات الميدانية الدائرة حالياً، فيما يعسر على الولايات المتحدة في زمن قصير إنشاء قاعدة خدمية تقنية لوجستية لصيانة المعدّات الغربية وإعادة تأهيلها. ومن هنا، يتّضح أن تفعيل نظام «لاندليز» (الذي اعتُمد خلال الحرب العالمية الثانية، والقائم على إمداد الحلفاء بكلّ ما يحتاجون إليه، على أن يسدّدوا ثمنه بعد انتهاء الحرب) سيظلّ خياراً أميركياً اضطرارياً، ذا مفاعيل تكتيكية قصيرة المدى (عدم السماح بانهيار القوات الأوكرانية).
وكانت الولايات المتحدة اعتمدت مبدأ تدوير الأسلحة السوفياتية الصنع التي تملكها دول أوروبا الشرقية (مثل بلغاريا وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا ورومانيا وألمانيا) عبر إرسالها إلى أوكرانيا، واستبدال طائرات ودبابات وأسلحة أميركية بها، وهو ما يقرأ فيه مصدر روسي مطّلع وسيلة لإجبار تلك الدول على اقتناء السلاح الأميركي، وإبرام صفقات باهظة الثمن لشراء دبابات «أبرامز» وطائرات «إف 16».
ويلفت المصدر إلى أن معظم منظومات «إس 300» بعيدة المدى التي تسلّمتها كييف على سبيل المثال، «لم تتمكّن من العمل كما يجب، فهي لم تخضع للتحديث منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وهي يجب أن تعمل ضمن شبكة تغطية متكاملة مع الرادارات ومنظومات التشويش الإلكترونية ومنظومات الدفاع الجوي السوفياتية الصنع المتوسّطة والقصيرة المدى، لتُشكّل شبكة أو مظلّة تغطية جوية متكاملة، لكن أوكرانيا باتت تفتقر إلى تلك الرادارات والمنظومات، وتستفيد ممّا تؤمّنه لها جيوش الناتو المرابطة في الدول المجاورة». كما يشير المصدر إلى أن «دمج المنظومات السوفياتية مع منظومات الناتو أمر معقّد، ويحتاج إلى تقنيات ووقت لا تملكه كييف حالياً».
ميدانياً، تشهد حدود «جمهورية ترانسنيستريا»، المُعلَنة من جانب واحد، مع أوكرانيا، نشاطاً متزايداً ومناورات بالذخيرة الحيّة للقوات الأوكرانية، لم تتطوّر إلى الآن إلى حدود هجوم سيكون بمقدور قوات ترانسنيستريا المحلّية، بمساعدة الحليف الروسي، صدّه، فيما أيّ تحرّك أوكراني من هذا النوع من شأنه أن يكشف ميسرة التشكيلات الأوكرانية على محاور غرب نيكولايف، ويعرّضها للخطر أمام ضغط القوات الروسية. وفي هذا الإطار، تَجدر مراقبة مسار الخطوات الرومانية والمولدافية، وما إذا كانت ستنحصر في إطار التدريبات الدورية، أم ستتطوّر إلى عملية لاختراق دفاعات ترانسنيستريا بهدف السيطرة عليها، في ما سيشكّل، في حال حدوثه، فتيل مواجهة مع الروس. ومن هنا، تبرز أهمية إسراع الأخيرين في حسم السيطرة على نيكولايف، والبدء بمعركة أوديسا، وفتح ثغرة لفكّ الحصار عن ترانسنيستريا، ومنع تدخّل روماني مولدافي مدعوم أميركياً، من شأنه إدخال دول جديدة على خطّ الصراع.
الأخبار
إضافة تعليق جديد