هل تطاول ترامب على الدولة العميقة؟
خالد الجيوسي:
يبدو أن الصّراع المُحتدم على منصب الرئاسة الأمريكيّة، لم ينتهِ بانتهاء فوز الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن، على نظيره في المُنافسة الرئاسيّة الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، فالأخير واصل هجماته الكلاميّة على أداء بايدن الرئاسي، واتّهمه بالخرف، وأن أمريكا في عهده باتت ضعيفة، ويبدو أن بايدن أراد الانتقام لهذه الانتقادات، مع نيّة ترامب مُنافسته مُجدّدًا على الرئاسة ومنعه من الترشّح بواسطة اعتقاله.
القصّة التي تتصدّر الواجهة الآن في الولايات المتحدة، ما قام به عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي وسيطروا على مقر إقامة دونالد ترامب في فلوريدا، وبحسب ترامب، قاموا بإجراء عمليّة بحث غير ضروريّة، وكسروا خزنته، وصادروا وثائق رسميّة رئاسيّة كان قد نقلها ترامب إلى مقر إقامته، والهدف منها منع ترامب من الترشّح للرئاسة.
يستند بايدن فيما يبدو على أُسسٍ قانونيّة لمنع ترامب من الترشّح لمُنافسته، لكن البيت الأبيض ظهر بمظهر غير العالم بتلك المُداهمة، التي لم تجر أي جهة إبلاغه بها كما قال، وعلم بها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
في الأوساط السياسيّة الأمريكيّة يثور جدل بأن رئيساً سابقاً (دونالد ترامب) قد تعرّض لمثل هذه المُعاملة والتفتيش، فكيف هو الحال مع المواطن الأمريكي العادي، لكن عمليّة التفتيش هذه يقول آخرون بأنها حصلت بقرار وتفويض من المحكمة، ولإساءة تعامل ترامب مع وثائق سريّة، صحيفة “واشنطن بوست” أكّدت بدورها معلومة أن عمليّة التفتيش التي أغضبت ترامب، واستمرّت لساعات، تمّت بتفويضٍ من المحكمة.
في التوقيت، وإن كان بالفعل ترامب مُذنبًا بقضيّة إساءة استخدام وثائق سريّة ونقلها من البيت الأبيض لمقرّه، والذي يُحاكم بقضايا أخرى أبرزها اقتحام أنصاره للكونغرس لمنع تصديق فوز بايدن، ومُحاولة تغيير النتائج، فإن إخضاعه لتحقيق حول إساءته استخدام وثائق سريّة، ومع اقتراب موعد حُلول الانتخابات، أمر يُثير علامات استفهام، بل إنه أمر يُثير المشاكل كما يُعلّق السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام على الأمر.
التساؤل العريض سيكون حول الإجراءات التي ستُتّبع بعد اقتحام وتفتيش “الإف بي آي” مقر إقامة ترامب في فلوريدا، وما إذا كان سيترتّب على الأمر أكثر من مُصادرة وثائق رسميّة، وتوجيه تهم جنائيّة لدونالد ترامب، وبالتالي إمكانيّة اعتقاله، الإجابة على هذا السّؤال، تبدو غامضة، ولا يحسمها المدّعي العام ميريك غارلاند الذي رفض التعليق على إمكانيّة توجيه اتهامات لترامب، لكنّه أكّد أيضاً بأنه لا يُوجد شخص فوق القانون، ووحدها وزارة العدل من يُمكنها توجيه اتهام لترامب بارتكاب جرائم فيدراليّة.
ولا بد من الإشارة، إلى أن وزارة العدل الأمريكيّة لا تستطيع توجيه اتهامات لرئيس في منصبه، ولكن يُمكنها توجيه اتهامات لمُرشّح رئاسي، وهو ما قد ينعكس سلباً على مُستقبله السياسي، وهو ما قد يُفسّر توقيت السّعي لتفتيش مقر إقامة ترامب، واحتمال توجيه اتهامات ما قبل الانتخابات، أو منعه من الترشّح للرئاسة كما يقول ترامب نفسه ومع استعداده لخوض انتخابات رئاسيّة مُحتملة العام 2024.
وصادرت “إف بي آي” وثيقة مُكوّنة من 100 صفحة من منزل ترامب في فلوريدا، من جهتها قالت خصمة الرئيس دونالد ترامب الشهيرة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، بأن لا أحد فوق القانون سواء الرئيس السابق، أو الرئيس الحالي، وبالنظر لتاريخ المُناوشات الكلاميّة بين ترامب وبيلوسي، قد تكون الأخيرة سعيدة باتهامه، وتوجيه اتهامات جنائيّة له، قد تُفضي لاعتقاله، ولكن على المقلب الآخر الجمهوريّون يستشعرون بخطر داهم قد يطال مُرشّحهم الرئاسي ترامب، وتعليقاً قال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو: “بايدن والديمقراطيين يلعبون بالنار، لم نشهد في التاريخ الأمريكي أن استعمل رئيس سُلطاته لمُلاحقة خُصومه السياسيين، 30 عميلاً فيدراليّاً داهموا مقر ترامب من أجل منعه من الترشّح للرئاسة في 2024”.
ينفي البيت الأبيض إعلامه بتلك المُداهمة لمقر ترامب، وعدم إبلاغه بها من قِبَل سُلطات إنفاذ القانون، بل وإعلانه علمه بذلك عن طريق “تويتر”، ومع هذا تساؤلات الجمهوريين تبقى مطروحة، وواقعيّة هل يستعمل ويستغل بالفعل الرئيس بايدن سُلطاته لمُلاحقة خصومه السياسيين، ويُريد الظهور بمظهر البريء، مع عدم إغفال أن فوز ترامب لا يزال قائماً بالانتخابات الرئاسيّة القادمة، فهو خسر بفارق ضئيل، ولا يزال يحظى بشعبيّة في أوساط الأمريكيين، كيف لا وهو الذي تباهى بحلب دول الخليج، وبأموالهم خفّض نسب البطالة، وكانت أسعار الوقود في عهده أرخص مُقارنةً بأسعارها غير المسبوقة بعهد بايدن، وحرب أوكرانيا، وفشل الأخير بدفع السعوديّة إلى رفع الإنتاج النفطي على عكس ترامب، وأمام هذا قد يكون بايدن معنيّاً بتحريك “الإف بي آي” نحو منزل ترامب، وإن ادّعى عدم علمه بذلك.
بكُل حال تفتيش منزل دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة 45 تعد سابقة تاريخيّة في تاريخ أمريكا وبحق رئيس سابق، وعليها يُمكن أن تترتّب سوابق تاريخيّة أخرى عليها، قد تبدأ من صراع الجمهوريين والديمقراطيين غير المسبوق مُمثّلاً ببايدن، وترامب، حيث الأخير (ترامب) مَهووسٌ بالأنظمة الديكتاتوريّة، وكان طالب جنرالات جيشه بالولاء الكامل له، وأعلن أخيرًا بأنه سيُنهي الدولة العميقة في بلاده بتجفيف المُستَنقع، فهل أخذت الأخيرة القرار بالتخلّص منه لما قد يُشكّله من خُطورة على أسس الدولة الأمريكيّة وأمنها القومي، وهل يكون ترامب الأشقر والراغبين بإنهاء ظاهرته في المُقابل، السّبب بإنهاء بلادهم “العُظمى” مُستَقبلاً، وإدخالها بصراعات وحرب أهليّة، وفي ظِل صُعود روسي صيني لافت، فكم من دول عظيمة أنهتها الخلافات الداخليّة، وباتت مُجرّد سُطور في صفحات التاريخ.
رأي اليوم
التعليقات
انا بريء من امريكا و من حب…
انا بريء من امريكا و من حب امريكا ومن حب الذين يحبون امريكا..وان قلتم ان امريكا هي الله فان اول الملحدين.. ا.م
إضافة تعليق جديد