هل يُفجّر الحوثيون الكابلات البحرية بين أوروبا وآسيا؟
نشرت مجلة “فورين بوليسى” الأمريكية مقالا تضمن تقريراً صادراً عن وزارة الدفاع الأمريكية، الأسبوع الماضى، يشرح ما تحويه جعبة الحوثيين من أسلحة مطورة تكنولوجياً من قبل إيران، مؤكدا أن استمرار حربهم ضد السعودية فى اليمن منذ عام 2015 حتى 2021، وصمودهم طوال هذه السنوات، يعطينا إجابة عمّا يمكن أن يكون عليه المخزون الحوثى، مما يعنى استبعاد احتمال إنهاء التوتر بالبحر الأحمر فى الأجل القريب.
“فى تشرين الثاني/نوفمبر الماضى، بدأت جماعة الحوثى باليمن الهجوم على السفن التجارية فى البحر الأحمر احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية ضد غزة، ورغم أن الضربات الأمريكية والبريطانية على أهداف عسكرية للحوثيين، والتى بدأت فى 11 كانون الثاني/يناير الماضى، أدت إلى إتلاف ترسانة الجماعة الموالية لإيران، لكنها لم توقف أو حتى تبطئ هجماتها حتى وقتنا هذا.
الآن، هناك سؤالان رئيسيان يدوران فى واشنطن بشأن التعامل مع هذه الأزمة؛ الأول هو حجم الضرر الذى يمكن أن يحدثه الحوثيون، والثانى هو المدة التى يمكنهم فيها الاستمرار فى الهجوم. بالنسبة للسؤال الأول، فعلى الجانب الاقتصادى، وقع الكثير من الضرر.
إذ أحدثت هجمات الحوثيين موجات صادمة فى الاقتصاد العالمى، وقامت شركات الشحن البحرى بإعادة توجيه السفن لتجنب البحر الأحمر، كما حذر مسئول كبير بالأمم المتحدة الشهر الماضى من أن التجارة البحرية عبر قناة السويس المصرية، التى تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، انخفضت بنسبة 42 فى المائة فى الشهرين الماضيين، مما يضع ضغوطا جديدة على سلاسل الإمدادات الغذائية فى وقت تعتمد فيه إفريقيا وآسيا على المساعدات الأوروبية.
هناك أيضًا تخوف جديد من أن الحوثيين قد يلجأون إلى استهداف الكابلات البحرية فى المنطقة التى تحمل تقريبًا جميع البيانات والاتصالات المالية بين أوروبا وآسيا!. ثم هناك خطر اتساع الصراع، ولا تريد الولايات المتحدة ولا إيران أن تتحول هذه الصراعات المحدودة بالوكالة حتى الآن إلى حرب شاملة.
لكن هذا لا يزيل احتمالية التصعيد إذا أخطأت ضربات الحوثيين الأهداف. وحتى الآن، تمكنت السفن الحربية الأمريكية فى المنطقة من إسقاط جميع صواريخ الحوثيين والطائرات بدون طيار التى اقتربت منها.
ولا شك أن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، سيواجه موجة كبيرة من الضغوط السياسية لشن رد مدمر إذا تسببت هجمات الحوثيين فى وقوع خسائر فى الأرواح الأمريكية أو ضرب السفن الحربية الأمريكية.
أما السؤال الثانى، فإلى متى يمكن للحوثيين أن يستمروا فى ذلك؟ خاصة بعد أن نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا حتى الآن ثلاث جولات من الضربات المشتركة فى اليمن استهدفت الترسانة العسكرية للحوثيين ــ وبالفعل وافقت إدارة بايدن على عدة ضربات أخرى من جانب واحد. وفى الضربة الأخيرة، أعلن الجيش الأمريكى أنه أسقط صاروخين كروز متحركين مضادين للسفن تابعين للحوثيين جاهزين للإطلاق، وبعد حوالى ساعتين قام بضربة ثانية ضد صاروخ كروز على الأرض كان على منصة الإطلاق.
لكن جدير بالذكر أنه لم تكن هناك أى حكومة غربية صريحة بشأن تقديرات عدد الصواريخ والطائرات بدون طيار التى يملكها الحوثيون، ومن الصعب جدًا الحصول على هذه المعلومات الدقيقة إذا لم يكن هناك تصريح أمنى. ومع ذلك، صدر تقرير استخباراتى يلقى بعض الضوء على هذا الأمر.
أصدرت الذراع الاستخباراتية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية تقريرا جديدا غير سرى الأسبوع الماضى يشرح بالتفصيل ما يوجد فى ترسانة الحوثيين، ومعظمها من التكنولوجيا التى يمكن ربطها بإيران، يشمل ذلك المركبات الجوية بدون طيار (UAV) التى تعمل كمفجر انتحارى عن بعد، كما ذكر التقرير أن الحوثيين لديهم طائرات تعرف باسم «صماد» أحادية الاتجاه يبلغ مداها أكثر من 1100 ميل ويمكن أن تحمل ما يتراوح بين 45 إلى 110 أرطال.
يضيف التقرير: “تتمتع الطائرات بدون طيار طويلة المدى التى منحتها إيران للحوثيين بالقدرة على ضرب أهداف تصل إلى مسافة 1500 ميل، مما قد يعرض جميع القوات الأمريكية المتمركزة الآن فى المنطقة والتى يبلغ عددها 30 ألف جندى وجندية تقريبا للخطر”.
ومنذ عام 2015، كما يشير التقرير، زوّدت إيران الحوثيين بترسانة من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، بما فى ذلك صاروخ «عاصف» الباليستى المضاد للسفن الذى تم إطلاقه على أهداف فى البحر الأحمر، وكذلك الصاروخ الباليستى «طوفان» الذى يشبه بشكل ملحوظ الصاروخ الباليستى الإيرانى “شهاب 3” متوسط المدى.
صحيح لا يوجد الكثير من المعلومات المتاحة حول الحجم الدقيق لترسانة الحوثيين، لكن حربهم المستمرة منذ سنوات ضد السعودية فى اليمن توفر لمحة جزئية على الأقل عن هذا السؤال. إذ بين عام 2015 ونهاية عام 2021، أطلق الحوثيون 851 طائرة بدون طيار و430 صاروخا وقذائف باليستية ضد أهداف سعودية، وفقا لبيانات القوات المسلحة السعودية.
هناك شيئان يجب أخذهما فى الاعتبار:
الأول، أنه على الرغم من أن إمدادات الحوثيين ليست بلا حدود، فقد أظهرت الجماعة بالفعل أنها قادرة على إحداث الكثير من الضرر بعدد محدود من الضربات، وحتى ترسانة مكونة من بضع عشرات من الصواريخ وبضع عشرات من الطائرات بدون طيار يمكنها مواصلة الضغط على التجارة فى البحر الأحمر، وعلى الدوريات البحرية الأمريكية فيه ولأشهر قادمة.
الثانى، أن الحوثيين منخرطون فى حرب لمدة ثمانى سنوات ضد السعودية فى اليمن، وقد حافظوا على ترسانتهم تحت سنوات من الضربات الجوية السعودية. يقول أحد الخبراء: «يجب أن ننظر إلى السجل السعودى. فثمانى سنوات من محاولة إضعاف قدرات الحوثيين ومنعهم من تجديد أسلحتهم من خلال الحظر الصارم، لم تنجح. وإذا تكررت نفس التجربة هذه المرة، سيكون من الصعب أن نتصور أن يتغير ذلك».
باختصار، الضربات الحوثية من جانب، والضربات الأمريكية والبريطانية المضادة من جانب آخر، ليس لها أى نهاية تلوح فى الأفق حتى الآن!
180 بوست
إضافة تعليق جديد