هل من دور قريب لباريس تجاه دمشق؟
بعد أن اجتمع ممثلون عن جامعة الدول العربية ومصر والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا واليونان والعراق والأردن والنرويج وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية في جنيف يومي 30 و31 آب/أغسطس الفائت، على مستوى المبعوثين لمناقشة الأزمة في سوريا، وتأكيدهم على الالتزام بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سوريا، أشار تقرير لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إلى أنه في بداية الصيف، التقى وسيط سوري من دمشق بمستشار للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.
على الرغم من تراجع الاهتمام الفرنسي بالملف السوري مؤخرا لو بشكل جزئي على الصعيد الإعلامي، تثار التساؤلات حول الدور الفرنسي في الفترة المقبلة داخل الملف السوري، وما الذي يمكن أن تحتاجه باريس من دمشق حتى يتم عقد ذلك اللقاء.
عوامل أدت لتغيير المعادلة؟
كانت العلاقات الفرنسية السورية على مدى عقود مرتبطة ارتباطا وثيقا، وحتى بعد أن استلام الرئيس بشار الأسد للحكم, واصلت فرنسا سياستها تجاه الحكم السوري في محاولة لتقريبها من فرنسا والابتعاد عن روسيا وإيران. ومع ذلك، استثمر الأسد هذا الدعم الفرنسي والغربي للتحول إلى قوة إقليمية، لكنه فضل في الوقت نفسه البقاء أقرب إلى تحالفاته مع إيران وروسيا.
يقول الباحث في العلوم السياسية، ماثيو ويلسون، أنه بعد اندلاع الاحتجاجات في آذار/مارس 2011، اتخذت باريس موقفا حازما ضد بقاء الأسد في السلطة. وكانت بالفعل أول دولة غربية تتحدث عن إسقاط الرئيس الأسد بالقوة، على الرغم من أنها لم تستطع فرض هذا الخيار.
إلا أن الدور الذي سعت فرنسا إلى لعبه في سوريا، والشرق الأوسط بشكل أعم، على مدى السنوات القليلة الماضية، بحسب حديث ويلسون لـ”الحل ”، قد تشكل من خلال عوامل جيوسياسية رئيسية؛ هي طموحات فرنسا في أن تكون، مرة أخرى، لاعبا مؤثرا لعدم قدرتها على لعب هذا الدور بمفردها أو من خلال الاتحاد الأوروبي، وأيضا أدى تقارب إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب مع موسكو، إلى تهميش فرنسا وأوروبا إلى حد كبير كلاعبين مؤثرين في الأزمة السورية.
وقد شكلت هذه العوامل السياسة الخارجية والداخلية الفرنسية حول ثلاث قضايا رئيسية، أو مجالات المواجهة، مرتبطة بالأزمة السورية وعلاقة فرنسا بروسيا: الهجرة والإرهاب وحرب الغاز.
إضافة إلى ذلك، يقول ويلسون، إن “فشل المعارضة السورية في تحقيق التغيير السياسي وإضعاف المجموعات العسكرية المختلفة وتقسم البلاد إلى أربع مناطق تعاني جميعها من أوضاع اقتصادية وأمنية سيئة، تسبب هذا الفشل في هجرة أعداد كبيرة من الشباب إلى أوروبا وعودة داعش إلى البادية السورية، ولذلك كان لابد من تغيير فرنسي في التعامل مع دمشق”.
هل تلحق باريس بأنقرة؟
خلال الفترة السابقة، ثبت أن هذا النهج الواقعي للمشكلة في سوريا غير مفيد، لأن كل ما يفعله المجتمع الغربي هو الإبقاء على المشكلة، بنظر الباحثين. وعليه كانت مقترحات الدراسات السياسية الأخيرة، أن يكون التركيز على إرساء الشرعية السياسية وليس إدامة الانقسامات من خلال دعم القوى القائمة.
يقول ويلسون، أن باريس لا تنظر إلى الأسد حاليا إلا على أنه عدو لفرنسا، رغم أنه من الطبيعي أن تهتم فرنسا بالبحث عن حل سياسي في سوريا إن أمكن، ودعم تنفيذ القرار 2254، إلا أن حقيقة الوضع تبين أن فرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبي يرون أن سقوط الرئيس بشار الأسد لم يعد احتمالا في الوقت الحاضر، وأنه باق في السلطة على الأقل خلال المرحلة الحالية.
ورغم ذلك، وفقا لما يراه ويلسون، فإن الأوروبيون لا يزالون ملتزمين برفض التطبيع مع دمشق، والإبقاء على الضغوط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، ولكن في الفترة الحالية أو المقبلة، باتت طموحات ومواقف باريس محدودة، مع تحول الأراضي السورية إلى نقطة محورية للصراعات متعددة المستويات والمصالح المتشابكة للاعبين الإقليميين والدوليين، وعليه ستذهب باريس نحو فتح قنوات حوار ضيقة للضغط على دمشق.
ويرجع الباحث السياسي ذلك، إلى تصاعد المواجهة المستمرة مع روسيا، من أوكرانيا إلى سوريا، ما جعل باريس أكثر انخراطا في العديد من المجالات الجيوسياسية، مثل الهجرة والإرهاب، والتي ألقت بظلالها ليس فقط على السياسة الخارجية الفرنسية؛ ولكن على سياستها الداخلية أيضا.
لقاء سوري فرنسي لأول مرة منذ 8 سنوات
تحت عنوان “هل انتهت الحرب في سوريا”، نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية مقالا للصحفي الخبير في شؤون الشرق الأوسط جورج مالبرينو، كشف فيه عن أفق الحل في الأزمة السورية.
واعتبر مالبرينو، أن الصراع في سوريا تمّ تجميده، دون أي احتمال لتسوية دائمة، مقدما في المقال صورة عامة عن التحولات في السيطرة الميدانية على الخريطة السورية.
وقال الخبير الفرنسي، إن المنطقة الجنوبية شهدت انخفاضا في تواجد القوات الروسية، في مقابل زيادة بعدد القوات الإيرانية، وفي الشمال رأى أن حرب أوكرانيا أجلت أي عملية عسكرية “سورية – روسية” باتجاه إدلب.
وعن التقارب السوري – التركي، قال مالبرينو، إنه أدى إلى زيادة في عدد الهجمات التي تنفذها أنقرة بالطائرات المسيّرة ضد مواقع الأكراد في الشمال، مشيرا إلى وجود معارضة روسية – أميركية لهجوم تركي على الشمال السوري حتى الآن.
أما من ناحية الانفتاح على دمشق والتقارب مع حكومة دمشق، أكد التقرير أن الرئيس بشار الأسد أصبح مرة أخرى رئيسا مقبولا من قبل غالبية الزعماء في الدول العربية، رغم ما رافق تلك العلاقة من انقطاع في بداية عام 2011.
وأضاف: “قد تكون العودة إلى جامعة الدول العربية الخطوة التالية في القمة العربية في الجزائر في تشرين الثاني المقبل، لكن ما يزال هناك تردد من جانب السعوديين وقطر”.
وكشف الخبير الفرنسي في مقالته عن حدوث لقاء سوري – فرنسي لأول مرة منذ سنوات، وقال إنه في بداية الصيف، ولأول مرة منذ ثماني سنوات، التقى وسيط سوري من دمشق بمستشار للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.
ولفت مالبرينو، إلى خطوة فرنسا عام 2021 عندما سمحت للسوريين بالتصويت بالانتخابات الرئاسية، على عكس 2014، مبينا أن اللقاء الفرنسي السوري قد لا يؤتي ثماره على المدى القصير.
وكالات
إضافة تعليق جديد