أمريكا في فكر وثقافة "روجيه غارودي"

17-02-2023

أمريكا في فكر وثقافة "روجيه غارودي"

Image

د. نزار خليل العاني

كنت على قلة ما أكتب بصدد إعداد دراسة موسعة لكتاب هام جداً لـ "روجيه غارودي" عنوانه (الإرهاب الغربي) ، وبسبب الزلزال والتقاعس والتقصير والإرهاب الأمريكي المفضوح ، سأكتب على عجل ما كتب الكنسي الكاثوليكي/ الملحد /الشيوعي/ المسلم / والمفكر والفيلسوف الرصين "غارودي " عن سلطة ، وليس شعب، هذه الأمبراطورية الأمريكية العظمى ، والتاريخية ، والتي تملك كل قرارات الأرض والسماء ، بديلا عن الله ، وبديلا عن ما ارتضته البشرية ، منذ شريعة حمورابي ، إلى شرعة حقوق الإنسان الوضعية الكاذبة .
مقتطفات دقيقة  من الكتاب حول أدوار الإرهاب الأمريكي والغربي ، على لسان عاقل غربي صادق وأمين :
- 6 أغسطس 1945 أصدر ترومان أوامره بإلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما .. خلفت 80 ألف قتيل و 100 ألف جريح ومصاب (ص5).
- 9 أغسطس ألقيت قنبلة على ناغازاكي .. وهذا ما جعل رقم الضحايا يرتفع إلى 200 ألف قتيل (ص6).
- التدخل الذي قامت به عام 1965 بتمويل الانقلاب العسكري لسوهارتو في إندونيسيا، حيث قام بمجزرة حصدت أرواح 800 ألف نسمة (ص7).
-  بعد الانحرافات الغربية على مدى خمسة قرون من الحداثة والتجانس وصولاً إلى الولايات المتحدة، رائدة وطليعة الانحطاط ، المتبلدة دماغياً مع أنها في منتهى القوة (ص23).
- وكان أن أصبحت مناضلاً ، على امتداد أربعين سنة .. كان المناضلون يتصدون لاستعباد أوروبا من طرف أولئك الذين جعلتهم الحرب بأقل التكاليف أسياد العالم ـ - يقصد أمريكا- (ص26).
- 80% من موارد الكوكب ، هي تحت إدارة استهلاك 20% من المحظوظين أصحاب الامتيازات..وهذا ما يؤدي في البلدان اللاغربية بسبب الجوع والتغذية ، إلى 30 مليون وفاة كل عام (ص38). 
- ربوبة السوق، قد أوصل الكرة الأرضية بأكملها إلى غابة بدائية تتصارع فيها إرادات التنمية وإرادات القوة لدى الأفراد والدول (ص38) .
- إذا ما استمر القرن21 متابعا الانحرافات ..وهو أكثر قرون التاريخ دموية ، أي إذا ما  قاده العميان من ذوي السلطة القادرة ، كما كان الحال في القرن 20 ، فلن يدوم لمائة عام (ص39).
- قرن الاتصالات .. هو عالم الألعاب المتلفزة التي تعلم أبناءنا أن يكونوا قتلة ، منذ سن السابعة ، دون المخاطرة بأية خسارة ، المخاطرة صفر ! كما هي الحال في الجيش الأمريكي (ص40).
- ترتيب غايات إنسانية بحثاً عن وحدة متناغمة للعالم ، برغم تنوع ثقافاته ،على نقيض "عولمة مزعومة" تهدف إلى وحدة إمبريالية للعالم : وهي الوحدة التي تقودها الولايات المتحدة وأزلامها الأوروبيون (ص 46).
- لدينا في الأمريكي الرائد أكثر الصور إجرامية تعبيراً عن هذا الانحطاط : 250 مليون قطعة سلاح لـ 250 مليون نسمة .. و 1% من الشعب يمتلكون 70% من الثروة الوطنية ..أمريكا تعيش في مستوى أعلى من وسائلها الخاصة على حساب باقي العالم ،فالمضاربون ينهبون أسواق العالم ، والأداة الحربية بإمكانها تدمير الشعوب والبنى التحتية .. هو انحطاط أخلاقي  في عالم غاب عنه كلياً مفهوم الشرف (ص 47/48 ).
- تبدو الطريق لنا، نحن الغربيين،مرسومة بصورة تامة : إنها طريق الهيمنة ...كي تشرعن الرق أو استعمار الشعوب الأخرى. واليوم ،عمّد قادة الولايات المتحدة "رسالتهم" بأنها " القدر الجلي" وهي رسالة مهمتها الإمساك بزمام العالم، من أجل إرساء وبناء "عولمة"، أي منظومة وحيدة خاضعة لما سمّاه أحدُ منظّريهم "القانون الإلهي للسوق" (ص55) .
- الكاتب هيرمان ميلفل في القرن19 : " نحن الأمريكيين، شعب فريد ،شعب مختار، بنو إسرائيل هذا العصر ؛نحن حملة خزانة الحريات" .. فتلك مذ ذاك وصاعداً من ثوابت سياسة "الشعب المختار" الجديد : فالرب والدولار هما حلمتا السلطة  (ص82).
- أعلم الرئيس الثالث للولايات المتحدة ، جفرسون، بأن شعبه هو الشعب المختار من الرب ...تماماً،  كما يقول الرئيس نيكسون بعد قرنين : " الله مع أمريكا. الله يريد أن تتولى أمريكا شؤون العالم " . وبهذا سوف يعلل جميع رؤساء الولايات المتحدة اعتداءاتهم الوحشية (ص83) .
- ينقل غارودي عن بول فاليري ما معناه أن الفكرة الثابتة ذات المحورية العرقية والقائلة بأن أوروبا هي الحضارة الوحيدة المبدعة للقيم والقادرة على المبادرة التاريخية .. وهي مسلّمة سرقتها منه اليوم سيّدته في أمريكا ، وما فتئت تمارس العهر على أساسها منذ ما يزيد على خمسين عاماً (ص92) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا غيض من فيض ، جاء على لسان مفكر وكاتب ومثقف عريق ، درس التاريخ والحضارات والفلسفة والديانات والسياسات ، وكان كنسياً وملحداً وشيوعياً ومسلماً وانتهت به تجربة الوعي والتحليل إلى موقع القطيعة ـ إذ أنه يكتب : حياتي قوامها القطيعة تلو القطيعة . ولست بنادمٍ على أيٍّ منها. لأن أياً منها لم تكن تنكّراً لما سبقها وإنما تجاوز أحد الحدود (ص17) ـ  أو قبول أحسن ما جاءت به هذه النزعات ، ورفض ما فيها من مساوئ ، إيماناً منه بوحدة البشرية ومعانيها الإنسانية العميقة ، "بحيث تستنهض مشاركة جميع الحضارات وجميع الثقافات المتساوية أمام القانون (ص16).
خاتمة :
سأعد الدراسة المأمولة لهذا الكتاب الموسوعي العريض الذي يتناول كل مظاهر ونظريات وأفكار الأمم الغابرة والعابرة والظافرة والجائرة والهادرة بالكلام مثل أمتنا العربية .
عرض طافح بالتوثيق الدقيق ، منذ عصرالتوحش والأساطير والبدايات البابلية الفرعونية الفينيقية الأرامية والعبرية والإغريق والرومان والفرس وغير ذلك من مذاهب كالبوذية والتاوية والكونفوشية والزراداشتية ، وصولا إلى عصر الليبرالية الجديدة العرجاء، وهو عصر  مكتظ بالدناءات والسفالات والخزي الأخلاقي والديني ، لأقول لقادة أمريكا والغرب ولمخالب إسرائيل الممجدة في إعلامهم وهي تنغرز عميقا في لحمنا الفلسطيني الليّن ، كفى كفى كفى . بعد الزلزال الحالي سقط الغرب ، وسقطت أقنعته المنحازة للخطاة والعملاء والآثمين واللصوص والقوادين والمرابين والصيارفة عند أبواب الهيكل المزعوم ، لصلبنا جميعا على صليب وخشبات الأمم المتحدة UN ومجلس الأمن Security Council والناتو NATO والبنك الدولي BM وصندوق النقد الدولي FMI ، وماتحتاجه هذه المؤسسات وتوابعها من إصلاح عادل وبنيوي يأخذ بيد الدول الفقيرة والكسيرة والمنهوبة على مر التاريخ من قبل الغرب التقني الناهض والنووي والمحوسب وبرامجه التخريبية لكوكب الأرض .
أيها الزلزال ، لقد أضنيتني ، ولا ولن أشاحن أو أداهن أحداً مع أو ضد لأنني في حال قطيعة مع كل ما أسمع من طنين وصراخ مجنون ومهين ، إنما هي شهادة قارئ وكاتب موضوعي على حقبةٍ يبدو فيها الكذب أعلى صوتاً من الصدق ، ولن أدخل حلبة التباكي والتناقضات والأحقاد والتطرف والغوغائية ، وسأحترم المدفونين تحت الأنقاض ، ولم يقشعهم تمثال الحرية الغارق بالسوابق والأوابق.
ملاحظة : كتاب روجيه غارودي ، ترجمة سلمان حرفوش عن الفرنسية ،دار كنعان،ط الثالثة ، 2020. والمشاركة متاحة دون استئذان لرؤية قباحة العالم والعصر . اللهم إني قد بلغت .

دمشق 16 شباط 2023

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...