هل أثّر النّاخبون المجنّسون في نتيجة الانتخابات التركيّة؟
سركيس قصارجيان:
جددت نتيجة الانتخابات التركية الأخيرة التي انتهت بفوز رجب طيب أردوغان برئاسة البلاد وتفوّق تحالفه الانتخابي على تحالفي خصومه بمجموع المقاعد البرلمانية، النقاشات حول دور المجنّسين من أصول أجنبية وأصواتهم في خسارة المعارضة.
وكشفت دراسة قامت بها بلدية اسطنبول الكبرى التي تسيطر عليها المعارضة التركية، أن واحداً على الأقل من بين ستة ناخبين جدد في الانتخابات الأخيرة كان من الأجانب الحاصلين على الجنسية التركية بفعل قانون الجنسية مقابل تملّك العقار السكني.
أصوات الأجانب بالجنسيات والأرقام
أعيد انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان بحصوله على نسبة 52.18 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وبحسب النتائج الرسمية المعلنة، فقد حصل الرئيس المنتخب على 27.725.131 صوتاً مقابل 25.432.951 صوتاً لمنافسه كمال كليتشدار أوغلو، متقدّماً عليه بفارق 2.292.180 صوتاً من أصل 53.158.082 صوتاً احتُسبت.
النتيجة المتقاربة للانتخابات الرئاسية، وحقيقة تأثير بضعة آلاف من الأصوات على توزيع المقاعد النيابية في بعض الولايات، نقلتا النقاشات الحادة التي شهدتها تركيا قبل انطلاق العملية الانتخابية حول عدد الناخبين من أصول أجنبية، وتأثيرهم إلى مقدّمة يوميات السياسة والإعلام في البلاد.
وكشف نائب رئيس مجلس إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حزب الشعب الجمهوري، ديفريم باريش جيليك، أن عدد المواطنين الأجانب الذين شاركوا في الانتخابات التركية الأخيرة بلغ 240 ألفاً، يتصدّرهم السوريون بـ167703 ناخبين، يليهم الأفغان الذين بلغ عددهم 23578 ناخباً، ومن ثم الإيرانيون بـ21989 ناخباً، فالعراقيون الذين بلغ عدد أصواتهم 16630، وأخيراً الليبيون بـ6000 صوت فقط، و4100 شخص من جنسيات أخرى.
الأرقام التي أعلنها مسؤول الاتصالات في حزب الشعب الجمهوري استناداً إلى البيانات الحكومية، لم تتطابق مع الأعداد التي نشرتها مديرية النفوس التركية قبل الانتخابات حول حصول 221671 سورياً على الجنسية التركية، 16344 منهم يحقّ لهم الاقتراع لإتمامهم عمر 18، بفارق 4000 ناخب فقط، فيما قالت وزارة الداخلية التركية إن إجمالي عدد السوريين والأفغان والأويغور وغيرهم من الأجانب الذين حصلوا على الجنسية التركية عن طريق شراء العقارات وصل إلى 413548 شخصاً بينهم 102750 طفلاً.
المعارضة ترفض الأرقام الرّسمية
في المقابل، ترفض المعارضة التركية الاعتراف بصحّة الأرقام الرسمية المعلنة، استناداً إلى عدد من الدراسات والاستنتاجات التي قامت بها خلال الفترة الماضية، متّهمة وزارة الداخلية والمديريات التابعة لها والمعنية بشؤون الأجانب ومنح الجنسيات بالتضليل.
في مقالة في صحيفة "كوركوسوز"، ادّعى الصحافي التركي المخضرم جان أتاكلي وجود قرابة 1.9 مليون ناخب من أصول أجنبية شاركوا في العملية الانتخابية الأخيرة، مطالباً المعارضة بالعمل على كشف الأرقام الحقيقية للناخبين المجنّسين في البلاد.
ويشكّك أتاكلي، ومعه عدد كبير من الصحافيين والأكاديميين، في الأرقام الرسمية للمجنّسين استناداً إلى الفارق الكبير في الزيادة بين عدد السكّان وعدد الناخبين. ففيما بلغت الزيادة في عدد سكان تركيا 14.6 مليوناً بين عامي 2007-2023، فإن الزيادة في عدد الناخبين في الفترة ذاتها بلغت 21.4 مليون ناخب، بفارق 6.7 ملايين خلال 16 عاماً، ما يشكّل نسبة 10.5 في المئة من مجموع السكّان الذين اكتسبوا حقّ التصويت في الانتخابات الأخيرة.
وينطلق أصحاب هذه الفرضية من كون متوسط نسبة الولادات في تركيا 1.9 في المئة بحسب الإحصاءات المعلنة رسمياً، وبالتالي فإن "ما لا يقلّ عن 1.9 مليون ناخب اكتسبوا الجنسية من أبوين غير أتراك" بحسب ادّعاء هؤلاء.
وتصرّ نائبة رئيس الحزب الديموقراطي، أحد أحزاب الطاولة السداسية وتحالف الأمة، والمسؤولة عن شؤون الهجرة والسياسات الاجتماعية في الحزب، إيلاي أكسوي، على عدم صحّة البيانات الرسمية المقدّمة من الجهات الحكومة التركية.
وترى أكسوي أن "مراجعة الأسماء وأماكن الميلاد وتاريخه للناخبين المدرجين في قوائم الانتخابات الصادرة عن الهيئة العليا للانتخابات، تشير بوضوح إلى تدخّل حزب العدالة والتنمية مباشرةً في إرادتنا من خلال منح الجنسية للأجانب والقيام بعملية هندسة ديموغرافية. هناك نحو 1.5 مليون مواطن تركي مولود في 124 دولة اكتسبوا الحق في المشاركة في هذه الانتخابات، التي نافست فيها المعارضة الأجانب وليس العدالة والتنمية".
وتضيف أكسوي: "عدا إخفاء الأعداد والأرقام الحقيقة، فإن المشكلة الأخرى التي نواجهها في البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة هي في ضياع أرقام مكتسبي الجنسية من الأطفال، إذ إنّه بعد حصول الأب على الجنسية التركية بأي شكل من الأشكال، فإن الطفل المولود يُسجّل كمواطن تركي، وبالتالي ليس بالإمكان معرفة ما إن كان من أصول أجنبية أو لا".
في المقابل، يعتقد معاون رئيس بلدية اسطنبول الكبرى بوغرا كوكجي بأن عدد الأجانب الحاصلين على الجنسية التركية عن طريق شراء العقارات فقط في السنوات الخمس الأخيرة يتجاوز الأرقام الرسمية بأضعاف.
ويوضح كوكجي الحاصل على دكتوراه في تنظيم المدن أنّه "وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، فقد تم بيع 274258 مسكناً للأجانب بين عامي 2017 و2022، وهو يشكّل 5% من حركة البيع والشراء في سوق العقار السكني في البلاد".
وقد أقّرت تركيا في عام 2017 قانوناً يقضي بمنح مشتري عقار يبلغ الحد الأدنى من قيمته مليون دولار الجنسية التركية، لكن هذا المبلغ سرعان ما خُفض إلى 250 ألف دولار، في محاولة من الحكومة لتدارك هبوط الليرة السورية بسبب تراجع مستويات احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، واستمرت الحال على ما هي عليه حتى منتصف العام الماضي، عندما اضطرت الحكومة إلى رفع سقف السعر إلى 400 ألف دولار بسبب الانتقادات الكبيرة التي واجهها القانون المسمى من قبل المعارضين بـ"بيع المواطنة".
وبحسب أرقام المعهد، يتصدّر المواطنون العراقيون لائحة مستملكي المساكن في تركيا بـ41182 مسكناً، يليهم الإيرانيون بـ35335 مسكناً، ومن ثم الروس بـ31290 مسكناً مع مؤشرات إلى تزايد عدد الروس خلال العام الجاري والقادم بفعل الحرب الروسية - الأوكرانية وهروب عدد كبير من المواطنين تجنّباً للخدمة العسكرية الإلزامية خلال الحرب.
وتأتي اسطنبول في مقدمة المدن المرغوبة لاستملاك الأجانب فيها، تليها مدينتا أنطاليا ومرسين الساطئيتان، اللتان تُعتبران من أكثر الوجهات السياحية المفضّلة للمواطنين الروس.
ويشرح كوكجي أنه "إذا افترضنا أن متوسط عدد الحاصلين على الجنسية عن طريق شراء العقار هو 3 أشخاص فقط عن كل عقار، فإن الجنسية تمنح للمشتري وزوجته وأطفاله، ومن المعروف أن العائلات الشرق أوسطية هي من العائلات الكبيرة العدد، فإن متوسط عدد الحاصلين على الجنسية من شراء العقارات فقط يتجاوز 750 ألف شخص خلال السنوات الخمس الماضية، وبالمقارنة بعدد الناخبين الجدد، يتبيّن أن ناخباً على الأقل من أصل ستة ناخبين جدد في البلاد هو من الأجانب الحاصلين على الجنسية التركية".
ويستدرك كوكجي قائلاً: "صحيح أن الناخبين الأجانب ليسوا وحدهم سبباً في خسارة المعارضة التركية للانتخابات، إلا أنه يمكن القول إنهم أحد أسباب هذه الخسارة".
النهار العربي
إضافة تعليق جديد