موقع «انسيستري» يرسم خريطة الأنساب البشرية
«ربما بدا مُدهشاً، في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، أن يقدر المرء على وصل حاضره بماضيه عبر شبكة الإنترنت، وأن يتواصل من خلالها مع أسلافه وأجداده القدماء فيعرف أنسابهم وتاريخهم وأسماءهم وطريقة حياتهم؛ ومجمل ما خلفوه في حلّهم وترحالهم؛ وكذلك أن يرى السلالات البشرية مرسومة على شجرة رقمية موحدّة».
بهذه العبارة المقتضبة، يلخص ميكايل ارنغتون الناطق باسم موقع «انسيستري.كوم» Ancestry.com الإلكتروني التابع لشركة «شبكة الأجيال» الأميركية، جزءاً من الصورة الكبيرة التي يعمل من خلالها هذا الموقع الذي يحوز شهرة مدوية بين أوساط الجمهور الشبكي.
وفي سياق مُشابه، يرى سيمون زيفياني المسؤول عن فرع ذلك الموقع في بريطانيا، ان «انسيستري.كوم» واحد من أهم إنجازات ثورة الانترنت في هذا العصر، إذ إنه يسمح لملايين الناس بمعرفة جذورهم الضاربة في التاريخ من خلال الغوص في سجلات هذا الموقع المتخصص في رصد المعلومات التاريخية ومعرفة انساب الشعوب وروابطها العائلية والانسانية».
ويرى زيفياني انه يختلف عن المواقع الاجتماعية الاخرى، مثل «مايسبيس» May Space و»فايس بوك» Facebook التي تركز على حاضر الفرد وعلاقاته، وليس على نسبه وأصوله العائلية الخاصة. ويتيح «أنسيستري.كوم» لكل فرد بناء شجرة عائلية إلكترونية تتضمن نبذة عن تواريخ ولادته وزواجه وأفراحه وأتراحه وما مارسه من أعمال ووظائف وغيرها. كما يعطيه إمكان ربط تلك المعلومات مع ملفات عن اقاربه ومن يشاركه في شجرة عائلته. كما يفسح المجال لتبادل المعلومات بين أشجار النسب المتعدد. ولعل الصورة، التي تجعل من الأنساب والقرابة مركز اهتمامها، هي وراء سرعة نجاحه وتهافت الجمهور لاستعماله وتدوين المعلومات عليه، وكذلك فهي السر في وفرة مردوده المالي وانتشار فروعه في دول عدّة.
سرعان ما صار نوعاً من الحافظة لتاريخ الأنساب البشريه، كما اعتبر أحد أغنى مواقع الانترنت بالمخزون الوثائقي العالمي. وبعد أكثر من عشر سنوات على انطلاقته في العام 1996، يحتوي الموقع راهناً على قرابة 4 ملايين شجرة عائلية، كما يضم حوالى 5 بلايين اسم تتوزع على «فروعه» الرقمية مثل «ماي فاملي.كوم» Family.com My و«جينولوجي.كوم» Geneology .com و«روتس ويب.كوم» Rootsweb.com وغيرها. كما يتواصل مع 2.5 مليون عضو ناشط. ويزوره أكثر من 8 ملايين شخص شهرياً.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أضيفت إليه 82 ألف صورة و12 ألف قصة شخصية. ويبلغ ما يرده من أموال مقابل الخدمات التي يسديها لأعضائه المنتسبين قرابة 150 مليون دولار سنوياً، يضاف إليها ما يأتيه من مساعدات مالية من مجموعة كبيرة من المؤسسات التجارية والاقتصادية والخدماتية.
يشار الى ان موقع «انسيستري.كوم» الأميركي له ثمانية فروع في أوروبا، تساهم في زيادة مستخدميه وشهرته وغناه وتنوعه؛ كما تؤمن روابط للعائلات ذات الأصول الأوروبية والأميركية المشتركة وتحفظ وثائقها للأجيال المقبلة في أرشيف إلكتروني تسهل العودة إليه عند الحاجة.
وبالنسبة إلى آلية الدخول الى الموقع ومعرفة جذور العائلة وأصولها أو البحث عن ذوي القربى وغيرها، يكفي مستخدم الإنترنت أن يسجل اسمه ويدوّن ما لديه من معلومات، فتنفتح أمامه سجلات الموقع بكل ما تشتمل عليه من وثائق. ويُشار الى ان هذه الخدمة البحثية غير مجانية؛ وتصل قيمة الاشتراك السنوي فيها الى 160 دولاراً. وتتبع عملية تأسيس شجرة العائلة الآلية نفسها مع فارق ان خدمتها مجانية؛ إذ يمكن لأي شخص ان يساهم في بنائها وزيادة مساحتها وانضمام عائلات أخرى إليها.
ويتحدث روبن بوست مدير متحف الآثار وعلم الإنسان في جامعة كامبريدج البريطانية، عن أبحاث موقع «انسيستري.كوم» وآليات عمله مشيراً الى ان هذا الموقع «يجعل المرء يغير نظرته الى الماضي وإلى حياته الحالية من خلال ما يعرفه عن ماضيه». ويضيف: «لذلك نحن نقوم بحملات توعية، وننشر أهم ما نعثر عليه في السجلات والوثائق التاريخية الرسمية والخاصة ونضعها في خدمة مستخدمي الإنترنت بغية إشراكهم في رصد حركة التاريخ والأنساب».
ويشير أيضاً الى ما يوفره الموقع للمؤرخين من خدمات كثيرة، «ما يمكنهم من الاطلاع على تاريخ الهجرات الأولى للشعوب ونبش السجلات العسكرية والحروب ومعالم الاكتشافات والاختراعات، والكشف عن السلالات البشرية القديمة وتطورها عبر التاريخ وحفظ آثارها من التزوير والاندثار».
ويخلص الى ان تلك الأمور، «مع ما تحمله من كم هائل من المعرفة الإنسانية، يستحيل توفيرها من مصادر أخرى، وبالطريقة السهلة التي تُميز عمل «انسيستري.كوم». ففي بريطانيا، هناك ما يربط مواطناً، من أصل 30، مع أجداده السابقين ممن شكلوا النواة الأولى للشعب الأسترالي، مع العلم أن هؤلاء كانوا جماعات من السجناء محكومين بجرائم متنوعة؛ ورُحّلوا إلى استراليا في العام 1788. كما يمكن أي بريطاني أن يطلع على معلومات مفصلة عن هويته واسمه وتاريخ ولادته... والحق أن هذه المعلومات تنشر للمرة الأولى على مواقع الإنترنت، بحسب زيفياني.
وفي الولايات المتحدة، يشير موقع «انسيستري.كوم» الى انه يشتمل على اكثر من 90 مليون سجل متصل بحروب الجيش الأميركي منذ العام 1607 الى نهاية حرب فيتنام في العام 1975. كما انه سجل أسماء 3.5 مليون جندي أميركي قتلوا في تلك الحروب. وأُنفق على هذه الأعمال حوالى 3 بلايين دولار لتحويلها من سجلات عسكرية مكتوبة الى سجلات رقمية، واستغرق إعدادها اكثر من سنة.
أما آخر إنجازات «أنسيستري.كوم» فتتمثّل في إنشائه موقعاً خاصاً لتتبع النسل من طريق الحمض الوراثي النووي «د ن أ «DNA. ويحمل الموقع اسم «د ن أ.أنسيستري.كوم» DNA.ancestry.com. فقد نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية بتاريخ 17 تشرين الأول (اكتوبر) 2007 نبأ عن إنشاء هذا الموقع على الإنترنت بغية مساعدة مستخدميه على معرفة أفراد عائلاتهم عبر العصور. وبهذا الإنجاز سيتمكن حوالى 15 مليون مشترك في الموقع من إرسال خزعة من الفم لتحليلها، ليحصلوا لاحقاً على تقرير إلكتروني يشير الى المجموعة الحمضية الوراثية التي ينتمون إليها، لأن لكل مجموعة وراثية علامات جينية واضحة. وكشفت الصحيفة ان الإنكليز ينتمون الى مجموعة «ار ان بي» وهو العرق الذي جاء الى أوروبا من غرب آسيا قبل حوالى 30 ألف سنة، فكان من أول الشعوب التي استعملت الكهوف واستخدمت الأدوات الحجرية.
وعلى رغم هذه الإنجازات الهائلة، ثمة من يشكك بصدق عمل الموقع سواء لجهة طريقة رصد الأنساب، او لجهة التأكد من صحة المعلومات والوثائق، او سجلات الشخصيات التاريخية، او دقة الروابط بين العائلات. كما يظهر تحفّظ آخر يأتي من الرقابة التي تفرضها الحكومات والدوائر العسكرية على المشتركين لأسباب أمنية ووطنية.
الجدير ذكره أيضاً ان موقع «أنسيستري.كوم» يواجه منافسة من مواقع أُخرى متخصصة في الأنساب، خصوصاً لجهة بناء الشجرات العائلية الرقمية التي غالباً ما تقدم خدمة مجانية. والمعروف ان تلك المواقع نجحت في جذب عشرات الملايين من زوار الانترنت. ومن الأمثلة عليها موقع «جيني ستارت آب.كوم» Geni start up.com ، ومقره كاليفورنيا. وقد أنشئ بداية عام 2007 . ويستعمله نحو 5 ملايين شخص. ويتخصّص في بناء شبكات عائلية بين الأحياء.
كما يستخدم موقع «ماي هيريتج.كوم» Myheritage.com الإسرائيلي حوالى 17 مليون عائلة؛ ويحتوي على 180 مليون اسم. ويتخصص موقع «فاميلي سيرتش.أورغ» FamilySearch.org بطائفة «المورمون» الدينية، ولديه أرشيف يعود الى حوالى 100 سنة يعمل راهناً على جعله رقمياً. ولعل الموقعين الأحدث في هذا المجال هما «فاميلي لينك.كوم» Family Link.com و«تري اكس.كوم» treeX.com.
علي حويلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد