تحول مفاجئ في استراتيجية الناتو
تناولت أبرز الصحف العالمية الصادرة اليوم الخميس آخر تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وسط تقارير تتحدث عن ضربات صاروخية روسية واسعة على عموم البلاد، تزامناً مع انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدريد.
وناقشت الصحف تقارير تكشف عن ”تحول استراتيجي مفاجئ“ في نهج الناتو بعد إعلانه أن الصين – إلى جانب روسيا – تشكل تهديداً للحلف عسكرياً واقتصادياً، وهي المرة الأولى الذي يعلن فيها التحالف العسكري أي عداوة تجاه الصين.
وفي تركيا، قالت الصحف إن الرئيس رجب طيب أردوغان يواجه انتقادات من قبل معارضيه بشأن ما وصفوه بـ“التنازلات الطفيفة“ التي حصل عليها من السويد وفنلندا مقابل موافقة أنقرة على انضمامهما للناتو.
تحول استراتيجي مفاجئ للناتو
في تحول استراتيجي مفاجئ، ذكرت صحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) حدد في قمته يوم أمس رؤية جديدة قوية تحدد روسيا على أنها الخصم الأساسي له، ولكن أيضًا، ولأول مرة، يعلن أن الصين تمثل ”تحديًا“ استراتيجيًا.
ورأت الصحيفة، في تحليل إخباري لها، أن الإعلان يعد تحولًا جوهريًا لتحالف عسكري غربي نشأ في الحرب الباردة بهدف مواجهة ”روسيا العدوانية الجديدة“ ما بعد الاتحاد السوفيتي، لكنه لم يركز على الصين على الإطلاق.
وأعلن قادة ”الناتو“ في بيان مهمة جديد صدر خلال اليوم الثاني من قمتهم في العاصمة الإسبانية، مدريد، أنه سيتم نشر آلاف القوات الجديدة في ثماني دول على الجانب الشرقي للتحالف، حيث قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن بلاده ستنشر ”قاعدة عسكرية دائمة وكتيبة دعم ميداني“ في بولندا، وهي أول قوات أمريكية تتمركز بشكل دائم في الجناح الشرقي للحلف.
وقالت الصحيفة الأمريكية: ”لكن لم يكن واضحًا على الإطلاق ما إذا كانت التطورات الأخيرة هذه قد تساعد أوكرانيا على قلب الموازين في حرب لا تزال فيها قواتها أقل عددًا وسلاحًا، حيث بدا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غير متأثر بالإدانات والعقوبات الأجنبية، حيث تستخدم قواته مدفعيتها المتفوقة لقصف المدن الأوكرانية وإجبارها على الخضوع“.
من جانبها، ذكرت صحيفة ”وول ستريت جورنال“ الأمريكية أن الولايات المتحدة ستحقق أكبر توسع عسكري لها في أوروبا منذ الحرب الباردة، بما في ذلك أول وجود دائم لقواتها في بولندا، حيث يستعد ”الناتو“ لانضمام عضوين آخرين (فنلندا والسويد) إلى الحلف ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا.
واعتبرت الصحيفة أن التحول إلى الصين كان واضحًا في إصدار ”المفهوم الاستراتيجي“ المحدث للناتو، بسبب اقتصادها ونموها العسكري الذي تسبب في إعادة ترتيب عالمية، حيث ضغط بايدن على وجه الخصوص على الحلفاء لمواجهة بكين بشأن ممارساتها الاقتصادية وحقوق الإنسان، بالإضافة للقلق المتزايد بشأن نوايا الصين تجاه تايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ووفقاً للصحيفة، تنص الوثيقة المعلنة من قبل التحالف الغربي على أن الصين تهدد ”مصالح الناتو وأمنه وقيمه“ من خلال العمليات السيبرانية وسيطرتها على التكنولوجيا والبنية التحتية الحيوية والمواد الاستراتيجية وسلاسل التوريد، كما تقول إن تعميق العلاقات بين الصين وروسيا ”يتعارض مع قيمنا ومصالحنا“.
وفي المقابل، أصدر الزعيم الروسي تحذيراً شديد اللهجة بشأن مساعي انضمام فنلندا والسويد إلى ”الناتو“، قائلاً إن بلاده سترد بالمثل إذا أقام الحلف بنية تحتية عسكرية في البلدين بعد انضمامهما إلى التحالف. ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن بوتين قوله إنه لا يستطيع استبعاد توترات ستنشأ في علاقات موسكو مع هلسنكي وستوكهولم بشأن خططهما.
وأضاف بوتين: ”إذا تم نشر الوحدات العسكرية والبنية التحتية العسكرية هناك، فسنكون مضطرين للرد بشكل متماثل وإثارة نفس التهديدات لتلك المناطق التي نشأت فيها التهديدات بالنسبة لنا“.
أردوغان.. وتنازلات طفيفة
ذكرت صحيفة ”إندبندنت“ البريطانية أن موافقة تركيا على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى ”الناتو“ ربما تعطي الرئيس رجب طيب أردوغان زخماً في بلاده بعد تراجع شعبيته الفترة الأخيرة، وقد ينتصر بها في استطلاعات الرأي كونه حصل من خلالها على صفقة مرضية.
ولكن في المقابل، قالت الصحيفة إنه رغم أن الإعلام الموالي للنظام التركي روج بشدة للصفقة وقال إن ”تركيا حصلت على ما تريد“، يقول محللون إن أردوغان حصل فقط على ”تنازلات طفيفة“ من قبل فنلندا والسويد.
وأضافت الصحيفة في تحليل إخباري لها: ”انتقد خصوم أردوغان السياسيون الصفقة بزعم أنها ضعيفة جدًا، وتجاهلوها باعتبارها غير قابل للتنفيذ،“ مشيرة إلى أنه في النهاية، قد لا تعطي هذه التنازلات شيئًا يذكر للرئيس التركي لتحسين حظوظه السياسية قبل الانتخابات الرئيسية المقرر إجراؤها بعد عام من الآن.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من المحتمل أن تهدئ مذكرة التفاهم الموقعة، الثلاثاء، العداء تجاه تركيا في واشنطن وعواصم أخرى في وقت تكافح فيه القوى الغربية لتقديم الوحدة في مواجهة ”الغزو“ الروسي لأوكرانيا.
وكان أردوغان هدد بإفشال خطط السماح للسويد وفنلندا بالانضمام إلى ”الناتو“، بزعم أن البلدين لا يبذلان ما يكفي لمحاربة ما وصفه بالإرهاب، وطالبت حكومته البلدين بتسليم المشتبهين بالإرهاب والاعتراف بأخطاء الماضي (في إشارة إلى أعضاء حزب العمال الكردستاني).
كما طالب أردوغان أيضًا البلدين برفع حظر الأسلحة المفروض على تركيا في عام 2019 والنأي بنفسهما عن الجماعات القومية الكردية التي لها وجود في البلدين الاسكندنافيين، قبل السماح لهما بالانضمام إلى التحالف.
واعتبرت الصحيفة أن مذكرات التفاهم الثلاث، التي لا تحتوي على أحكام تنفيذية، لا تقدم أي ضمانات بشأن ما إذا كانت هلسنكي وستوكهولم ستفعلان أي شيء إضافي للحد من أنشطة المنظمات المسلحة التي يقودها الأكراد.
في المقابل، نقلت مجلة ”نيوزويك“ الأمريكية عن مسؤول روسي تحذيره من عواقب وخيمة قد تواجهها تركيا جراء دعمها لانضمام فنلندا والسويد إلى ”الناتو“.
ووفقاً للمجلة، قال السياسي الروسي البارز، ليونيد سلوتسكي، في منشور عبر تطبيق ”تيليغرام“ أمس: ”إذا كنت مكان تركيا، لن أكون ممتنًا للغاية بشأن التأكيدات التي تلقيتها مقابل عدم الاعتراض على انضمام الفنلنديين والسويديين إلى الناتو“.
ونقلت المجلة عن سلوتسكي، زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي اليميني في روسيا ورئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية، قوله إن ”انضمام فنلندا والسويد إلى الخط الأمامي للتحالف ورفض وضع عدم الانحياز الخاص بهما سيكون اختيار هذه الدول“.
وأضاف: ”ومع ذلك، يجب أن يعي البلدان جيداً عواقب مثل هذه الخطوة على علاقاتهما مع روسيا وعلى الهيكل الأمني العام في أوروبا، التي تعاني بالفعل من أزمة عميقة“.
تضرر أوكراني واسع
وعلى الجانب الميداني للحرب الروسية الأوكرانية، ذكرت صحيفة ”الغارديان“ البريطانية أن هناك العديد من القرى الأوكرانية التي ”محيت من على وجه الأرض“ جراء الضربات الصاروخية الروسية المكثفة على عموم البلاد.
وتحت عنوان ”الصواريخ الروسية تنهال على أوكرانيا“، نقلت الصحيفة بمدينة ميكولايف الجنوبية عن رئيس البلدية المحلي، فيتالي كيم، قوله إن ضربة صاروخية روسية قتلت ثلاثة أشخاص على الأقل عندما أصابت مبنى سكنيا.
وفي كريفي ريه بوسط أوكرانيا، أبلغ حاكم المنطقة الصحيفة بأن روسيا كثفت أيضا من قصفها هناك في الأيام القليلة الماضية، قائلاً: ”لقد تم محو عدة قرى من على وجه الأرض“.
ووفقاً للصحيفة، يأتي ذلك وسط تقارير تتحدث عن أن روسيا أطلقت حوالي 130 صاروخًا على أوكرانيا خلال الأيام الأربعة الماضية، بما في ذلك غارات على مركز تجاري في كريمنشوك بوسط البلاد، أسفرت عن مصرع 20 مدنياً، في حرب لا تُظهر ”أي بوادر للتراجع“، بحسب وصف ”الغارديان“.
ونقلت الصحيفة عن التقرير الصادر عن وزارة الدفاع البريطانية بشأن الحرب قوله إن لندن تتوقع أن تواصل موسكو شن ضربات في جميع أنحاء البلاد في محاولة لإضعاف جهود كييف لإعادة إمداد قواتها على الخطوط الأمامية.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن موسكو صعدت من هجماتها في الوقت الذي تحرز فيه قواتها تقدمًا بطيئًا ولكن مطردًا في شرق البلاد الصناعي، حيث احتدم القتال من أجل مدينة ليسيتشانسك، وهي آخر معقل أوكراني في إقليم لوغانسك.
ونقلت الصحيفة عن سيرغي غايداي، حاكم منطقة لوغانسك، قوله إن ليسيتشانسك تعرضت لقصف عنيف أمس، فيما تحاول القوات الروسية تطويقها. وأضاف: ”يتمتع الروس بميزة كمية في كل من الأفراد والمعدات“، مشيراً إلى أن القتال كان يدور ”في كل مكان“ في المدينة.
وتابع غايداي: ”هناك معارك في كل مكان.. يحاول العدو (الروس) اختراق خط الدفاع. إنهم يحاولون تدمير جميع المستوطنات،“ مشيراً إلى أن موسكو تستخدم ”قاذفات القنابل الصاروخية والمدفعية وقذائف الهاون والدبابات والقاذفات والصواريخ البعيدة المدى لتطهير الأرض من الحياة، حتى يتمكن جنودها من التقدم“.
وأوضحت الصحيفة أنه إذا سقطت ليسيتشانسك، فإن منطقة لوغانسك، التي تشكل مع إقليم دونيتسك منطقة دونباس، ستخضع بأكملها للسيطرة الروسية، مما يمثل اختراقًا كبيرًا للكرملين في إطار جهوده للسيطرة على المنطقة الشرقية.
وفي مدينة خيرسون الجنوبية، قالت الإدارة العسكرية، التي عينتها موسكو هناك، إنها بدأت الاستعدادات لإجراء استفتاء على الانضمام إلى روسيا، بالتصويت المخطط له ”منتصف العام المقبل“.
ورأت الصحيفة أن مثل هذه الخطوة تشكل خطورة على مستقبل أوكرانيا في الحفاظ على أراضيها، خاصة بعد أن أعلن بوتين بشكل صريح في بداية الحرب أن الكرملين سيدعم أي خطوة تتخذها المناطق التي ستقع في أيدي القوات الروسية.
ووفقاً للصحيفة، أظهر استطلاع للرأي نشر أمس أن الغالبية العظمى من الأوكرانيين، أي نسبة 89٪، يعتقدون أنه سيكون من غير المقبول التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو بالتنازل عن الأراضي الأوكرانية.
في سياق متصل، نقلت الصحيفة عن مسؤولة استخباراتية أمريكية بارزة زعمها أن بوتين ”لا يزال يهدف إلى الاستيلاء على معظم أوكرانيا“ وليس السيطرة على منطقة دونباس فقط، مشيرة إلى أن الحرب قد تستمر لفترة طويلة.
إرم نيوز
إضافة تعليق جديد