الرقابة العربية «التلفزيونية» ليست أفضل حالاً من «الرقابة السورية»
يبدو أن لجان الرقابة في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون قد فقدت رشدها ولا تعلم أننا في قرن جديد نُسفت فيه كل آليات الرقابة القديمة بحيث بات من المضحك حقاً أن تحذف مشهداً في مسلسل تلفزيوني، وأنت تعرف أنه سوف يعرض كاملاً ليس على محطة عربية بل على محطة سورية أخرى وبالتزامن مع عرضه على الشاشة الوطنية، وهذا ما جرى مع مسلسل (بقعة ضوء) حيث حذف الرقيب في التلفزيون الرسمي مشاهد من بعض اللوحات لكي يبدو أنه حريص على الوطن أكثر من غيره أو لأنه لا يمتلك القدرة على اتخاذ القرار والجرأة على فسح المجال أمام الأفكار وكأنه لا يعلم أن الفكرة لها أجنحة وبإمكانها أن تطير في حين أن المشاهد عرضت كاملة على قناة الدنيا!
ما جرى مع (بقعة ضوء) و(رياح الخماسين) يؤكد أن الرقابة في سورية تعيش حالة تراجع وأن العديد من الخطوط التي استطاع المبدعون تخطيها عبر سنوات عديدة قد سقطت من جديد بيد الرقيب ضارباً عرض الحائط بعصر الفضائيات وعصر الانترنت وكأنه يخاطب مشاهداً غبياً لا يعرف أين وكيف ومتى تبث المسلسلات وعلى أي قناة ومن يحذف ومن لا يحذف.
إن ما جرى مع لوحة (حفلة مجانين) يؤكد مضمونها فاللوحة التي كتبها وأداها الفنان أيمن رضا تحكي عن مجموعة من المجانين يتمكنون من الهروب من مشفى الأمراض العقلية وبعد مرور عدة سنوات نراهم وقد تحولوا إلى مسؤولين ومرشحين لعضوية مجلس الشعب ويبدو أن هذا الأمر لم يرق لمسؤولي الرقابة في التلفزيون فحذفوا النهاية وظهرت الحلقة فارغة من مضمونها في حين سارع المشاهدون إلى متابعتها على قناة الدنيا التي بثتها كاملة.
كما طال مقص الرقيب أكثر من لوحة معبرة تحاول وضع اليد على الجرح لا لكي تدميه أكثر بل لتشير إليه عسى ولعل يظهر من يضمده.
والحقيقة أن الرقابة في البلدان العربية ليست أفضل حالاً فقد طيّرت وكالات الأنباء أمس نبأ إيقاف المسلسل البدوي (سعدون العواجي) الذي كان يعرض على تلفزيون أبو ظبي بعد أن طالبت قبائل عربية بإيقافه لأن المسلسل «يحاكي حقبة من تاريخها» وقبله أوقفت محطة الـ mbc عرض مسلسل (فنجان الدم) لأسباب ليست بعيدة عما سبق. هل بدأت تعيش الثقافة العربية مرحلة التراجع الكبير لتبدأ بالفعل مرحلة أخرى هي مرحلة التسطيح، والاستخفاف بعقول الناس؟
هل بدأنا بإغلاق أبواب ثقافتنا لنبدأ بفتح أبواب ثقافات أخرى سوف يأتي اليوم الذي تقتلعنا فيه من جذورنا؟
أيها السادة: نحن في زمن لم يعد فيه للتحجر مكان والمفترض أن تتم إعادة هيكلة كاملة لمسألة الرقابة وخاصة في التلفزيون السوري فالرقيب يجب أن يكون أرحب رؤية وأوسع أفقاً من المراقب، ويجب ألا يكون أقل من حيث الثقافة واتساع الفكر من الذي يتقدم إليه بنتاجه لكي نحكم عليه، فالرقباء في التلفزيون السوري يجب أن يكونوا أدباء، شعراء، مثقفين وإعلاميين مشهوداً لهم وأن نعطيهم القدرة على قول (لا) لكل من يحاول أن يكون رقيباً على الرقيب. لسنا ضد الرقابة من حيث المبدأ ولكننا ضد أن نعطي المقص لمن لا يعلم أنه يجرح ولمن يستخف بعقول الناس ويدعوهم لهجرة القنوات الرسمية السورية إلى القنوات الخاصة التي – بكل تأكيد – لا تقل وطنية عن القائمين على القنوات السورية الرسمية.
محمد أمين
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد