لماذا نحب ألبير كامو؟

24-07-2022

لماذا نحب ألبير كامو؟

نشرَ الصحافي آدم جوبنيك مقالاً معنوناً بعبارة "لماذا نحب كامو؟" يتناولُ فيه مواصفات فكرية لشخصية صاحب " العادلون" لافتاً في ذات السياق إلى ماكان يتمتع به من حسن الهندام والوسامة على مستوى المظهر والشكل إذ قارنهُ الجمهور الأميركي بنجوم السينما ويبدو أنَّ هذه الحفاوة التي قد حظي بها لدى المتابعين في أميركا قد أعجبته لذلك يكتب لناشره في فرنسا مازحاً "أنت تعرفُ ،أنَّه يمكنني الحصول على عقد فيلم متى أردت"  فكان يتحلى بما يكسبهُ شهرة بطريقة مباشرة غير أنَّه اختار طريق الفكر مُنخرطاً في مهمة صياغة مقولاته الفلسفية بناءً على التعمق والمُعاينة لتاريخ الفكر الإغريقي والانفتاح على الفلاسفة المحدثين فما يقدمه كامو في "الإنسان المتمرد" و"أسطورة سيزيف" يؤكدُ تمكنهُ ودرايته بمنظومات معرفية وأبدى كامو تفوقاً وتميزاً في سنوات الدراسة وحصلَ على منحة دراسية كاملة في مدرسة عليا رفيعة المستوى تقعُ في مدينة الجزائر العاصمة وبذلك أتيحت له فرصة استكمال نوع من التعليم لم تكن أسرته بقادرة على تحمل نفقاته.

التمرد

هذه المرحلة التي أمضاها ألبير كامو في الجزائر قد تغلغلَ أثرها في مسامات وجدانه وهو يعترفُ بأنَّه بفضل نشأته في هذه البقعة من العالم أصبح يدركُ قيمة ذلك الصيف الذي يسكنهُ في الداخل ولا يبهت.يذكر أنَّ بيئة الطفولة كانت عاملاً لوعي كامو المبكر بمعنى الحرية "الحق أنني لم أَتعلَّم الحرية من كتب كارل ماركس لقد تعلمتها من الفقر" على الرغم من الظروف القاسية التي عاشها مؤلف "الغريب" لكن لم يعدم الطريق لتذوق المرحِ فقد كان لاعباً في فريق كرة القدم بجامعة الجزائر.وعندما منعتهُ الإصابة بمرض السل من الاستمرار في هذا المضمار انصرف إلى تأسيس المسرح فقد صرَّح بأن المسرح هو أحد الأماكن التي أشعر فيها بالسعادة.لاتنتهي اهتمامات كامو عند حدود الرياضة والتأليف والتفلسف والمسرح بل باشر العمل الحزبي وانضمَّ إلى الحزب الشيوعي الجزائري غير أنَّه مالبث طويلاً حتى طُرِدَ وتكرر السيناريو ذاته في علاقته مع الحزب الشيوعي الفرنسي علقَ على هذا الموقف قائلاً "أنا منبوذ من السياسة لأنني غير قادر على الرغبة أو قبول موت الخصم".

يُمثلُ كامو بمواقفه صورة المتمرد على الوصايا والآيدولوجيات الخلاصية رافضاً التضحية بالحياة من أجل المفاهيم المجردة،فاليأس من الحياة في فلسفة كامو هي معادل للحب وليس الهروب منها "لايوجدُ حبُ للحياة من دون اليأس من الحياة" ومايزيدُ من خصوصية كامو هو محاولاته الدوؤبة للتفلت من قيد الألقاب والتسميات الفخمة فهو لايعتبرُ نفسه فيلسوفاً ولايرتاحُ بالانضمام إلى معشر المثقفين.وكان همه الأكبر هو البحث عن المعنى يقول على لسان إحدى شخصيات مسرحية "كاليغولا" "إنَّ فقدان الحياة شيء بسيط وسأجد هذه الشجاعة عند اللزوم ،ولكن أن نرى معنى هذه الحياة يتبددُ وسبب وجودنا يختفي فهذا مالايمكن احتماله!" وبما أنَّ حياة الإنسان تسبقُ المباديء الفلسفية والآيدولوجية من حيث القيمة والأهمية بالنسبة لكامو لذلك فهو لايستسيغُ إنشاء جنة تكونُ من نصيب أقلية أو جيل أو طبقة فحسب والبقية راسفةُ في موقع الضحية "السعادة هي الروح العظيمة فهي لاتسحق الآخرين من أجل أن تعيش".

قولُ على قول

أعلن كامو بأنَّه لايؤمن بالعقل بما يكفي ليؤمن بالنظام لذلك ما أنجزهُ صاحب "الطاعون" لاينزلُ في خانة المنظومات الفلسفية، والحال هذه فإنَّ مسلك كامو في التفلسف أقرب من نيتشه غير أنَّ كامو بدلاً من صياغة الشذرات المستقلة والفصوص المعبرة عن التأمل قد بثَّ مقولاته الفلسفية في طياتِ أعماله الروائية ومقالاته هذا ناهيك عن النبرة الفلسفية الغالبة على خطاباته التي ألقاها في مناسبات متعددة.

ونحن بصدد متابعة التشكيلة الفلسفية لكامو فمن الأجدر بنا أن نفتحَ القوس على ماتقولهُ الأكاديمية والروائية اللبنانية ناتالي الخوري غريب على أقوال ألبير كامو إذ تناقش كلامه بشأن الانتحار بوصفه مشكلة فلسفية وحيدة مبدية موافقتها لما يقوله مشيل أونفري عن كامو "بأنَّه "أقرب إلى طبيب للحضارة وكائن قادر على تشخيص العدمية ومعالجتها. وفقا لكامو ينتحر الناس لأنهم يحكمون على الحياة أنها لا تستحق العيش. يعتمد الوصف، السرد، التفسير، من أجل الوصول إلى حقيقة الأشياء.

يرى كامو مسألة الانتحار استجابة طبيعية لفرضية أساسية، أي أن الحياة عبثية بعدة طرق. وجود الحياة وغيابها يبرران تساؤلاته: من العبث أن نبحث باستمرار عن معنى الحياة، حين لا يكون هناك معنى. ومن العبث أن نأمل بشكل من أشكال الوجود بعد فنائنا. وبما أن المزاج العبثي واسع الانتشار في عصرنا، لم ينبثق من الفلسفة، بل هو كامن في قلبها. لا يجادل كامو حول عبثية الحياة أو يحاول شرحها، فهو غير مهتم بعواقب كليهما، إذ لن يسهم أي منهما في تقويته كمفكر، "إنني مهتم بعواقب الاكتشافات العبثية، أكثر من الاكتشافات نفسها"..

فوق هذا يسأل كامو مع قبوله العبثية كمزاج لكل زمن، ما إذا كان يجب أن نعيش وكيف نواجه ذلك؟ "هل العبثية إملاء للموت"؟ "يجب رسم طرق لعيش حياتنا، لنجعلها مستحقة للعيش، بغض النظر عن انعدام معناها" ومن ثم يستأنف كامو في "الإنسان المتمرد" ما تغاضى عنه في أسطورة سيزيف، حيث يعود من خلال المنطق الجدلي إلى روح المنطق العبثي.

وقد كانت خلاصته في نبذ الانتحار وقبول المواجهة البائسة بين صمت الكون والتساؤل الإنساني. وإذا خلص إلى غير ذلك، فإنه سينفي فرضيته أي وجود المتسائل أن "العبثية يجب أن تقبل الحياة بشكل منطقي كشيء جيد للضرورة".

أما عن مغزى مايقولُ كامو بأنَّه يجبُ أن نتخيَّلَ سيزيف سعيداً تذهب ناتالي إلى أن شخصية سيزيف معاصرة لمن يرغب بحكم الغريزة في أن يكون سعيدا ويود لو استمرت به الحياة إلى الأبد. إلا أن رغباته تبوء بالفشل بحكم طبيعة الوجود ذاته. والعبث من شأنه أن يجعل معرفة الوجود بصورة مباشرة أمرا مستحيلا، ومن ناحية أخرى يقع على المرء سبيل الحصول على معرفة أعلى من مستوى المعرفة العقلية حسب قراءة جون كوكشناك له. وربما أفضل إجابة عن هذا السؤال ما جاء في كتاب "أسطورة سيزيف" نفسه: "السعادة والعبث ابنان لنفس الارض. إنهما متلازمان".

وهذا لا يعني أن اكتشاف العبث يؤدي إلى السعادة، بل الاعتراف بالعبث هو قبول لهشاشة الإنسان والوعي بحدودنا وحقيقة أننا لا نستطيع أن نؤمل بتجاوز ما هو ممكن "على المرء أن يتخيل سيزيف رجلا سعيد" لتغدو الخلاصة هنا، قبول الإنسان بهشاشته والوعي بحدوده، هي ما تجعله سعيدا، أو على الأقل تجعله قادرا على الحصول على نصيبه من السعادة إذا عرف كيف يسعى إليها وأين.

فـ"أفراح سيزيف كامنة فيه. قدره ينتمي إليه. وصخرته ملكه، سيزيف سيد أيامه". من خلال إدراكه لذلك، هو يملك زمام أمره.طبعاً ماوردَ في هذا المقام ليس لمحة عن حياة كامو وأفكاره لذلك فمن الضروري العودة إلى شرفته بالإستمرار للنظر إلى ظواهر الحياة وأحاجي الوجود.ونحب هذا الفيلسوف ليس فقط للأسباب التي ذكرها أدم جوبينيك بل لأنَّه كان مهموماً بصراع الإنسان معظلات وجودية ومفرطاً في حبه للكائن البشرى على الرغم من تاريخه الحافل بالأخطاء .

كه يلان محمد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...