تصدّعات المعارضة التركية في مواجهة أردوغان؟
سركيس قصارجيان:
ترسل الخلافات بين أقطاب التحالف السداسي إشارات مقلقة إلى الناخبين الأتراك المعارضين للرئيس رجب طيب أردوغان، والذين يعلّقون آمالاً كبيرة على الطاولة السداسية للإطاحة به، بتحالف هو الأوسع والأشمل في التاريخ الحديث للبلاد.
وردّت زعيمة "الحزب الجيد" ميرال أكشينير بالأمس على انتقادات حليفها، رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، كمال كيليتشدار أوغلو، بلغة قاسية لتؤكد التنبؤات والتحليلات التي تحدّثت الأسبوع الماضي عن حالة اللااستقرار التي تعيشها "الطاولة السداسية".
أكشينير: لسنا "كتاب عدل"
خلال مشاركتها في برنامج حواري على شاشة قناة "هابر تورك" في السابع والعشرين من أيلول (سبتمبر) 2022، أرسلت زعيمة "الحزب الجيد"، ميرال أكشينير، رسائل مباشرة إلى التحالف السداسي قائلة إن الطاولة السداسية، ليست كاتباً بالعدل مهمّتها التصديق على الأوراق، "يمكننا أن نعلن عن مرشّحنا أيضاً".
كلام أكشينير، جاء ردّاً على تصريحات أهم شركائها في التحالف، زعيم المعارضة الأم في تركيا، كمال كيليتشدار أوغلو، الذي قال الأسبوع الماضي في اجتماع تقييم لكتلة حزب "الشعب الجمهوري" النيابية في إزمير حينما خاطب أعضاء الحزب قائلاً: "الآن عليّ أن أعرف. هل أنتم معي حقاً؟ البعض منكم لا يتكلم علانية. وبعضكم يلحق بنا الأذى عن قصد أو بغير قصد. عليكم أن تقرروا الآن. هل سنهزم أعداء الشعب هؤلاء معاً أم لا؟"، لينال تصفيق الحضور في القاعة.
وتلقّى رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، الذي كرر جملة "أريد أن أشعر بأنكم معي، الآن... أريد أن أشعر بذلك"، رسائل دعم نوّابه في رئاسة الحزب والكثير من برلمانييه وأعضائه، والأهم من رؤساء بلديات أنقرة وإسطنبول وأزمير، على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين غرّدوا مستخدمين وسم "#yanindayiz"، أي "نحن معك".
خطاب كيليتشدار أوغلو كان موجّهاً في الحقيقة إلى الداخل والخارج على حدّ سواء. وعلى الرغم من عدم إعلان التحالف السياسي لمرشّحه التوافقي للانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في حزيران (يونيو) 2023، إلا أن منافسة حامية الوطيس تشهدها كواليس التحالف من أجل إعلان مرشّحه، يخوضها كل من رئيس حزب "الشعب الجمهوري" ورئيسا بلديتي أنقرة وإسطنبول.
قد تكون هذه الانتخابات بمثابة الفرصة الأخيرة لكيليتشدار أوغلو، ليس لتحقيق طموحه في التربّع على عرش أعلى سلطة سياسية في البلاد فحسب، بل في اكمال مسيرته السياسية بشكل عام. فالزعيم المسن، الذي يترأس أكبر حزب معارض في البلاد منذ عقد من الزمن، فشل في نقل "الشعب الجمهوري" إلى السلطة طوال السنوات العشر الماضية، وظلّ في منصبه مصمماً على تحقيق هذا الحلم.
بعد كل ما سبق، وعلى الرغم من تحرّكات كيليتشدار أوغلو، التي تشير بوضوح إلى رغبته في منافسة أردوغان في الانتخابات المقبلة، فإن تأكيد شركائه في الطاولة السداسية على "ضرورة التوافق على مرشّح ضامن للفوز" يشير إلى غياب التوافق على ترشيحه، حيث يرى كثيرون في ترشيح شخصية من الطائفة العلوية مثل كيليتشدار أوغلو في مجتمع يُحكم بسياسة الاستقطاب الطائفي والقومي منذ سنوات مقامرة خطرة، مفضّلين شخصيات أكثر شعبية كرئيس بلدية أنقرة منصور يافاش "القومي السنّي" أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو "الليبرالي الشاب".
لسنا المعنيين بكلام كيليتشدار أوغلو!
لكن، وفي تصريح متناقض لقرار "المرشّح التوافقي المشترك"، أعلن كيليتشدار أوغلو قبل أسبوع أن حزبه هو من سيحدد مرشّح الطاولة السداسية للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما أثار حفيظة السياسية اليمينية المخضرمة، ميرال أكشينير، التي قابلت هذا التصريح بلغة قاسية حينما ردّت على سؤال محاورها حول الموضوع بالقول: "اعتبرنا (كلام كيليتشدار أوغلو) رسالة داخلية لنوّاب حزبه، ولم نرَ أنفسنا معنيين بهذا التصريح".
فشل حزب "الشعب الجمهوري" في كل الاستحقاقات الماضية، سواء تلك الخاصة بالانتخابات البرلمانية، أو المحلّية، حتّى عام 2019، حينما نجح للمرة الأولى منذ ربع قرن في الحصول على أكبر 3 بلديات في البلاد، بفضل تحالفه مع "الحزب الجيد" المنشقّ عن حزب "الحركة القومية"، والحصول على تأييد الأكراد من خلال الاتفاق مع حزب "الشعوب الديموقراطي".
أحيا الانتصار آمال "الشعب الجمهوري" في الإطاحة برئيس البلاد، التي تعاني من أزمة اقتصادية مركّبة تتمثل بازدياد التضخّم وتراجع قيمة العملة المحلية وهروب الاستثمارات الأجنبية. فكان قرار "ائتلاف الأمة" الذي يجمع كلاً من "الشعب الجمهوري" و"الحزب الجيد" بإنشاء تحالف من أجل الانتخابات المصيرية عام 2023 يضم أكبر عدد ممكن من الأحزاب المعارضة للرئيس التركي وتحالفه.
سمّي التحالف الجديد "بالطاولة السداسية" كونه ضم إلى جانب حزبي تحالف الأمة كلاً من أحزاب "المستقبل" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، وحزب "الديموقراطية والتقدم" برئاسة وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، وحزب "السعادة" برئاسة تيميل قره مولا أوغلو، وريث حزب "الرفاه" الذي أنشق عنه أردوغان ورفاقه المؤسسين لـ"العدالة والتنمية"، والحزب "الديموقراطي" بزعامة غولتيكين أويسال، اجتمعوا حول طاولة دائرية، تأكيداً على الفصل بين حجم الأحزاب سياسياً وبرلمانياً ووزنهم في القرارات المتّخذة ضمن التحالف.
عقد التحالف، الذي يختلف أعضاؤه في الأيديولوجيات والنهج السياسي ويتّفقون على معارضة النظام الرئاسي وائتلاف السلطة فقط، 6 اجتماعات منذ الإعلان عن تأسيسه في شباط (فبراير) الفائت، وكان اللافت في البيان الختامي لاجتماعه الأخير في آب (أغسطس) الماضي، التأكيد على "المرشّح التوافقي المشترك" كحل وحيد لانتزاع الحكم من مخالب الرئيس التركي القابض عليه منذ عقدين كرئيس للوزراء بداية في الفترة الممتدة بين أعوام 2003 حتى 2014، وبعدها كرئيس للجمهورية.
لم تكتفِ أكشينير بتصريحاتها خلال الحوار التلفزيوني، لتقوم بإرسال رسالة جديدة صباح أمس الخميس، عندما ردّت على أحد أصحاب المحال الذي طلب منها خلال جولتها في السوق "ألا تصدر أصوات انشقاق في الطاولة السداسية، لتتمكن من إصلاح البلاد" بالقول: "لسنا بصدد الانحراف عن الطاولة، لكن عليك أن تكرر ما قلته لي على الجميع"، وهو ما يفسّر أن التباين بين أكبر قوّتين داخل الائتلاف السداسي لا يزال مستمراً.
تؤكد المعارضة ضرورة اختيار "مرشح مضمون الفوز"، لكن تسمية الشخصية التي ينطبق عليها التعريف المذكور تبدو بالغة التعقيد. فكيليتشدار أوغلو العلوي مهدّد بالحرمان من أصوات الكثير من السنّة المحافظين، ومنصور يافاش اليميني القومي قد يفشل في الحصول على أصوات الناخبين الأكراد ومؤيدي حزب "الشعوب الديموقراطي"، والحال ذاته ينطبق أيضاً على أكشينير، ليبقى الأقرب إلى تحقيق المعيار السابق، أكرم إمام أوغلو، الذي فاز بأصوات السنّة والعلويين والأكراد والقوميين والمحافظين والعلمانيين في انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019، على الرغم من تعرّضه للكثير من الانتقادات مؤخّراً بسبب بعض الخطوات الخاطئة التي اتّخذها خلال سعيه للتقرّب من أوساط مؤيدة للرئيس التركي، بخاصة الصحافيين المصنّفين "كمطبّلين" لأردوغان وحزبه طوال السنوات الماضية، كما أن ترشّحه يحتّم عليه الاستقالة من منصبه، ما يعني خسارة حزب "الشعب الجمهوري" لأهم بلدية في البلاد بعد فوز طال انتظاره لربع قرن.
فهل يتخلّى كيليتشدار أوغلو عن طموحه السياسي ويقدّم ترشيح إمام أوغلو للتصويت على الطاولة السداسية؟ لا شك في أن اجتماع 2 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل للطاولة السداسية سيكون مصيرياً بالنسبة إلى الناخبين المعارضين والذين ينتظرون إعلان المعارضة لمرشّحها، ولحزب "العدالة والتنمية" ورئيسه أردوغان وشريكه في الحكم دولت باهتشيلي على حد سواء.
إضافة تعليق جديد