تركيا : مطالَبات متجدّدة بإنصاف العلويّين
أعادت الاعتداءات الأخيرة على خمسة مراكز للعلويّين، في أنقرة، المسألة العلوية إلى الواجهة في تركيا، وسط مطالبات متجدّدة بمنْح هذه الفئة حقوقها، التي يُعتقد أن «معاهدة لوزان» هضمتها على نحو كبير، بعدم اعترافها بالعلوية كمذهب. وإذ امتنعت السلطات المتعاقبة عن اتّخاذ إجراءات لـ«تصحيح» تلك الاختلالات، فإن الغضب اليوم ينصبّ على سلطة حزب «العدالة والتنمية»، المتّهَمة بـ«ازدواجية المعايير»، وتهشيم علمانية الدولة، والتي يشكّل العلويون قاعدتها الصلبة
على رغم أن مسألة العلويين في تركيا لا تتصدّر الواجهة إلّا ارتباطاً بمناسبات محدَّدة، فإن الحديث عنها تَحوّل في التاريخ التركي الحديث إلى «تقليد» يعكس عمق الهوّة في المجتمع التركي تجاه واحدة من أخطر مشكلتَين تُواجههما البلاد (ثانيتهما هي المشكلة الكردية). وإذا كان كلّ ذلك من إفرازات «معاهدة لوزان» التي لم تعترف بالعلوية كمذهب، وبالأكراد كمجموعة عرقية، فإن السلطات المتعاقبة لم تحاول «تصحيح» هذه الأخطاء، لتتحوّل إلى عنصر إقلاق دائم للوحدة الوطنية.
يوم السبت الماضي، في الأول من محرم الذي يصوم العلويون في أيامه العشرة الأولى ويعدّونها من أهمّ المناسبات لديهم، سُجّلت، خلال أقلّ من ساعتين، هجمات على خمسة مراكز للعلويين في أنقرة، من بينها ثلاثة «بيوت جمع» حيث يمارس العلويون عباداتهم الدينية، وهي «شاهي مردان» و«باتي كنت سرتشيشمه» و«توزلو تشاير آنا فاطمة»، والوقف التركماني العلوي البكتاشي حيث جُرحت إحدى العاملات بطعنة سكين، و«جمعية قرية غوكتشيه بل». ودان رئيس الشؤون الدينية - أعلى موقع ديني في تركيا -، محمد علي أرباش، الهجمات على «بيوت الجمع»، داعياً إلى «الوحدة لنبذ الفتنة». كما دان الناطق باسم «حزب العدالة والتنمية»، عمر تشيليك، الهجمات، واعداً بأن الحزب «لن يسمح بتكرارها»، فيما أعلن وزير الداخلية، سليمان صويلو، أن المنفّذ شخص واحد وقد تمّ اعتقاله. لكن المحامية حسنية شيمشيك نقلت عن شهود عيان أن الفاعل ليس شخصاً واحداً - وهو ما أشارت إليه أيضاً تسجيلات كاميرات المراقبة -، قائلة إن هذه الاعتداءات لا تبدو فردية وعفوية بل مدبَّرة، فيما رفض رئيس «بيت جمع الأم فاطمة» (فاطمة الزهراء)، مصطفى بوداك، رواية الدولة، معتبراً إيّاها «غير منطقية».
من جهتها، أجمعت أحزاب المعارضة على إدانة الهجمات. وأكدت رئيسة «الحزب الجيد»، مرال آقشينير، أن أيّ قوّة «لن تفسد وحدتنا»، فيما طالب رئيس «حزب الديموقراطية والتقدم»، علي باباجان، بالكشف عن الفاعلين. كذلك، دعا رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو، إلى «المصالحة الاجتماعية والأخوّة»، بينما شدّد رئيس «حزب العمل»، أرجومند آق دينيز، على أن «من غير المسموح تكرار مجازر تشوروم وسيواس ومراش التي حصلت في السبعينيات والتسعينيات»، علماً بأن الأحداث الأخيرة جاءت في الشهر نفسه الذي وقعت فيه مجزرة فندق ماديماك في سيواس في الثاني من تموز 1993، والتي ذهب ضحيّتها 33 شخصاً من المفكّرين والشعراء والكتّاب العلويين الذين كانوا يشاركون في مهرجان ثقافي علوي. وشنّ النائب عن أنتاليا عن «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي، كمال بلبل، بدوره، هجوماً لاذعاً على وزير الداخلية، معتبراً أن «النظام الحالي لم يتخلّ عن دعم أتباع يزيد ضدّ أنصار الحسين».
وفي الاتّجاه نفسه، أصدرت «جمعية بير سلطان عبدال» العلوية في إسطنبول بياناً أكدت فيه أن «الهجمات لن تثنينا عن مواصلة النضال من أجل الحرية والمساواة، ولن نحني رأسنا للظلم والاستبداد»، مشدّدةً على أنه «من دون تَحقُّق عدالة تامّة في المجتمع، لن تكون هناك حرية للعلويين». واتّهم البيان «حزب العدالة والتنمية» والدولة بـ«تحضير الأرضية المناسبة للفوضى والصدام عشية الانتخابات الرئاسية عام 2023»، داعياً إلى أن «نُفوّت على السلطة لغة التطرّف والعنف هذه من خلال توحيد القوى الديموقراطية». كما دعا إلى «احترام معتقدات وهوية كلّ فرد، مهما كان انتماؤه»، مطالباً بتغيير «النظام الفاسد والمعتلّ»، وبـ«الاعتراف رسمياً ببيوت الجمع»، و«رفع يد الدولة عن المعتقد العلوي». وفي إسطنبول أيضاً، حاولت مجموعة من العلويين تنظيم مسيرة احتجاجية في منطقة غازي، حيث توجد غالبية علوية، لكن الشرطة أغلقت الشوارع لمنْع المسيرة.
أمّا في ديار بكر، فرأت النائبة عن «حزب الشعوب الديموقراطي»، مرال دانيش بشتاش، أن الاعتداءات الأخيرة هي «نتيجة لسياسة الاستقطاب التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية»، فيما أصدرت «جمعية حاجي بكتاش ولي» في أنقرة بياناً رأت فيه أنه «إذا كانت الدولة تؤمن حقّاً بالمساواة، قعليها أن تُحقّق مطالب العلويين»، عادّةً «دعوات وزارة الداخلية إلى التفاعل مع أيام محرم العشرة، ازدواجية معايير مكشوفة، في وقت تُجبر فيه الدولة الطلاب في المناطق العلوية على تعلُّم المذهب السُنّي». وكرّرت الجمعية مطالب العلويين وهي: «الاعتراف بحقيقة وجود بيوت الجمع مكاناً رسمياً لعبادتهم، إلغاء درس الدين الإجباري من كلّ المدارس انسجاماً مع مبدأ العلمانية، منْع عدم الاعتراف بالعلوية في القطاع العام، وقف فتح سجلّات أمنية للعلويين، والمساواة في المواطنية بين العلويين وكلّ المواطنين الآخرين». وإلى ما تَقدّم، يطالب العلويون بإقامة مجلس تمثيلي خاص بهم، ويرفضون أن يكونوا جزءاً من رئاسة الشؤون الدينية الرسمية التي تهتمّ بشؤون الطائفة السنّية، ولها ميزانية كبيرة من الدولة تعادل ميزانية عدّة وزارات مجتمعة. والجدير ذكره، هنا، أن العلويين يشكّلون القاعدة الصلبة للعلمانية في تركيا، على الرغم من أن الدولة لم تُحقّق لهم أيّ مطلب فعلي منذ مئة سنة حتى الآن.
الأخبار
إضافة تعليق جديد