هنا دمشق :
مر على إطلاق هذه الجملة أكثر من سبعة عقود، منذ أن تشكلت نواة الإذاعة السورية عام 1942 أيام الإحتلال الفرنسي، لتأخذ شكلها كمؤسسة وطنية في مثل هذا اليوم من عام 1947 وصولا إلى هذا اليوم فإن عدد ساعات بثها المليونية قد شكلت جزءا مهما في بنية خطاب المجتمع والسلطات السورية وثقافتهم وبالتالي هويتهم الوطنية، وكانت في مجملها إعلامية توجيهية ثم ترفيهية، حيث شكلت النخب السورية من كتاب وسياسيين وفنانين سماتها الأساسية، وقد كانت "موسوعة الدراما والمنوعات الإذاعية" أحد حلقات مشروعي التوثيقي عن سورية ونخبها بعد إنجازنا لموسوعة الدراما التلفزيونية في نصف قرن (منذ تأسيس التلفزيون حتى 2010 ) بالتعاون مع 72 محررا وتم إنجازها في ثلاث سنوات بكلفة تجاوزت خمسين ألف دولار لكن اشتعال الحرب السورية حال دون صدورها ..
وبالعودة إلى تاريخ الإذاعة السورية فإن إعادة جمع أرشيفها المهمل واستقراء محطاتها الزمنية ودورها في تشكيل بنية خطاب السوريين يعد أمرا فائق الأهمية لقراءة حركة التاريخ فوق الجغرافية السورية، ومعرفة مكامن القوة والضعف التي مرت بها البلاد والشعب السوري، كون ذلك يشكل جزءا من هوية المواطنة التي اشتغلت النخب الوطنية عليها منذ انتهاء الاحتلال العثماني سنة 1918 حتى عودته سنة 2016 فعدنا إلى البداية وصرنا بحاجة إلى لملمة أشلاء الوطن السوري وتجاوز الفراغات التي حالت بين حلم آباء الإستقلال وعملهم على أرض الواقع لتحقيقه خلال ثمانية عقود انتقلنا فيها من احتلال إلى احتلالات دون أن ندرك تضاريس الحياة التي مشينا فيها ونحن نظن تقدمنا إلى الأمام بينما في الواقع كنا نسير في دائرة أعادتنا إلى النقطة الأولى !؟
إذا من نحن اليوم؟ سؤال نجد بعض إجابته في أرشيف المناهج التعليمية والصحف والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وعناوين كتب وزارة الثقافة ودور النشر وسيرة الشخصيات السورية المؤثرة في حياة السوريين، وهذا مايجب أن نعيد قراءته ونشر خلاصاته فيما لو كانت هناك إرادة بالعودة إلى المضمار الذي كنا تتسابق فيه مع الزمن قبل أن نستنقع فيه.
"هنا دمشق" كلمة تختزل تاريخا من الفخر والعماء الوطني، فمتى تزال العصابة عن بصيرة السوريين فيرون ماهم عليه ويجتمعون على بناء بيتهم السوري الكبير الذي حلم به الأجداد ولم يصل إليه الأحفاد بعد ؟! فليس بالخبز وحده تحيا الأوطان ...
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد