غرفة عمليات سوداء من الدوحة إلى أبو ظبي!
ما عجزت عنه الفصائل المسلحة خلال أكثر ما يزيد عن عقد من زمن الحرب، تمكّنت من تحقيقه في ساعات! إلى درجة دخول السوريين في حالة ذهول كبير على إثر السقوط الدراماتيكي لريف حلب الغربي، ثم دخول الفصائل المسلحة إلى أحياء عاصمة الشمال، وبدء السيطرة عليها تباعاً وقطع طريق دمشق حلب الدولي مع استمرار الهجوم بالتزامن على أرياف إدلب وصولاً إلى ريف حماة الشمالي!
وبينما كانت صفحات السوشال ميديا السورية تلعب ــــ بقصد أو من دونه ــــ دور الطابور الخامس الذي يهوّل ويزايد ويقذف بالتحليلات الخنفشاريّة، راح عدد كبير من الجمهور نحو الوجدانيات، وعبّر نجوم الدراما السورية عن تضامنهم المطلق مع «مدينة أبي فراس الحمداني» وأهلها. وانتشر فيديو من مسلسل «روزنا» (كتابة جورج عربجي وإخراج عارف الطويل) للممثل الحلبي الراحل ناصر وردياني وهو يسأل أخاه الذي يلعب دوره النجم بسّام كوسا بلهجة حلبية إن كان يوصي على شيء من مدينته أو يريد أن يجلبها معه؟ فيرد عليه بالقول: «حلب ستّ الكل لا تأتي إلى أحد وكلنا نذهب إليها». بالتوازي مع ذلك المشهد الشعبي القلق، غطّ الإعلام السوري كعادته في سبات عميق، واستكمل دورته البرامجية بشكل طبيعي، باستثناء نشر البيانات الصادرة عن قيادة القوات المسلّحة، ما جعل الناشطين يعتبرون بأنّ هذا الإعلام توّج فشله في هذه اللحظة المفصلية، وخصوصاً أنّه لم يتمكن من بثّ ولو خبر واحد يخفف من حالة الانهيار المعنوي التي سيطرت على المزاج الشعبي لساعات! وقارنوا بين ما كان يحصل على الشاشات الرسمية عندما تمكّن المسلّحون في سنوات الحرب من الوصول إلى ساحة الأمويين وتفجير مبنى الأركان وقدرة الإعلام حينها على تطمين الناس، وبين الضعف الواضح في أدائه حالياً.
في هذا السياق، بررّ مدير عام إذاعة «شام. إف. إم» سامر يوسف في تعليق نشره على السوشال ميديا بأنّ «شحّ المعلومات نتيجة عدم ظهور أي مصدر رسمي أو مسؤول يشرح الوضع». مع ذلك، جرّبت الإذاعة السورية مواكبة الأحداث بالمتاح لها من معلومات متسارعة، في حين اصطّف الإعلام العربي كعادته في هذه المعركة كخطّ جبهة أوّل. بعضه فتح نيرانه لمصلحة المعركة العسكرية المباغتة التي سمّيت «ردّ العدوان»، ولعب تلفزيون «الجزيرة» رأس الحربة فيها، مستفيداً من إعادة تموضعه واتّساع شعبيته على إثر الموقف المهني الذي اتخذه من الحرب الصهيونية ضد غزّة ولبنان. لكن فجأة ـــ بعد سنوات من الفتور الإعلامي وانخفاض اهتمامه بالملف السوري ــــ تحوّلت القناة القطرية ومنصّاتها على السوشال ميديا إلى ما يشبه غرفة العمليات للهجمة العسكرية الشرسة. هكذا، نصّبت الشبكة نفسها ناطقاً إعلامياً حقيقياً باسم «أحرار الشام» (جبهة «النصرة » سابقاً) وراحت تسهم بشكل مكثّف في نشر الأخبار التي تردها من وجهة نظر المسلحين. وبينما كانت المعلومات متناقضة حول دخول المسلحين إلى حلب، فتحت المحطة الهواء لمراسليها الميدانيين ليؤكدوا على خبر دخول المسلحين، ثمّ تورّطت القناة في تزوير فاضح عندما راحت تنشر أخباراً متلاحقة عن تخلّي أصدقاء سوريا عنها، وترك الأسد وحيداً في الميدان، ثم نشرت خبراً عن تواصل قادة من قوات الجيش السوري مع المعارضة لبسط نفوذها على سوريا، وعن انقلاب يحدث في الفرقة 11 من الجيش السوري. ثم نشرت فيديو متداولاً على السوشال ميديا ادّعت بأنّه لدخول فصائل المعارضة إلى أحياء حماة، في حين نفى شهود عيان من داخل «مدينة أبي الفداء» في أحاديثهم معنا أن يكون الخبر صحيحاً، وأكدوا بأن الوضع آمن في بلدهم، مع وصول تعزيزات كبيرة للجيش السوري. في هذا الوقت، صدر بيان عن الجيش أكّد على استمرار صدّه للهجوم وتثبيته نقاطاً دفاعية صلبة في ريف حماة الشمالي، ونشرت فيديوهات متلاحقة تؤكد فيها على تمركز الجيش داخل المدينة السورية وفي قراها الريفية. الخط التحريضي والتهويلي ذاته اختارته بشراسة أوضح قناتا «العربي» و«تلفزيون سوريا» المعارض. يمثّل الأخير الواجهة الإعلامية الفعلية لتنظيم «جبهة النصرة»، فقد واكب الأخبار أوّلاً بأول وفقاً للتهويل المطلوب وبحسب ما يراد له أن يسهم في المعركة، إلى درجة بثّ شائعات عن خضّات أمنية وتوتر حاصل في دمشق، وهو ما نفاه عدد من المراسلين الحربيين المقيمين في الشام. بعد ذلك انهالت أخبار «الوكالة السورية للأنباء» و«جريدة الوطن السورية» شبه الرسمية عن المحادثات التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد مع رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس العراقي محمد شيّاع سوداني. وفي حدود الساعة الحادية عشرة ليل أول من أمس، توقف بشكل واضح الضخّ الإعلامي والتهويل المتعمّد مع تأكيد تثبيت نقاط للجيش في ريف حماة الشمالي وتمركزها داخل المدينة ووصول تعزيزات إلى تخوم حلب وهدوء الحياة في دمشق وسط انتشار خبر عن مقتل زعيم «تنظيم أحرار الشام» الملقب «أبو محمد الجولاني» على إثر غارة روسية استهدفت مقرّاً رئيسياً للتنظيم في إدلب
الأخبار
إضافة تعليق جديد