عودة الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: مَن المستفيد؟
في العام الأول من فترة رئاسة جو بايدن، شهدت إدارته مناقشات حول سياسة التخفيف من التورط في الشرق الأوسط، بهدف تحويل الاهتمام والموارد نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في محاولة لاحتواء التحديات المتزايدة المتعلقة بصعود الصين على الساحة العالمية.
بعد الأحداث في أوكرانيا، وجدت الولايات المتحدة أن حلفاءها في المنطقة، خاصة في الخليج، لم يلتزموا بفرض العقوبات على روسيا، وكانوا حذرين من الاعتماد المستمر على الدعم الأمريكي لضمان أمانهم، كجزء من استراتيجية “التحوط الاستراتيجي”، كانوا مستعدين لاستكشاف شراكات مع روسيا أو الصين، ردًا على ذلك، أكد مسؤولون أمريكيون كثيرون، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، أثناء زيارتهم للمنطقة، على بقاء الولايات المتحدة والتزامها بأمان حلفائها.
في سبتمبر 2023، شرح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جايك سوليفان، أهداف الإدارة في المنطقة، مع التركيز على تقليل التوتر وتجنب التصعيد، ودمج دول المنطقة كحلفاء للولايات المتحدة، ولتحقيق ذلك، ركزت الإدارة على تعزيز التكامل الاقتصادي، واحتواء إيران، وتعزيز التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.
بناءً على هذا الأساس، رأت الإدارة الأمريكية أن السلام والاستقرار يمكن تحقيقهما في المنطقة من خلال دمج “إسرائيل” والدول العربية في مشاريع اقتصادية، وتشجيع اتفاقيات التطبيع التي تعزز التعاون بينها، وتجاهلت الإدارة تمامًا قضية الفلسطينيين، مما أدى إلى تقدير خاطئ وتكلفة باهظة، أظهرت حرب غزة الأخيرة أن هذا التجاهل كان خاطئًا ومكلفًا أيضًا، حيث أعادت الولايات المتحدة الانخراط بقوة في الشرق الأوسط.
وأثبتت الحرب في غزة أن الهدف الأمريكي لاحتواء إيران قد انقلب رأسًا على عقب، بسبب تقارب الدول العربية الإسلامية والدعوة إلى حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية، وبالتالي، أدى هذا التحول إلى إعادة الانخراط الأمريكي في المنطقة بشكل قوي، وتعطيل قدرتها على مواجهة التحديات الصينية.
على الرغم من أن الأميركيين راهنوا على أن التفاهم بين السعودية وإيران لن يدوم طويلاً، فإن تصريحات مسؤول البيت الأبيض، جون كيربي، عن فتح السعودية للتطبيع مع “إسرائيل”، أثارت ردود فعل قوية من وزارة الخارجية السعودية، التي أكدت أن العلاقات لن تُقام مع “إسرائيل” إلا بعد تحقيق الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وهكذا، يجد الأميركيون أنفسهم ملزمين بإعادة الانخراط العسكري والسياسي والدبلوماسي في المنطقة لحماية “إسرائيل”، مما يؤدي إلى تأخير توجههم نحو الصين، وفي المقابل، يحمل أي تأخير إضافي في التحول نحو شرق آسيا تبعات تعود بالفائدة للصين، وتمنحها ميزة في منطقتها وتعزز قدرتها على توسيع نفوذها.
من الناحية الثانية، يعتبر الانخراط في الشرق الأوسط تحديًا للسياسة الأمريكية تجاه الصين، حيث يتعين على الولايات المتحدة تخصيص موارد كبيرة للمنطقة، مما يؤدي إلى تقويض جهودها لمواجهة التحديات الصينية.
الميادين نت
في المجمل، يظهر أن الصين تستفيد من إعادة الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث تُقدم لها فرصة للتقدم في استراتيجيتها العالمية، من جهة أخرى، يُشدد على أن توجيه الانتباه والجهود نحو آسيا سيظل أمرًا حيويًا للولايات المتحدة في مواجهة التحديات الصينية.
إضافة تعليق جديد