أسطوانة (مطرز)...لا للموسيقى البديلة
شهدت الساحة الموسيقية السورية في الفترة الأخيرة, انتشار مجموعة ليست قليلة من الإصدارات الموسيقية والغنائية, التي تعود بمجملها لمبدعين شباب حاولوا ـ وما يزالون ـ أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم على السلم الموسيقي المتهدم, والذي تغزوه الكثير من المنتجات الاستهلاكية, التي تندرج تحت مسميات مختلفة.
ويعتبر ألبوم (مطرز) واحداً من تلك التجارب الشابة التي ترفض أن تدرج نفسها تحت أي مسمى, رافضة المصطلح الأكثر انتشاراً في الأوساط الموسيقية اليوم, وأقصد مصطلح (الموسيقى البديلة) ومن يقف خلفه, باعتباره عراباً له صلاحية نسف التراث الموسيقي السوري من ألفه إلى يائه, في سبيل خلق بديل يرفض أن يكون استمراراً لهذه التجارب الهامة, وهو ما يرفضه صانع (مطرز) الموسيقي معن خليفة رفضاً قاطعاً, سواء بتصريحاته المختلفة أو من خلال نتاجه الفني الذي صاغه في هذا الألبوم, الذي تضمن مجموعة من الأغاني بتوقيع خليفة كملحن لجميع الأغاني وكاتب لبعض كلماتها بالاشتراك مع الحارث , وبصوت كل من الفنانين الشباب (ليندا بيطارـ سومر نجار ـ أسامة كيوان ) ـ والذي بدا من جهة أخرى محاولة جادة للتغريد خارج هذا السرب الموسيقي (البديل).
فالهدف في مطرز كما يبدو منذ الوهلة الأولى ملامسة وجدان المستمع العادي البسيط, بكلمات معاصرة بعيدة عن التعقيد, وألحان تنسجم مع هذه البساطة دون إغفال للخصائص الأكاديمية, التي ترتقي بذائقة المتلقي, لكن دون زجه في معمعة الموسيقى المدرسية أو التخصصية .
ولعل صانعي (مطرز) استطاعوا بإدراك واع لما يحصل اليوم على الساحة الموسيقية أن يتجنبوا ما وقعت فيه معظم المشاريع الموسيقية الشابة ـ التي اتهمت من قبل المختصين والمتابعين بـ (الابتعاد عن الجمهور), واستعراض (العضلات الموسيقية) و بالخطيئة القاتلة ألا وهي (النخبوية الثقافية), وكأن مثل هذه الألبومات موجهة فقط لخريجي المعهد العالي للموسيقى, ولمجموعة من المثقفين .
حيث جاء مطرز رداً على هذه المحاولات بوضعه المستمع العادي في أولوياته أيضاً, فالألبوم يتضمن أغاني مكتوبة وملحنة بأسلوب رشيق وبسيط مثل(أغنية مطرز) وأغان عاطفية ترصد العلاقة الأزلية بين الذكر والأنثى (صار الكلام) دون إسفاف بالكلمات أو باللحن, كما جرت العادة مع هذا النوع من الأغاني , كذلك هو الحال في أغنية (أمي) التي تجمع بين أصالة الكلمة وحداثة اللحن وعفويته .
ولا تعني تلك التعليقات النقدية الآنفة الذكر الوقوف ضد هذه التجارب, وليس هذا الكلام إلا من باب الرغبة باسترجاع تلك المكانة المميزة التي احتلتها الأغنية السورية على يد عدد من الموسيقيين مثل, زهير عيساوي, عبد الفتاح سكر, وسهيل عرفه, الذي نال مؤخراً وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة, وآخرون ..
ولعل الاعتراف بفضل هؤلاء تجلى واضحاً في أسطوانة (مطرز) من خلال تكريمه للراحلة سميرة توفيق التي استطاعت أن تصل إلى قلوب الملايين, عبر استرجاع أغنيتها (عالعين) .
لكن ما يصطدم به هذا النتاج الموسيقي الواعد, وغيره من النتاجات ـ وإن كان بدرجات أقل نظراً لكونها مدعومة من جهة ذات مرجعية مالية ضخمة ـ هو انخفاض الدعم المادي لمثل هذه الألبومات وكذلك الدعم المعنوي إن صح التعبير, حيث لا يزال التعامل مع الإنتاج الموسيقي يتم بطريقة عشوائية, خلافاً لما يحصل في العالم الآن, حيث تتعامل شركات الإنتاج الفني ـ الموسيقي تحديداً مع هذا النوع من الفن كصناعة, لها شروطها من تسويق وترويج وحفلات و شروط أخرى تكفل تحقيق أرباح مادية طائلة لصناع الموسيقى من جهة ولمنتجيها من جهة أخرى .
لكن على ما يبدو فإن اسطوانة (مطرز) تعاني اليوم مشكلة من نوع آخر, فالجهة المنتجة إذاعة شام fm التي تتبنى اليوم مشروع إصدار أصوات شبابية جديدة بدأتها بمطرز, تتمتع بسمعة مميزة في الفضاء السوري المسموع, انعكست سلباً على (خليفة) وألبومه, إذ أدى ذلك إلى محاربته إعلامياً من قبل بقية الإذاعات السورية الخاصة, التي أحجمت عن بث أغان من الألبوم, بسبب الجهة المنتجة التي تشكل منافساً قوياً, لا بل مضى الأمر بهذه الإذاعات, إلى أبعد من ذلك بوضع الألبوم على القائمة السوداء والتهرب من طلبات المستمعين ببث أغانيه بطرق ملتوية.
اليوم ونحن مقبلون على حقبة جديدة, قد تكون كفيلة باسترجاع هويتنا الموسيقية الضائعة في زحمة الأغاني التجارية و الكارثية التي تطل برؤوسها من تلفزاتنا وإذاعاتنا, لا بد لنا من التوقف ولو للحظات عند مثل هذه التجارب وتشجيعها ولو بالاستماع على الأقل, وهو المطلب الأهم في المرحلة الأولى, ومن بعدها يمكننا أن نفتح الباب للحديث عن الأوجاع الموسيقية الأخرى.
زاهر عمرين
المصدر: القنديل
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد