الوحدة العربيّة بدأت... من دمشق
الخبرة الدرامية التي راكمها السوريون والسمعة الطيبة التي أصبحوا يتمتعون بها في السنوات الأخيرة في الصناعة التلفزيونية، تقود اليوم إلى مزيد من الإفادة من قدرات فنانيهم عربياً. سابقاً، أدّى نجوم سوريون بطولة مسلسلات مصرية، وشارك مخرجون في صناعتها. كما لم نعدم ممثلين من سوريا في أعمال أردنية وخليجية. وإن كان الأردنيون قلما تعاملوا مع مخرجين سوريين في أعمال أردنية خالصة، فإن لدى الخليجيين أكثر من مثال على هذا التعاون. وهناك أيضاً أعمال مصرية وخليجية وعراقية صوّرت وتصوّر في سوريا، مستفيدة من مزايا فنية قليلة الكلفة قد لا تتوافر في أماكن أخرى. إضافة إلى أن منتجين عرباً، من شتى الجنسيات، استثمروا في إنتاج الأعمال السورية، وآخرهم فضائية «ساهور» السودانية الخاصة التي تنتج المسلسل الديني «قمر بني هاشم» للمخرج محمد الشيخ نجيب. ويطرح اليوم بقوة مفهوم العمل الدرامي العربي، وهو لا يعني: «ممثلون» من جنسيات مختلفة يجسدون بيئة واحدة، بل «أحداث» تدور في بيئات عربية مختلفة، ويحافظ كل من شخصياتها على لهجته وخصوصيته الاجتماعية. وكنا قد شاهدنا هذا العام مسلسل «بنت النور» للمخرج سامر برقاوي الذي وإن كانت تدور أحداثه في مكان واحد هو دبي، إلا أنه يقدم شخصيات عربية متنوعة، حتى لو كانت أرضية العمل خليجية. التوجه إلى السوريين، هو خيار إنتاجي أيضاً، فعمل فيه نجوم يتمتعون بجماهيرية كبيرة عربياً سيعني مشاهدة عالية، ووجود مساهمة سورية يسهّل تمرير أي عمل عربي. كما أن الفنانين السوريين بتكوينهم، يتميزون بقدرتهم على استيعاب وتمثيل بيئات عربية مختلفة.
هذا التعاون ذهب هذه المرة إلى أقصى العالم العربي، إلى الجزائر، رغبة من التلفزيون الجزائري بتطوير الإنتاج الدرامي. وذلك من خلال المسلسل الجديد الذي بدأ تصويره «عندما تتمرد الأخلاق» من تأليف الكاتبة الجزائرية سميحة سعيد خليفة وإخراج السوري فراس دهني، إنتاج «أطلس فيلم» الجزائرية. ويشارك في البطولة عدد من ممثلي البلدين. ويطلّ من سوريا باسم ياخور، وكندة حنا، وسوسن ميخائيل، وديمة الجندي، وجيني إسبر، وسليم صبري، وضحى الدبس، وجلال شموط، وعاطف حوشان، وعاصم حواط، ويحيى بيازي، وأناهيد فياض، وطوني موسى (فيما اعتذرت النجمة سوزان نجم الدين عن العمل رغم طرح اسمها في البداية بسبب انشغالها). ومن الجزائر، تشارك في العمل مليكة بلباي، وكمال روني، وسعيد أحمد آغومي، وسونيا، وعبد الباسط بن خليفة. كما تتنوع جنسيات الفنيين من سوريين: مدير التصوير بسام بخاري، ومدير الإنتاج كمال شنان، وجزائريين: مدير الإضاءة بشير سلامي، والمخرج المنفذ حسين مزياني. أما الموسيقى التصويرية، فهي للجزائري سليم دادة. ويجري تصوير العمل بين سوريا والجزائر وإسبانيا. وهو أضخم إنتاج جزائري لهذا العام وسيعرضه التلفزيون الجزائري في رمضان. وهذا المسلسل هو ثاني تجربة مشتركة بين البلدين بعد مسلسل «عذراء الجبل» 2004 للمخرج السوري سامي الجنادي والكاتب الجزائري عز الدين ميهوبي. وقدم العمل التجربة النضالية للبطلة الجزائرية فاطمة سومر من القرن التاسع عشر، وجسد أدواره ممثلون من سوريا والجزائر.
المخرج الشاب فراس دهني درس السينما في ألمانيا وأنجز عدداً من الأعمال الوثائقية والدرامية، منها «بقعة ضوء» و«سيد العشاق» (الذي أدّى بطولته الممثل السعودي تركي اليوسف) و«فجر آخر» وعدد من حلقات «إسأل روحك». ويجيء «عندما تتمرد الأخلاق» كعمل درامي عربي، يقدم أكثر من بيئة، لكن في هذه الحالة يتطلب الأمر سيناريو استثنائياً، فبطل العمل رشدي، مدرّس جزائري يعيش في سوريا (مع أنه جرت العادة أن يعمل المدرّسون السوريون في الجزائر). تنشأ قصة حب بينه وبين الفتاة الدمشقية جمانة، وتتوج بالخطوبة. لكن هذا الرجل يتعرض للقتل من جانب عصابة، يقوم أفرادها في الوقت نفسه باغتصاب الفتاة التي تغادر إلى الجزائر لحضور أربعين خطيبها. ومع إدراكها أنها حامل تقرر عدم العودة، بل تغامر بهجرة غير شرعية مع شبان جزائريين إلى إسبانيا (هل هي محاولة لطرح هذا الموضوع المغاربي؟). وهناك، تضع مولودها صهيب الذي تجد نفسها غير قادرة على تنشئته، فتضعه في عهدة عائلة جزائرية تعود به إلى الجزائر. يكبر صهيب ويتعرف إلى آية، الفتاة السورية التي تدرس في جامعة جزائرية وتنشأ بينهما علاقة. وسنكتشف (بمصادفة على الطريقة الهندية) أن آية هي ابنة ثائر الذي اغتصب جمانة وتسبب بمقتل رشدي. وبعد إدراك صهيب أنه وآية أخَوان، ينصرف اهتمامه للبحث عن والدته في إسبانيا. وفي العمل، العديد من الخطوط الدرامية الفرعية التي تدور بين دمشق والجزائر.
واستباقاً لأي توقعات، وعلى رغم أن الحبكة تبدو تقليدية، يملك المخرج فراس دهني كفاءة ورؤية إخراجية خاصة تتسم بالواقعية والبساطة لمسناها في عمله الأخير «فجر آخر» الذي عرض على نطاق ضيق. وأهمية «عندما تتمرد الأخلاق» قد تنبع من محاولة إقامة حوار بين تجارب فنية عربية متنوعة، والتقريب بين بيئات عربية مختلفة عبر أكثر الوسائل الفنية شعبية، وخصوصاً أن المجتمع الجزائري يكاد يكون مجهولاً بالنسبة إلى المشاهد الشرقي. وإذا كانت الدراما السورية مشاهَدة في المغرب العربي، فإن الدراما المغاربية ونجومها لا يتمتعان بحضور يذكر في منطقتنا.
منار ديب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد