كيف غيرت السعودية سياساتها الخارجية؟

خلال السنوات الثلاث الماضية، شهدت السياسة الخارجية السعودية تحولًا ملحوظًا نحو المشاركة البناءة وبناء الجسور مع القوى الإقليمية الأخرى، بدلاً من التوتر والمواجهات الغير مجدية.

يشير تقرير في مجلة “ناشيونال إنترست” إلى أن اللحظة المحورية في هذا التغيير وقعت في 14 سبتمبر 2019، عندما تعرض حقل نفطي في السعودية لهجوم بصاروخ كروز وطائرة بدون طيار، مما أدى إلى تعطيل جزء كبير من إنتاج النفط.

استجابة لهذا الهجوم ولرفض الولايات المتحدة الرد عسكريًا، بدأت الرياض جهودًا لإجراء محادثات غير مباشرة مع طهران لتهدئة التوتر.

منذ ذلك الحين، اتبعت السعودية سياسة دبلوماسية متسامحة ومتفهمة في عدة قضايا، بما في ذلك رفع الحصار عن قطر، واستقبال سوريا مجددًا في جامعة الدول العربية، وتحسين العلاقات مع تركيا، والمشاركة في مفاوضات السلام في اليمن.

هذا التحول يمثل مرحلة جديدة تمامًا بالنسبة للسعودية، بعد عقد مليء بالصراعات العسكرية والسياسية والاقتصادية.

يشير مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، باتريك كلاوسون، إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان يرغب في دور نشط في المنطقة، ولكنه في وقت لاحق قرر التركيز على الأولويات الداخلية وتطوير استراتيجية خارجية أكثر حذرًا.

من جانبه، يشير سرهنك حمه سعيد، مدير برامج الشرق الأوسط في معهد الولايات المتحدة للسلام، إلى أن رؤية 2030 للسعودية كان لها تأثير كبير على تغيير السياسة الخارجية، حيث أدركت السعودية أن الاستقرار والاستثمار هما مفتاح التطور والنمو الاقتصادي.

تطرقت المقالات الصحفية إلى نجاح السعودية في التوصل إلى اتفاق مع إيران، والذي تسهلت فيه عمان المفاوضات، وإلى الجهود المستمرة لتحقيق التطبيع مع إسرائيل.

ويعتقد المحللون أن استضافة السعودية للفعاليات الكبيرة والمشاريع الفنية تهدف إلى تعزيز صورتها كدولة رائدة في المنطقة.

مع انخفاض الثقة في الضمانات الأميركية، توجهت السعودية نحو بناء قدراتها الخاصة وتحقيق استقلالية أكبر في السياسة الخارجية.

هذا التحول يعكس استعداد السعودية لتكون شريكًا فاعلاً في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وفقًا لتصريحات المحللين والخبراء.

في السنوات الأخيرة، بدأت السعودية في تحول ملحوظ في سياستها الخارجية، وأحد أهم تلك التحولات هو المصالحة مع إيران.

يرى مبارك آل عاتي أن العلاقات الاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في بناء الثقة وتحقيق التقارب بين السعودية وإيران.

وعلى الرغم من أن المصالحة تقدمت بشكل كبير، إلا أنها لم تترجم بعد إلى اتفاقيات جوهرية.

يُشير تقرير في “ناشيونال إنترست” إلى أن المخاطر الأمنية المتصلة بالتدخلات الإيرانية لم تزال قائمة، ولكن تم احتواءها إلى حد ما.

من جهته، يؤكد آل عاتي أن التوقيع على المصالحة جاء لتقريب وجهات النظر وإدارة الخلاف بين البلدين، ويُذكر أن الرئيس الإيراني قام بزيارة تاريخية للمملكة لحضور القمة الإسلامية العربية، وهو لقاء يُعتبر محطة هامة في تاريخ العلاقات بينهما.

وعلى الرغم من التوجه نحو الصين اقتصاديًا، فإن السعودية تدرك أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وهي التي تلعب دورًا رئيسيًا في الأمن الإقليمي.

يوضح كلاوسون أن عمق العلاقات مع الصين جاء نتيجة لتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، لكن العلاقات الأميركية السعودية لا تزال أساسية، خاصة في الجوانب الأمنية.

ويضيف آل عاتي أن العلاقات السعودية الأميركية قدمت العديد من الفوائد للبلدين والمنطقة، ورغم ذلك، فإنه يأمل في أن تتحمل الولايات المتحدة دورًا أكبر في معالجة الصراعات المنطقة، وعدم تحويلها إلى ملفات مقايضة.

وتتجاوز الجهود الدبلوماسية المتنامية للسعودية حدود المنطقة، حيث شاركت في تسوية النزاعات الدولية، مثل الوساطة بين أوكرانيا وروسيا، والتي ساعدت في تبادل السجناء بينهما، بفضل العلاقات القوية مع روسيا من خلال “أوبك بلس”.

في النهاية، تعتبر السعودية نفسها قوة مهمة في المنطقة والعالم، وتسعى إلى تنويع علاقاتها مع القوى الكبرى لتحقيق التنمية والاستقرار، مع الاحتفاظ بالعلاقات الاستراتيجية الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة.