هل تصبح تركيا عضواً في الجامعة العربية؟
حسني محلي:
بعد أن أصبح رئيساً للوزراء نهاية 2002، كانت دمشق المحطة الأولى لعبد الله غول، في جولته الإقليمية، في 5 كانون الثاني/ يناير 2003، وسعى خلالها لإقناع هذه الدول: سوريا ومصر والسعودية والأردن وإيران، بضرورة العمل المشترك لمنع الاحتلال الأميركي-البريطاني للعراق.
وكانت هذه الزيارات بداية الانفتاح التركي على المنطقة، خصوصاً بعد أن رفض البرلمان التركي في الأول من آذار/مارس 2003 السماح للقوات الأميركية باستخدام الأراضي والأجواء والمياه التركية خلال عدوانها على العراق.
كما كانت هذه الزيارة بمنزلة التحول الاستراتيجي في خيارات أنقرة، العضو في الحلف الأطلسي، على أساس “صفر مشاكل مع الجيران”، وهو الشعار الذي أطلقه أحمد داود أوغلو، وكان آنذاك مستشاراً لعبد الله غول للسياسة الخارجية، و”شاء القدر” أن يصبح وزيراً للخارجية، ثم رئيساً للوزراء بعد أن قال الإعلام الأميركي عنه إنه ” كيسنجر الشرق الأوسط “.
وخلال هذا التحول، أقام غول ثم إردوغان وداود أوغلو علاقات متينة وشاملة مع جميع دول المنطقة (بما فيها إيران) التي زاروها أكثر من مرة، بعد أن تهربوا من أي مقولات دينية أو عقائدية وقومية ومذهبية.
وكان كل ذلك كافياً لدعوة رئيس الوزراء إردوغان إلى حضور القمة العربية في الخرطوم في آذار/مارس 2006، ثم الرياض في آذار/مارس 2007، وأخيراً في سرت بليبيا في آذار/مارس 2010، وكنت آنذاك معه في تلك القمة التي طرح البعض من الزعماء خلالها ضرورة دعوة الرئيس الإيراني أيضاً إلى مثل هذه القمم لموازنة الحضور التركي.
وجاء ما يسمى بـ”الربيع العربي” ليدمر كل ما بناه غول وإردوغان في علاقات تركيا بالدول العربية وإيران، بعد أن أصبحت أنقرة طرفاً رئيسياً ومباشراً في أحداث هذا “الربيع” وتطوراته، وأرادت واشنطن له أن يساعد الأحزاب الإسلامية أي الإخوانية في الوصول إلى السلطة، خصوصاً بعد أن نجحت، خلال السنوات التي سبقت “الربيع”، في تسويق العدالة والتنمية كحزب إسلامي معتدل في بلد مسلم وديمقراطي وعلماني.
وأثبتت السنوات التالية أنه لم يكن كذلك بعد أن بايع “الإخوان المسلمون” العرب إردوغان ” كسلطان وخليفة ” جديد، حتى لو كان ذلك بملامح عثمانية قومية جديدة أراد من خلالها إردوغان أن تحيي له وللشعب التركي ذكريات الإمبراطورية العثمانية، التي تغنى هو ومن معه بها، ليس فقط عبر الخطابات الحماسية، بل من خلال الأفلام والمسلسلات التلفزيونية أيضاً.
وكان كل ذلك كافياً للرئيس إردوغان كي يستنفر كل إمكانياته لإحكام سيطرته على مسار “الربيع العربي”، خصوصاً بعد أن ساعدته واشنطن والعواصم الغربية على سحب بساط الإسلاميين من تحت أقدام آل سعود وحلفائهم، على أن يبقى آل ثاني (وهم أيضاً وهابيون) إلى جانب العثماني إردوغان، وفق سيناريوهات المسرحية الأميركية.
فتدخل إردوغان بشكل مباشر وغير مباشر في أحداث “الربيع العربي” في تونس، ثم مصر وليبيا، وأخيراً في سوريا في الوقت الذي ارتفعت معنوياته عندما استلم حزب العدالة والتنمية الإسلامي السلطة في المغرب، بعد أحداث “الربيع العربي” مباشرة.
وهبّت الرياح لاحقاً بما لا تشتهي سفن إردوغان، الذي لم يتراجع عن أهدافه في العودة إلى مناطق الحكم العثماني، حتى بعد سقوط أحلامه في مصر بعد انقلاب السيسي، ثم فشل الإخوان في تونس.
ويفسر ذلك حديثه باستمرار، ومنذ الأيام الأولى لـ”الربيع العربي” عن خارطة الميثاق الوطني لعام 1920، وكانت ترى في شمال سوريا والعراق جزءاً من تركيا الحالية، وبعد أن عقد إردوغان آمالاً كبيرة على الإسلاميين في المنطقة عموماً.
وعلى الرغم من خسارة إردوغان لكل من مصر وتونس، سعى لتعويض ذلك بالتركيز أكثر على سوريا، جارة العراق، وليبيا جارة مصر وتونس والسودان. وخسر إردوغان في الأخيرة حليفه العقائدي الإخواني عمر البشير، إلا أنه نسيه فوراً، واستقبل الانقلابي عبد الفتاح البرهان أكثر من مرة في قصره في أنقرة، وهذا أيضاً ما تمليه مسرحية المضحك المبكي الأميركية.
كل هذه التناقضات لم تكن كافية بالنسبة إلى الرئيس إردوغان ليكفّ عن تدخلاته في الدول العربية، بشكل مباشر أو غير مباشر. فعلى الرغم من وعوده للرياض وأبو ظبي والقاهرة بقطع علاقته بالإخوان المسلمين، تشكك معلومات صحافية في التزامه بهذه الوعود التي تتناقض مع استمراره في دعم الإخوان المسلمين بكل فصائلهم المسلحة وغير المسلحة في سوريا وليبيا والصومال والعراق واليمن.
كما يتحدث الإعلام العربي والغربي بين الحين والحين عن اهتمام إردوغان بإسلاميي الدول العربية الأخرى، كلبنان والجزائر وموريتانيا وجيبوتي والأردن، إن كان ذلك بشكل مباشر أو في السر والخفاء.
ويرشح كل ذلك تركيا إلى عضوية الجامعة العربية أكثر من أي دولة عربية تأتمر أنظمتها بواشنطن و”تل أبيب”. ويثبت ذلك الوضع الذي آلت إليه الجامعة بعد ما يسمى بـ”الربيع العربي”، بما في ذلك تعليق عضوية سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر 2011.
ولعب داود أوغلو الذي سافر آنذاك إلى القاهرة وحضر اجتماع المجلس الوزاري دوراً أساسياً في اتخاذ هذا القرار، جنباً إلى جنب مع وزراء خارجية قطر والسعودية ومصر، وكل ذلك بتعليمات مباشرة من هيلاري كلينتون، “معلمة” الجميع، وكان أي داود أوغلو يفكر أن تحل بلاده محل سوريا في الجامعة.
ومع كل ذلك، انتهت مغامرات إردوغان بوضعها الحالي بسيطرة الجيش التركي ومؤسسات الدولة التركية الأخرى على مساحات واسعة من سوريا وليبيا والعراق والصومال، من دون أن تحرك الأنظمة العربية الأعضاء في الجامعة ساكناً حيال هذا الوضع ما دام “يحد من الدور الإيراني في المنطقة “!
وكانت هذه العقلية هي نفسها لدى الأنظمة الخليجية التي حرضت واستفزت صدام حسين كي يشن عدوانه المعروف على إيران في أيلول/سبتمبر 1980، إلى أن دخلت واشنطن على الخط فأنهت الحرب بعد ثماني سنوات.
ولم تكن هذه السنوات بمآسيها الأليمة على الشعبين العراقي والإيراني كافية بالنسبة إلى صدام حسين، فأمر هذه المرة باحتلال الكويت في آب/أغسطس 1990. وخلق ذلك للمنطقة ما خلق من المشاكل العويصة التي فتحت الطريق أمام ما يسمّى بـ”الربيع العربي” في إطار مشروع “الشرق الأوسط الكبير”، أو الجديد، كما وصفته كوندوليزا رايس، خلال زيارتها “تل أبيب” 22 تموز /يوليو 2005، بعد أن طرحت نظريتها الشهيرة لإسقاط الأنظمة في المنطقة عبر “الفوضى الخلاقة”.
ولم يمنع كل ذلك الرئيس إردوغان من التطبيع مع “تل أبيب” من جديد، وإقامة علاقات مميزة معها، وهو بانتظار الحكومة الجديدة هناك.
وقد تحمل مثل هذه العلاقات المميزة معها الكثير من المفاجآت، بما في ذلك إقامة تكتل إقليمي جديد، كان يتحدث عنه الأميركيون دائماً تحت عنوان “التنسيق والتعاون الإقليمي”، ليحلّ محل الجامعة العربية بعد انضمام تركيا و”إسرائيل” إليه، وفق استراتيجيات “الاتفاقية الإبراهيمية”.
يجدر التذكير بانتقادات إردوغان العنيفة للإمارات والبحرين عندما وقعتا على هذه الاتفاقية في أيلول/سبتمبر 2020، ولحقت بهما المغرب.
وسعى إردوغان، خلال الأشهر القليلة الماضية، لمصالحة هذه الدول، وإقامة علاقات مميزة معها وتطويرها، كما هي الحال مع السعودية ومصر، ما دام الجميع “سوا في الهوا” الأميركي، أي الإسرائيلي!
الميادين
إضافة تعليق جديد