التعاون الهندي – الإسرائيلي في مجال الفضاء وتطوير أنظمة الصواريخ
الجمل: التطورات الجارية في مجال العلم والتكنولوجيا انعكست بشكل مباشر على وسائط الصراع وبيئة المواجهات وتنازع الإرادات الدائر في الساحات الإقليمية والدولية المختلفة، وفي هذا الصدد ظلت إسرائيل أكثر نشاطاً واهتماماً بالتوظيف العسكري والاستخباري لنتائج التطور العلمي - التكنولوجي.
* البرنامج الفضائي الهندي: العامل الإسرائيلي:
تحدث الكثير من المراقبين والمحللين عن القدرات النووية والصاروخية والتكنولوجية الهندية، ولكن لم يتطرق أحد إلى المشروع الذي يحمل تسمية «البرنامج الفضائي الهندي» الذي يختلف نوعياً عن «البرنامج النووي الهندي» و«البرنامج الصاروخي الهندي». وتقول المعلومات بأن إسرائيل قد نجحت في إرسال أحد أقمار التجسس إلى الفضاء الخارجي عن طريق إطلاقه من إحدى القواعد العسكرية الهندية، ولكن ما لم تشر إليه المعلومات والتقارير هو مدى الحضور الإسرائيلي في البرنامج الفضائي الهندي.
إن التفكير والتمعن مليّاً في طبيعة العلاقات الهندية – الإسرائيلية يشير إلى الكثير من الأسئلة، فما هي طبيعة هذه العلاقات وما هي حدود ونطاقات التواجد الإسرائيلي ليس في البرنامج الفضائي الهندي وحسب، إنما في البرنامجين النووي والصاروخي أيضاً؟ ثم ما هي أهم وأخطر برامج صناعة المعلوماتية الهندية خاصة وأن الهند أصبحت في مجال التقنيات الكومبيوترية والمعلوماتية والتكنولوجيا الذكية لا تقل عن الصين أو حتى اليابان.
* البرنامج الفضائي الهندي: معطيات الخبرة التاريخية:
يوجد في مدينة بانغالور (عاصمة صناعة المعلوماتية الهندية) وحدها أكثر من 60 جامعة متخصصة في علوم ودراسات الكومبيوتر والمعلوماتية، كما توجد فيها أيضاً مؤسسة «إسرو ISRO» والتي يعني اسمها: "منظمة بحوث الفضاء الهندية"، ويعمل بها حوالي 20 ألف خبير في مجالات تكنولوجيا الفضاء، كما تبلغ ميزانيتها السنوية حوالي 850 مليون دولار بحسب أرقام عام 2006م. ومن المفيد هنا استعراض المراحل التاريخية التي مرت بها بحوث الفضاء الهندية:
• المرحلة الأولى (1960-1970م): وكان يشرف على برنامج البحث الفضائي آنذاك الدكتور فيكرام سارابهاي، الذي يطلق عليه الهنود لقب "الأب المؤسس" للبرنامج الفضائي الهندي.
• المرحلة الثانية (1970-1980م): في هذه الفترة بدأت المراحل الأولى للشراكة بين منظمة «إسرو» الهندية ووكالة «ناسا» الأمريكية الشهيرة، في مجال بحوث وتكنولوجيا الفضاء وإعداد دراسات الجدوى الخاصة بالتكنولوجيا الفضائية واستخداماتها.
• المرحلة الثالثة (1980-1990م): بدأت الهند بتشييد المحطات الأرضية لرصد الفضاء الخارجي وإعداد المنصّات المخصصة لإطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية إلى الفضاء.
• المرحلة الرابعة (1990-2000م): في العام 1992م أطلقت الهند قمرها الصناعي الأول الذي حمل اسم «آسلف ASLV»، وبرغم فشل التجربة وقتها فقد استطاعت الهند أن تقوم بتجربة إطلاق ناجحة في العام 1994م. وبعد ذلك استمرت عمليات الإطلاق بنجاح.
• المرحلة الخامسة (2000-2010م): وهي المرحلة التي لم تنته بعد ولكنها شهدت حتى الآن الكثير من عمليات الإطلاق الناجحة على النحو الذي بدأت تبرز فيه ملامح البرنامج الفضائي الهندي القادم.
* كيف تغلغل الإسرائيليون إلى الهند:
"الشتات اليهودي" ووجود الأقليات اليهودية المعزولة في العالم، شكلت البنيات التحتية الأساسية للتغلغل الإسرائيلي في دول العالم المعاصر خلال الفترة الممتدة من انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن. والهند ليست استثناءاً من وجود الأقليات اليهودية التي تمثل نسبة 0.4% من إجمال سكان الهند البالغ حوالي المليار، أي يبلغ عدد يهود الهند حوالي 4 ملايين يتوزعون ضمن ثلاثة مجموعات تقطن في ثلاثة مناطق مختلفة:
• يهود الكوشين: يتواجدون في أقصى جنوب الهند، وتحديداً على رأس شبه القارة الهندية المواجهة لجزيرة سيرلانكا.
• يهود بغدادي: يتواجدون في منطقة شمال شرق الهند المتاخمة لبنغلاديش وبورما.
• يهود بني إسرائيل: يتواجدون في منطقة مومباي الواقعة في الوسط الغربي للهند.
بدأت إسرائيل والولايات المتحدة والمنظمات اليهودية والصهيونية الاهتمام بيهود الهند وبتقديم الدعم المالي والعلمي لهم ليس من أجل تهجيرهم إلى إسرائيل، وإنما من أجل تمكينهم وجعلهم قوة مؤثرة حقيقية في الساحة السياسية الهندية. وتقول المعلومات بأن الكثير من المرافق وشركات تكنولوجيا المعلومات الهندية تابعة لعناصر يهود من الهند، كذلك تشير المعلومات إلى أن هذه العناصر اليهودية يجدون الكثير من المنح العلمية الدراسية في البلدان الغربية المتطورة، وعلى وجه الخصوص في المجالات المعلوماتية والبحوث النووية والفيزياء الكونية... وما شابه ذلك. وعندما وقعت إسرائيل اتفاقيات تعاونها الثنائي مع الهند، كان الجميع يتوقعون أن تتعلق هذه الاتفاقيات بالأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالصادرات والواردات وما شابه ذلك، لكن المعلومات أوضحت بأن الاتفاقيات الثنائية الإسرائيلية – الهندية كانت تركز بالأساس –وبناءً على طلب إسرائيل- على التعاون في المجالات العلمية والتكنولوجية، الأمر الذي يلقي بالكثير من الشكوك التي تنذر بوجود المزيد من "الخيوط الخفية" بين الإسرائيليين والهند وهي خيوط يمكن أن تتضح أكثر فأكثر إذا تمعنا في فرضية:
• وجود عدد كبير من يهود الهند الذين نالوا تعليماً متقدماً في الدول الغربية في مجالات التكنولوجيا وعلوم الفضاء.
• تشديد الإسرائيليين على الاكتفاء بالعلاقات العلمية والتكنولوجية مع الهند مقابل أن تساعد إسرائيل الهند في الحصول على الدعم والتعاون الأمريكي.
عموماً، انكشفت روابط تل أبيب – نيودلهي أكثر فأكثر عندما تحدث الدكتور الهندي كومارا سوامي لموقع آي إس إن الاستخباري العسكري السويسري قائلاً بأن:
• حجم الإنفاق الثنائي المشترك الإسرائيلي – الهندي يبلغ 2.5 مليار دولار.
• التعاون سوف يكون حصراً بين شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) المملوكة للحكومة الإسرائيلية ومنظمة البحوث الدفاعية والتنمية الهندية (DRDO).
• مجالات التعاون سوف تركز على برنامج تطوير أنظمة صواريخ أرض – جو.
كذلك، أشارت المعلومات إلى وجود صفقة هندية – إسرائيلية قدرت بحوالي 5 مليار دولار غطت الفترة من عام 2002 حتى عام 2007م إضافة إلى معاملات دفاعية هندية في حدود 1.6 مليار دولار عام 2006م وحده.
إن التعاون الإسرائيلي – الهندي الذي أسفر عن إتاحة الهند لإسرائيل إطلاق القمر الإسرائيلي الصناعي والتجسسي الأخير، لم يكن وليد اللحظة، أو وليد الاتفاق الفوقي بين السلطات الهندية والسلطات الإسرائيلية بل هو إجراء يستند إلى بنية تحتية توفر له السند. بكلمات أخرى، إن عملية إطلاق القمر الإسرائيلي هذه هي بمثابة الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي يخفي ركاماً أكبر.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد