دمشق عاصمة الثقافة العربية أم السورية؟
أصبح انتقال عاصمة الثقافة من عاصمة عربية الى أخرى أمراً ملفتاً بعد سنوات من الصمت كانت الأمور تجري فيها من دون تفاعل كبير مع هذا الحدث المهم. باتت دمشق عاصمة الثقافة العربية خلال العام الحالي، وتسلمت الراية من مدينة الجزائر.
في العـام الماضي، كان لدى الجزائر كعاصمة ثقافية عربية برنامجاً حافلاً، وأجندة ممتلئة بالأنشطة بينها توسيع مؤتمرها السنوي في شباط (فبراير) المسمى «الفنك الذهبي» والمتخصص في شؤون الدراما التلفزيونية العربية، وإطـــلاق أول مهرجــان سينمائي دولي للأفلام الروائية الطويلة في مدينة عنابة في تموز (يوليو) إلــــى جانب إعـــادة ترميـــم المسارح ودور العرض السينمائي القديمة في العاصمة وغيرها من المدن، وافتتـــاح عشـــرات الاحتفالات الثقافية المختلفة في كـــل مدن الجزائر ومحافظاتها وهو ما سعت وراءه بجدية وزيرة الثقافة خليدة نومي ومعها فريق عمل نشط على رأسه حمراوي حبيب الوزير السابق للثقافة ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الجزائري اليوم، وشارك العرب في الاحتفالية الجزائرية بتقديم أسبوع ثقافي لكل دولة.
الاحتفال في دمشق له رؤية أخرى، بأبعاد مختلفة، فهو عوضاً عن قدوم فيروز، يتيح مساحات لعروض مسرحية عالمية وعربية، وأيضاً عروض موسيقية عربية وحديثة، ويوم واحد لكل بلد عربي بدلاً من أسبوع، مع إقامة مؤتمر بعنوان «المدينة والثقافة» يحضره كتاب ومثقفون بحيث تنفتح دمشق وناسها على الثقافة العالمية بدلاً من الاكتفاء بالثقافة العربية.
ولعل أهم ما تتضمنه احتفالات دمشق أيضاً هو اختبار العلاقة بين الثقافة والناس، ومحاولة تقريب الثقافة من الشارع وهي فكرة تحقق هدفين هما التغلب على أزمة المسارح ودور العرض في المدينة، والثانية السعي إلى الناس في أماكن تجمعاتهم الطبيعية، المدارس والحدائق والشوارع لإخراجهم من حال إلى حال، وفرض مفهوم جديد للثقافة كونها عمل شعبي مرتبط بالحياة وليست أمراً يخص المثقفين ذوي الياقات المنشاة في أماكنهم المغلقة.
وبحسب ما أوردته بعض الصحف فـــإن العاصمة السورية تشهـــد حملـــة تجميل لا مثيل لها، وهو مكسب مؤكد وإضافي للمواطن بجانب مكسب من انتقال الأنشطة الثقافية إليه في كل مكان يتواجد فيه. لكن الأمر الغامض هنا، ماذا عن المواطن المحتمي ببيته وجهازه التلفزيوني؟ أليس له نصيب في كل هذا العرس الثقافي؟ ثم، لماذا لا يدخل المواطن العربي غير السوري أيضاً طرفاً في هذه الاحتفاليات كلها؟ وما هي مسؤولية ودور اتحاد الإذاعات العربية والجامعة العربية وكل المنظمات الإعلامية العربية في تحويل عرس مدينة دمشق إلى عرس عربي كبير يشاهده الناس من المحيط إلى الخليج.
ذلك أن أفضل ما تقدمه احتفاليات العواصم العربية على التوالي هو إعادة الاعتبار الى الثقافة في كل تجلياتها، وإعادة العلاقة بين المواطن العادي ومفردات ثقافته المحلية ثم العربية والعالمية ومحاولة إحياء الذاكرة واستنهاض اشتياق الناس القديم للفنون في بلادنا قبل أن تعصف بهم الأحداث السياسية المتتالية. وأسوأ ما تنتهي إليه هذه الاحتفاليات هو النظر إلى الأمور بشكل جزئي والتعاطي مع جزء من الناس دون الانفتاح على شرائح أوسع منهم تحتاج أكثر من غيرها إلى من يضعها في مناخ جميل ومؤثر. فليكن احتفاء دمشق بكونها عاصمة الثقافة العربية مناسبة لفتح أبواب السوريين والمصريين والخليجيين وكل العرب على كنوز الثقافة السورية أولاً، ثم العربية والعالمية، عبر الفضائيات المنتشرة، أفليس هذا أجدى وأفضل ألف مرة من أغلب البرامج التي نراها الآن على شاشاتنا؟
ماجدة موريس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد