«باب الحارة» و«أهل الراية»: توأم سيامي درامي
لا يلبث متابع المسلسل السوري »أهل الراية«، أن يلاحظ التشابه الكبير بينه وبين المسلسل السوري »باب الحارة«، الذي يعرض في جزئه الثالث الذي يبدو باهت البريق هذا الموسم.
وبرغم الملاحظة هذه، لم يقدم مسلسل »أهل الراية« جديداً عما سبق وقدمه »باب الحارة« في السنتين الماضيتين. فمن الدقائق الأولى لعرض المسلسل تحضر المقارنة، بدءاً من شِبه التطابق في الديكور الذي اختاره المسلسل الجديد لتجسيد الحارات الدمشقية في بدايات القرن العشرين، والذي لا يختلف عن ديكور »حارة الضبع« الدمشقية في »باب الحارة«، إلى الزي الذي يرتديه ممثلو »أهل الراية«، وصولاً إلى محاولته تقليد نمط التعامل بين أناس الحارة.
تصبح معالم هذا التشابه أكثر وضوحاً كلما تعمّقنا في المضمون الاجتماعي للمسلسل، إلى حد يظهر معه »أهل الراية« استنساخاً لـ»باب الحارة« مع بعض التعديلات البسيطة. إذ ينسج أهل الحارتين في المسلسلين، حارة مثالية في دمشق، حارة قائمة على التكافل بين وجهائها لمساعدة أصحاب الحاجة ومساندة المظلوم. النخوة والشهامة سمة مشتركة بين الرجال، وحماية نساء الحارة هي مهمة كل الرجال. فلا نستغرب أن يقوم »أبو واصف« وهو أحد الوجهاء في »أهل الراية« بضرب رجلين من حارة أخرى تحرشا بإحدى نساء »بير التوتي«، كما فعل »أبو حاتم«، وهو أيضاً أحد وجهاء الحارة في »باب الحارة«، عندما قام بضرب أحدهم بسبب تحرشه بإحدى النساء.
أما دور جمال سليمان الملقب بالزعيم »أبو الحسن« في »أهل الراية«، فيختصر شخصيتين بارزتين مقتبستين عن »باب الحارة«، فإذا استبعدنا الدور المقاوم للعقيد »أبو شهاب« (يؤديه الممثل سامر المصري في »باب الحارة«)، يمثل »أبو الحسن« نفسه صورة »أبو عصام« (الممثل عباس النوري) من حيث الحكمة ومساعدة المحتاجين.
أكثر من ذلك، يستند المسلسلان على ما يعتبرانه تصويراً لعادات اجتماعية كانت سائدة في ذلك العصر: تحجّب النساء، عدم الاختلاط وسمة الطاعة التراتبية. يطيع الرجال الزعيم، الشبان يطيعون آباءهم، ثم تطيع النساء الرجال، من دون أن يجرؤ أحد على خرق هذا النظام.
صحيح ان الأحداث الاجتماعية التي يعالجها »أهل الراية« تختلف عن تلك التي يعالجها »باب الحارة«، لكنها ولغاية حلقة أمس، لم تنجح في إنقاذ العمل من الشبه إلى حد الاستنساخ. ربما حاول مخرج »أهل الراية« علاء الدين كوكش، الذي شارك في إخراج مسلسل »باب الحارة«، أن يميز عمله في بعض المفاصل، لكنه وقع في فخ آخر فاختار أن يكون الاحتلال عثمانياً بدل الفرنسي (في »باب الحارة«)، لكن المفارقة ان »أهل الراية« يبتعد تماماً عن أجواء المقاومة، لا بل يبدو البطل حتى اللحظة سعيداً بحظوته لدى العثماني.
فإلى أي مدى يمثل هذا »الترحاب« حقيقة تاريخية؟ وهل سنشهد في الحلقات المقبلة تحولاً لتظهر مقاومة قد يكون قائدها الممثل القدير جمال سليمان؟ أم ان الوجود العثماني سيظل مرحباً به في »بير التوتي«؟
وقد يكون ساهم في غياب الرونق الخاص عن العمل استعانته بوجوه ترسخت في أذهان المشاهد بأدوار مشابهة في »باب الحارة«، كالممثلة الشابة تاج حيدر التي انتقلت من كونها ابنة »الحكيم أبو عصام« لتصبح ابنة الزعيم أبو الحسن في »أهل الراية«.
يقف »أهل الراية« الآن على حد السيف، فإما أن يخوض التحدي بأداء أكثر تمايزاً عن شبيهه في حلقاته المقبلة، وإما يكمل في وضع نفسه في موقع محرج، وعندها يصبح بالإمكان القول: كان من الأجدى للقيمين على العمل اختيار حقبة تاريخية مختلفة يخوضون فيها غمار المغامرة الدرامية التراثية.
تعرض »أهل الراية« قناة »المنار« عند ٢٠،١٠ وتعرض »باب الحارة« قناة »أم بي سي« عند ٢٢،٠٠
حنان ضيا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد