دمشق تحتفل في غرناطة اليوم
ما بين دمشق وغرناطة «الرمانة الشامية» من تواصل ثقافي وحضاري ممتد منذ 1200 عام على موعد اليوم مع أمسية هي إحدى محطات التواصل السوري ـ الإسباني والتي تأتي ضمن احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية.
ففي قاعة السفراء بقصر الحمراء سيتماهى العود مع الغيتار في لوحة مشتركة مستوحى عنوانها من روح هذه العلاقة بين دمشق وغرناطة حيث يتردد قول شاعرنا نزار قباني: «هنا جذوري... هنا قلبي» كبرهان على عمق العلاقات السورية ـ الإسبانية.
وأمسية اليوم التي تحضرها السيدة أسماء الأسد والملكة صوفيا هي إحدى محطات هذا التواصل الرائع حيث ستطرب عازفة العود الشابة وعد بو حسون الحاضرين من عرب وأسبان بصوتها الرائع عندما تغني قصائد للشاعر العربي الاندلسي ابن زيدون في حبيبته ولادة بينما اختار الفنانون الإسبان في فرقة بانيانا أشعار الشيخ محي الدين بن عربي الذي ولد في إسبانيا ثم اختار دمشق ليعيش فيها ما تبقى من حياته.
على الطريق بين دمشق وغرناطة يمكن القول: إن المدن لا تتشابه مصادفة، إنه التاريخ والجغرافيا، وهو يتولد أيضاً من رائحة زهرة نادرة حملتها معها صبية في رحلة، أو كلمة دخلت مصادفة في لغة غريبة فصارت جزءاً منها، وعلى هذا الأساس فإن ما بين دمشق وغرناطة تلك العلاقة التي يلمسها من ذاق حبة التوت الشامي في جنة العريف أو شرب ماء من قصر الحمراء فلمس براحتيه عذوبة الفيجة.
وفي الأمسية الموسيقية اليوم تبدو الطريق بين دمشق وغرناطة قصيرة دانية بل بديهية، ففي بلاط بني أمية الدمشقي التقى المبدعون ونثروا فنونهم شعراً وموسيقا وصناعات يدوية وفي غرناطة كانت العلوم والفلسفة والشعر والأدب في قمة ازدهارها وتألقها، وفي غناء وعد بو حسون وتأوهات اللحن الاندلسي لكوروبينيانا ما يختصر المسافات ويجمع التاريخ في ساعة.
فهل هناك أجمل من قصر الحمراء مكاناً ترتاح فيه قلوب المحبين من عرب وأسبان على أوتار العود والغيتار؟ فهذا القصر كان في الأصل جزءاً من مدينة الحمراء التي تشمل قصر الحاكم والقلعة التي تحميه ويعود بناؤه إلى القرن الرابع الهجري ـ العاشر الميلادي وهو أجمل قصور العمارة الإسلامية زينه صناع غرناطة المهرة بزخارف لا مثيل لها في العالم في تنظيمات هندسية كزخارف السجاد وكتابة الآيات القرآنية والأدعية والمدائح والشعر.
ومن أشهر أجنحة قصر الحمراء قاعة العدل المزينة بصور الملوك ومشاهد الصيد وبهو الأسود الذي تحيط به أروقة ذات عقود يحملها 124 عموداً من الرخام الأبيض بالغة الرشاقة، وفي وسط البهو نافورة الأسود التي تخرج المياه منها بحسب ساعات الليل والنهار.
وقد عرف المهندسون العرب في القرن الرابع الهجري ببراعتهم في صنع أشكال مختلفة من الفوارات يفور منها الماء كهيئة السوسنة ويتم تغييرها حسب الحاجة ليفور الماء كهيئة الترس ولقد وصلت تقنية الفوارات الاندلسية إلى قمتها في قصرالحمراء وجنة العريف ومنها استقى ملوك أوروبا هندسة حدائق قصورهم.
وبالقرب من قصر الحمراء وعلى بعد ألف متر منه تقع حدائق قصر جنة العريف حيث شيد في أواخر القرن السابع الهجري قصر فوق ربوة تطل من ورائها جبال الثلج، وقد اتخذه ملوك غرناطة متنزهاً للراحة والاستجمام.
ويذكر في هذا الصدد أنه لم يسبق في العصر الحديث أن أقيم حفل من أي نوع في قاعة السفراء بقصر الحمراء، واسضافة القصر اليوم تأتي تأكيداً على العلاقات المميزة التي تربط دمشق بالاندلس وسورية بإسبانيا.
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد