هل ستغضّ موسكو الطرف عن عملية تركية في شمال سوريا؟
لا شك أن الجزء الآخر من المعادلة التركية في سوريا مرتبط بالمواقف الروسية، فكيف سينجح إردوغان في إقناع بوتين بإعطائه ما يريد؟
التعزيزات الضخمة التي يرسلها الجيش التركي إلى كل من منبج وتل رفعت وعين عيسى، إضافة إلى الأرتال العسكرية إلى مناطق في الريف الشمالي لحلب، والمناورات بالذخيرة الحية في بلدة أعزاز تظهر جدية تركية في تنفيذ عمليتها العسكرية المرتقبة ضدّ مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
قد تكون أنقرة نجحت في انتزاع بعض المطالب الاستراتيجية من واشنطن، بعد لقاء القمة الأخير بين إردوغان وبايدن، وبينها الملف السوري والعملية المرتقبة التي تكلم عنها إردوغان، في عمق 30 كلم، من أجل تحريك ملفّ الأزمة السورية. كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد جدد، في طريق عودته من قمة الأطلسي في مدريد، التذكير بالعملية العسكرية الخامسة التي تنوي أنقرة القيام بها في الشمال، ما إن تكتمل الاستعدادات اللوجستية لخطة “المنطقة الآمنة” التي تريدها بلاده على طول الحدود التركية السورية.
سوريا تلاقي وساطة إيران.. ولكن؟
زيارة وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان لكل من تركيا وسوريا أتت في التوقيت المناسب من أجل رعاية عملية تصالحية بين البلدين، والدعوة إلى ضرورة تفعيل التنسيق بين الجانبين، تجنباً للتصعيد، ومنْع وقوع عملية عسكرية تركية جديدة، ترفضها إيران لكونها “تزعزع استقرار المنطقة”، مؤكداً بذْل كل جهد ممكن لمنع وقوع نزاع عسكري جديد في سوريا، وإنهاء الخلافات والعداء بين البلدين.
الدولة السورية، من جهتها، لا تمانع التوافق مع تركيا، شرط انسحابها لاحقاً من كل الأراضي السورية، والتخلي عن دعم الإرهاب. في الوقت عينه، كانت سوريا تراهن على الوساطة الجزائرية من أجل العودة إلى الجامعة العربية، والتفاهم مع الدول العربية للمطالبة بانسحاب تركيا، إلا أنها، في الوقت عينه، رحّبت بالوساطة الإيرانية. فالمسؤولون السوريون يريدون انتزاع تعهّدات من تركيا بالاستعداد للخروج من كل الأراضي التي تحتلها.
“قسد”، من جهتها، تدرك جدية التهديدات التركية، لذلك حاولت تفعيل التنسيق مع الجيش السوري، أي إقامة تفاهم عسكري مع الدولة السورية لصدّ أيّ غزو تركي محتمل، إذ وصلت قوات الدولة إلى مناطق “قسد”، وتمركزت في بلدة عين عيسى، إضافة إلى مدن الباب ومنبج وعين العرب. وجرى تعزيز الوحدات المنتشرة على امتداد المدن والبلدات الواقعة على الطريق الدولي M4 بين حلب والرقة.
كلّ الجهود السورية الروسية، وحتى الإيرانية، تنصبّ في اتّجاه تسليم المنطقة، عسكرياً، إلى الجيش السوري، لكن لا توجد أيّ آلية جديدة للتنسيق بين الجيش السوري و”قسد” على امتداد الشريط، ولم تقرر “قسد”، فعلياً، تسليم مناطق نفوذها إلى الجيش السوري، وأرسلت رسائل إلى الأميركيين تستفسرعن صحة موقفهم من الهجوم التركي وطلبت الوساطة.
الموقف الروسي وقدرة إردوغان على إقناع بوتين
المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بقيت على موقفها السابق، إذ دعت تركيا إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات في شمالي سوريا، من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد خطير للتوتر، من دون موافقة السلطات الشرعية في سوريا، لأن العملية ستكون انتهاكاً للسيادة ووحدة الأراضي السورية، وعلى هذا الأساس، أرسلت روسيا مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى قاعدتها في مدينة القامشلي، والتي تَبعد أقلّ من 5 كلم عن الحدود التركية، في إطار مساعيها لتقوية حضورها العسكري في منطقة شرق الفرات، وأبلغت “قسد” بضرورة الانسحاب من الشريط الحدودي، وتسليمه للجيش السوري.
لا شك أن الجزء الآخر من المعادلة التركية في سوريا مرتبط بالمواقف الروسية، فكيف سينجح إردوغان في إقناع بوتين بإعطائه ما يريد، والأخير يردد أن العالم سيتغيّر بشكل جذري، بعد قرار قبول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي؟ وفي ظل المقايضة التركية السويدية الفنلندية التي سبقتها صفقة تركية أميركية، فاجأت أنقرة الجميع بالتحوّل السريع، والتخلي عن موقفها في مسألة عضوية البلدين في “الناتو”.
أزمة ثقة بين تركيا وروسيا
لقد جرى ضرب التفاهم التركي الروسي في ملف الأزمة الأوكرانية. لا شك أن أنقرة قد حصلت على مكتسبات تسد الفراغ الاستراتيجي في العلاقات التركية الروسية. يرى بعض المحللين أنه من مصلحة روسيا حماية ما تبقى من فرص العلاقة مع الغرب، لذلك لا بد لها من الحفاظ على العلاقة مع تركيا، من أجل الاتفاقيات والمشاريع التجارية والسياحية المشتركة، والخطط الاستراتيجية المشتركة والملف السوري، وتوازنات البحر الأسود وخطوط الطاقة والتعاون التركي الروسي لنقل الحبوب الأوكرانية إلى السوق العالمية.
لكنّ بايدن وجّه ضربة إلى بوتين الذي كان يعوّل على تأخير تركيا موافقتها على عضوية البلدين. العلاقات تتأزم اليوم فموقف موسكو الصامتة تجاه الموضوع يعمّق أزمة الثقة مع تركيا التي ستتحمّل مسؤولية ضرب الوساطة التي كانت هي نفسها تسعى إليها، لا سيما بعد تصريح الولايات المتحدة أنها لا ترى في الوقت الراهن إمكانية لعقد اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
رد فعل روسيا المنتظر، هل سيكون السماح بعملية عسكرية في الشمال السوري، فتبدو ضعيفة تجاه قرارات تركيا المدعومة أميركيا؟ لن تستطيع التغاضي عن عملية كهذه، فرهانها على موقف تركي متوازن سقط. بدأت روسيا بنشر قوات في تل رفعت بعد سحب “قسد” منها، ما يفوّت على تركيا استثمار المدينة لمشروع العودة الآمنة التي تنوي تنفيذه ويعوق العملية. أما إذا أصرت تركيا على العملية من دون موافقة روسيا، فهذا يعني أننا سنكون أمام نجاح واشنطن في دق إسفين في العلاقة الروسية التركية.
هدى رزق
باحثة في الشأن التركي والإقليمي
الميادين نت
إضافة تعليق جديد