العقوبات على روسيا.. هل أطلق الغرب النار على نفسه؟
مع دخول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا شهرها الخامس اليوم، يرى مراقبون أن روسيا لم يظهر عليها ما يترجم توقعات الغرب بانهيار اقتصادي سريع، بفعل العقوبات غير المسبوقة في التاريخ، بل على النقيض من ذلك، أظهرت اقتصادات الدول الغربية معاناة أكبر.
لكن بالمقابل، يرى محللون أن روسيا ستعاني من العقوبات لاحقاً، إذ تطول الحرب وترتفع تكلفتها، فهل ستحقق العقوبات فعلاً أهداف الغرب المعلنة وغير المعلنة، أم هي سلاح ذو حدين؟.
الرئيس الأمريكي جو بايدن اعتبر أن العقوبات الاقتصادية ضد روسيا كانت «أفضل خيار» للولايات المتحدة، فيما رأى نائب وزير دفاعه كولين كال أن العقوبات ستعود بروسيا اقتصادياً 15 سنة للوراء. في الوقت نفسه، شكك خبراء غربيون في موثوقية إحصاءات موسكو بشأن اقتصادها، ونقلت قناة الحرة عن أندرو لوسن، وهو زميل في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله: إن «الحكومة الروسية لديها حافز لمحاولة إخفاء التأثير الاقتصادي للعقوبات الغربية».
ويضيف: إنه حتى لو صمد الاقتصاد كما يبدو، فإن روسيا قد تتضرر في نهاية المطاف عندما تتوقف السلع الأساسية عن العمل، لكن في الوقت الحالي، تظهر روسيا مرونة غير متوقعة عبر مجموعة من التدابير، مثل زيادة احتياطاتها وتوقف رأس المال الأجنبي. ووفق التقرير، تعمل موسكو على حشد الاحتياطات وإخفاء الذهب، فقبل حرب أوكرانيا، كانت روسيا تمتلك حزمة من العملات الأجنبية والذهب تبلغ قيمتها نحو 630 مليار دولار، وفقاً لمعهد بنك فنلندا للاقتصاد الناشئ، لكنها فقدت إمكانية الوصول إلى نحو نصف هذا المبلغ بسبب العقوبات، ولكن لا يزال هناك الكثير من الذهب المخبأ في البلاد، حيث تضاعفت حصة روسيا من الذهب ثلاث مرات عام 2014، ويتم تخزينها جميعاً في الداخل، وفقاً للبنك المركزي.
وتواصل روسيا أيضاً حشد بعض الاحتياطات في شكل صناديق طوارئ، بفضل مكاسب غير متوقعة من مبيعاتها من النفط والغاز، وفي أبريل ويونيو، أضافت 12.7 مليار دولار إلى احتياطياتها الطارئة. وسيتم استخدام هذه الأموال لضمان التنمية الاقتصادية المستقرة وسط العقوبات.
وبعيداً عن الادخار، كانت روسيا تبتعد عن رأس المال الأجنبي من خلال سداد الديون بقوة على مدى السنوات الثماني الماضية، كما نقلت «الحرة» عن جيان ماريا ميليسي-فيريتي، وهو زميل أقدم في الدراسات الاقتصادية في مركز هاتشينز للسياسة المالية والنقدية.
وبحسب التقرير، أكبر مشكلة تواجهها روسيا الآن هي سداد ديونها الخارجية بسبب القيود الناجمة عن العقوبات، ويخلص التقرير إلى أن روسيا كمنتج ضخم للسلع الأساسية، اقتصادها لن ينهار تماماً، على الرغم من أن النمو سيكون بطيئاً ومنخفضاً، وفق حسن مالك، كبير المحللين السياديين في شركة لوميس سايلز للاستشارات الإدارية الاستثمارية ومقرها بوسطن.
الفخ الأوكراني
لكن صحيفة «آسيا تايمز» تقول إن بايدن مضطر للبحث عن مخرج من «الفخ الأوكراني» على خلفية الأزمات الاستراتيجية والاقتصادية المتزامنة في الولايات المتحدة، وشكك الصحافي ديفيد غولدمان في تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن انحسار الاقتصاد الروسي إلى النصف، مشيراً إلى أن روسيا حققت عائدات ضخمة من صادرات الطاقة منذ بدء عمليتها الخاصة في أوكرانيا، مشيراً إلى أن الصين والهند تشتريان النفط الروسي بشروط مواتية، بينما تدفع الولايات المتحدة وحلفاؤها ثمناً باهظاً.
وجاء في تقرير نشره موقع «نتسيف نت» الإسرائيلي منتصف الشهر الحالي، أن الأساس المنطقي هو أن العقوبات المفروضة على روسيا لها تأثير مدمر على الاقتصاد، والتوقع هو أن الاقتصاد الروسي سينكمش بنحو 9% هذا العام، لكن الصورة لم تكن كذلك في المائة يوم الأولى من حرب أوكرانيا، حيث استثمرت روسيا في خزائنها 93 مليار يورو من صادرات الطاقة، بما في ذلك إلى الاتحاد الأوروبي، وفقاً لتقرير صادر عن مركز أبحاث مستقل في فنلندا.
مؤسس معهد جون هوبكنس للاقتصاد العالمي والصحة العالمية، البروفيسور ستيف هانكي، يقول «إن العقوبات المفروضة على روسيا تأتي بنتائج عكسية وهي ليست فعالة تماماً في تحقيق الهدف المعلن، وهو تغيير سلوك موسكو»، حسبما نقلت عنه صحيفة «آسيا تايمز» الإلكترونية. وأضاف: إنه بالرغم من أن التكلفة الاقتصادية بالنسبة لموسكو ستكون كبيرة، لكنها «لا تذكر» مقارنة بالعواقب التي سيواجهها من هم خارج حدود روسيا.
وفيما رأت صحيفة «ديلي إكسبريس» البريطانية، أنه ليس من السهل التخلص من موارد وأراضي وسكان روسيا المتعلمين تعليماً عالياً، قالت صحيفة «نيكي» اليابانية، إن المستوردين الصينيين واليابانيين ضاعفوا من حجم مشتريات النفط من الاتحاد الروسي، ما يؤدي إلى انخفاض في فعالية العقوبات ضد روسيا. وذكرت الصحيفة أن الصين اشترت 800 ألف برميل يومياً من النفط الروسي في مايو، وارتفع المؤشر ذي الصلة بنسبة 40% مقارنة بيناير، فيما بلغ مستوى مشتريات الهند من هذا المورد في مايو 700 ألف برميل يومياً.
استخفاف بالدب
ونقلت «روسيا اليوم» عن محمد فراج من مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، قوله: إن الغرب يدفع الآن ثمن هذا الاستخفاف، وتنقلب عليه عقوباته الهستيرية ضد روسيا، والتي هي في الحقيقة حرب اقتصادية شاملة تهدف لخنق الاقتصاد الروسي، وهذا أمر مستحيل في ظل الحقائق الراهنة لعلاقات القوي الدولية، حسب المحلل.
وقبل سنة من أزمة أوكرانيا، نشر فراج دراسة حول قدرة الاقتصاد الروسي على تحمل أعباء المواجهة مع الغرب، بما في ذلك العقوبات الواسعة، وخلصت الدراسة إلى استنتاج بأن الاقتصاد الروسي أثبت قدرته على تحمل أعباء المواجهة الشاملة مع الغرب، مع الاحتفاظ بقدرته على النمو والتطور بمعدلات تفوق معدلات نمو الاتحاد الأوروبي (مستنداً على أرقام الصندوق والبنك الدوليين).
ونقلت صحيفة «أوراسيا إكسبرت» عن الخبير البريطاني باتريك والش وصفه «فشل» العقوبات الغربية ضد روسيا بـ«انقلاب السحر على الساحر». ويقول: ضخ الأسلحة غير المسبوق إلى أوكرانيا لا يأتي بنتائج، والعقوبات الاقتصادية ضد روسيا تنقلب ضد أولئك الذين فرضوها.. والأحداث لا تتطور وفق خطة بروكسل وواشنطن. وأشار إلى أن معدل التضخم يرتفع إلى مستويات لم تعرفها أوروبا (والولايات المتحدة) منذ عقود، ويتراوح حاليا بين 7 و9%، ويؤكد أنه بسبب العقوبات تأتي أموال إلى روسيا أكثر مما كانت تجنيه حين كانت تزود أوروبا بكميات أكبر من موارد الطاقة.
وكالة «بلومبرغ» بدورها قالت: إن الولايات المتحدة، على عكس تحمسها في البداية، بدأت الآن تدرك حجم الخسائر، التي سببتها لنفسها من خلال العقوبات ضد روسيا. ونقلت الوكالة عن مصادر قولها: إن فرض عقوبات صارمة على موسكو وقرار العديد من الشركات مغادرة السوق الروسية، في البداية، جعل البيت الأبيض ينتشي، والآن أدرك أن هذا الوضع يضرب الاقتصاد الأمريكي، مضيفة: إنه بات هناك قلق متزايد بشأن العواقب بالنسبة لأمريكا نفسها.
الخبير الأمريكي المتخصص في الشؤون المالية، أكسل دي فيرنو قال: إن التعزيز الإضافي للروبل سيؤدي إلى تكاليف إضافية على الغرب عند شراء موارد الطاقة الروسية.
وفي مقال نشرته صحيفة «ناشيونال إنترست»، أوضح دي فيرنو، أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حصر الدفع مقابل الغاز بالعملة الروسية أدى إلى تعزيز الروبل بشكل كبير.
استعداد قديم
من المنطقي إذاً أن تفسر التحليلات الغربية تصريحات القادة الروس، الذين شبّهوا عقوبات الغرب بمن «يطلق النار على نفسه في الرأس»، واعتبروا أن الاتحاد الأوروبي يسير في طريق «انتحاري»، بل إن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف قال: إن واضعي العقوبات ضد روسيا، يبتكرون بأنفسهم مخططات للتحايل عليها.
ورغم توقع خبراء انهياراً للنظام الاقتصادي في موسكو منذ أن ضرب الغرب روسيا بعقوبات شاملة، إلا أن موسكو ظلت صامدة، وتقول «إنسايدر» في تقرير لها نقلته قناة الحرة الأمريكية: إن ما يساعد على روسيا على الصمود هي قوة الطاقة التي لا تزال تحقق عائدات مبيعات وفيرة بفضل ارتفاع أسعار النفط.
وحتى من دون تحقيق مكاسب غير متوقعة في مجال الطاقة، يبدو أن موسكو استعدت للعقوبات منذ 2014 عندما تعرضت حينها لمجموعة من القيود التجارية على خلفية ضم شبه جزيرة القرم.
وأعاد بوتين تشكيل الاقتصاد الروسي ليصبح حصناً لمواجهة الصدمات الخارجية، كما نقلت «الحرة» عن فيرونيكا كاريون، الباحثة الاقتصادية في جمعية المصرفيين الأمريكيين.
إضافة تعليق جديد