التغيير في كيرغيزستان إلى أين؟

08-04-2010

التغيير في كيرغيزستان إلى أين؟

الجمل: تحدثت التقارير الواردة ظهر الأمس من العاصمة الكيرغيزية بيشكيك, عن حركة الاحتجاجات الشعبية التي برزت بشكل متزايد في كيرغيزستان, وما كان لافتا للنظر أن هذه الاحتجاجات قد تطورت خلال بضعة ساعات متخذة شكل المواجهة المرتفعة الشدة, وبحلول الساعات الأولى من صباح اليوم, تحدثت التقارير عن مغادرة الرئيس كورمان بيكاييف  إلى مدينة طالاس الواقعة في جنوب كيرغيزستان, وقيام زعيمة المعارضة روزا أوتونباييفا بإعلان تشكيل حكومة مؤقتة: فما هي حقيقة الأحداث, وما مدروزا أوتونباييفى ارتباط هذه الأحداث بمخططات محور واشنطن-تل أبيب إزاء منطقة آسيا الوسطى ذات الحضور الاستراتيجي القوي في كل حسابات السيطرة على النظام الدولي.
الصراع في غيرغيزستان:
تقع كيرغيزستان في أقصى الجزء الشرقي لمنطقة آسيا الوسطى, وهي تجاور من الناحية الشمالية كازخستان, ومن الناحية الشرقية الصين, ومن الناحية الغربية أوزبكستان, أما من الناحية الجنوبية, فهي تجاور طاجكستان.
كانت كيرغيزستان أحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق, وأًصبحت بعد انتهاء الحرب الباردة إحدى جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة, هذا, وتبلغ مساحة كيرغيزستان 199900 كم مربع, ويبلغ عدد سكانها 5,5 مليون نسمة, 68,9% كيرغيز, و14,4% أوزبك, و9,1% روس, و7,6% ينتمون إلى المجموعات الإثنية الأخرى, هذا, وينتمي 75% من السكان إلى الإسلام, و20% إلى المسيحية الأرثوزوكسية الروسية, و5% إلى الأديان الأخرى مثل البوذية, هذا, وتجدر الإشارة إلى وجود 2000 يهودي كيرغيزي.
تشير المعلومات الأولية إلى أن مفاعيل الصراع الكيرغيزي الحالي تقوم على أساس اعتبارات التناقضات التي نشأت على طول الخطوط الآتية:
• الانقسامات الإثنية: يوجد صراع حول النفوذ بين إثنية الكيرغيز وإثنية الطاجيك.
• الانقسامات السياسية: يوجد صراع بين القوى السياسية المحافظة التي تتمسك ببناء الروابط ضمن بيئة آسيا الوسطى. والقوة السياسية الليبرالية التي تطالب بالانفتاح نحو الغرب والولايات المتحدة.
وعلى خلفية هذه الخطوط فقد سبق وأن شهدت كيرغيزستان بعد الانفصال عن الاتحاد السوفييتي, قيام النخبة الشيوعية التي كانت مسيطرة بالاستمرار في الإمساك بالسلطة, حيث نجح الرئيس عسكر أكاييف في الإمساك بزمام السلطة, وبسبب فضيحة الفساد التي اندلعت في عام 1993م, أصدر الرئيس عسكر أكاييف قراره بحل حكومة فيليكس كولوف وكلف عباس جوماغولوف بتشكيل الحكومة الجديدة.
استمرت سيطرة الرئيس عسكر أكاييف على السلطة, ونجح في تمرير الدستور الجديد, وبالمقابل تزايدت المعارضة السياسية لنظامه, وفي عام 2002م تم اعتقال زعيم المعارضة عظيم بيك نزاروف, الأمر الذي ترتب عليه اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات الصاخبة, إضافة إلى أعمال العنف وسقوط القتلى والجرحى.
تزايدت الاحتقانات, وضغوط المعارضة بسبب تزايد نشاط النخب السياسية المطالبة بالانفتاح على أميركا والغرب, وفي عام 2005م, اندلعت الموجة النهائية لثورة ملونة, أطاحت بالرئيس عسكر أكاييف, وتولى المنصب الرئيس كورمان بيكاييف الذي كان زعيما للمعارضة.
تقول المعلومات, بأن الرئيس بيكاييف, قد ظل طوال الفترة الممتدة من عام 2005م وحتى عام 2010م الحالي, يكرر نفس أخطاء الرئيس السابق عسكر أكاييف, الأمر الذي أدى إلى تزايد المعارضة السياسية ضده, وأشارت المعلومات والتقارير إلى أن الأسباب التي أدت إلى احتجاجات الأمس تضمنت اتهام الرئيس بيكاييف بارتكاب الآتي:
• التحيز المفتوح لصالح إثنية الكرغيزكيرغيزستان التي ينتمي إليها الرئيس بيكاييف, وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بمنحهم المزايا الاقتصادية والسياسية والمناصب الرئيسية.
• تزايد الفساد المالي والسياسي بمعدلات غير مسبوقة.
• فشل الخطة الاقتصادية, والعجز عن تحقيق أي تقدم في مجال التنمية.
• تزايد معدلات التضخم بأرقام كبيرة, بما أدى إلى زيادة الأسعار وانخفاض الأجور وتدهور مستوى المعيشة.
• تزايد فرض القيود على الحريات السياسية العامة والخاصة.
أشارت التقارير إلى أن الزعيمة السياسية روزا أوتونباييف هي التي تصدت لقيادة المعارضة والحركة الاحتجاجية, وأكدت التقارير بأن الزعيمة روزا أوتونباييف هي المسيطرة الآن على مقاليد الأمور السياسية في العاصمة الكيرغيزية بشكيك.
الحسابات الاستراتيجية الجديدة: تداعيات التغيير الكيرغيزي إلى أين؟
ظلت كيرغيزستان تمثل أحد أهم دول آسيا الوسطى لجهة القيمة الاستراتيجية, وفي هذا الخصوص, فقد شهدت الواحد وعشرين عاما الماضية التي أعقبت استقلال كيرغيزستان, صراعا دوليا تزايدت وتائره على خلفية تسابق القوى الدولية والإقليمية من أجل فرض النفوذ على منطقة آسيا الوسطى, ومن أبرز المعالم الدالة على ذلك:
• سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى التمركز في بلدان آسيا الوسطى, عن طريق توقيع الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون العسكري والاقتصادي مع هذه الدول.
• سعي الصين إلى التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية مع دول آسيا الوسطى, بما يؤمن إبعاد هذه الدول عن شبح النفوذ الأميركي.
• سعي روسيا إلى بناء الروابط واستخدام الوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى علاقات الماضي السوفييتي, بما يؤمن ربط دول آسيا الوسطى بالدولة الروسية, و تأمين إبعاد شبح النفوذ الأميركي عن هذه المنطقة.
على خلفية صراع القوى الكبرى حول آسيا الوسطى, تشكلت المزيد من النخب السياسية في بلدان آسيا الوسطى, وفي الوقت الذي سعت فيه العديد من هذه النخب لجهة الرهان على إبقاء منطقة آسيا الوسطى بعيدا عن النفوذ الأجنبي الخارجي وتحديدا نفوذ الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي, فقد سعت نخب أخرى باتجاه الرهان على التحالف وتعزيز الروابط مع الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي.
تقول المعلومات والتقارير بأن كيرغيزستان تمثل واحدة من أكثر دول آسيا الوسطى إثارة للاهتمام, وذلك بسبب موقف كيرغيزستان المزدوج, فهي تستضيف في وقت واحد قاعدة عسكرية أميركية, وقاعدة عسكرية روسية, وفي نفس الوقت فهي عضو في منظمة كومنولث الدولية المستقلة جنبا إلى جنب مع روسيا, إضافة إلى ذلك فهي عضو في منظمة تعاون شنغهاي, التي تمثل حلفا عسكريا يضم الصين وروسيا إضافة إلى دول آسيا الوسطى الأخرى, وفي هذا الخصوص يقول الخبراء بأن وضع كيرغيزستان سوف يكون مثيرا للاهتمام إذا حدثت مواجهة روسية-أميركية, وذلك لأن الصراع سوف يندلع داخل كيرغيزستان نفسها, وتحديدا بين القاعدة العسكرية الأميركية والقاعدة العسكرية الروسية.
استطاعت الاحتجاجات الشعبية المنظمة العنيفة التي اندلعت بالأمس أن تطيح بنظام الرئيس كورمان بيكاييف, وصعود الزعيمة روزا أوتوناييف, والتي لا تعتبر من أبرز زعماء الثورة الملونة التي حدثت في عام 2005م وحسب, وإنما من أبرز الزعماء المرتبطين بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية, وبريطانيا, وفي هذا الخصوص فقد أثار صعود الزعيمة روزا أوتوناييف المزيد من الشكوك في أوساط دول آسيا الوسطى والصين وروسيا, من احتمالات أن تتوجه السياسة في كيرغيزستان باتجاه بناء وتفعيل الروابط العسكرية-الأمنية مع أميركا وحلفاءها الغربيين, بما يمكن أن يجعل من كيرغيزستان بمثابة إسرائيل آسيا الوسطى, ولكن, لما كان من الصعب على كيرغيزستان أن تتخطى البيئة الجيو-سياسية, فمن الممكن أن تسعى الرئيسة روزا أوتونباييف إلى اعتماد سياسة معتدلة, تناصر واشنطن ضمن حدود مقبولة, خاصة وأن الانفتاح الشديد إزاء واشنطن سوف لن يجلب لنظامها سوى المعارضة المتزايدة, فالصين تسعى إلى دعم المعارضة, وروسيا سوف تحذو حذوها, إضافة إلى أن أوزبكستان سوف تسعى لتفعيل المعارضة بواسطة السكان الأوزبيك, وبرغم مساعي الرئيسة الجديدة روزا أوتونباييف إلى تطمين روسيا وأميركا بأن كيرغيزستان سوف تظل متمسكة بتوازن علاقاتها مع الطرفين, فهناك توقعات تقول بأن روزا أوتونباييف سوف تقوم بتمديد استمرار وجود القاعدة العسكرية الأميركية والتي سبق وأن قرر الرئيس السابق بشكل قاطع عدم السماح بتمديد وجودها برغم مناشدة واشنطن المتزايدة إزاء ضرورة تمديد وجود هذه القاعدة لجهة دورها الهام في دعم جهود الحرب الأميركية في المسرح الأفغاني!!!


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...