بعد سنوات... قانون النظافة إقناع أم عقوبات؟
هل أصبحت النظافة معادلة عصية عن الحل؟ وهل بات قانونها بعد سنوات من صدوره في حكم النسيان أو يطبق على استحياء؟
نعلم تماماً أن النظافة تتطلب امكانات ووعياً وتعاوناً من المواطن وحملات توعية اعلامية والتقيد بقواعد وأسس النظافة العامة التي نص عليها القانون، والسؤال: هل توفرت هذه المعطيات وهل تكفي بعض المخالفات من هنا وهناك لنقول ان القانون يطبق؟ والأهم من يطبقه ومن يردع المواطن؟ ومن يضبط المخالفات وماهي صفته وهل هؤلاء على دراية كافية بالقانون وكيف نضمن عدم ابتزاز الناس أو التغاضي عن مخالفاتهم؟
صدر قانون النظافة /49/ عام 2004 المتعلق بشؤون النظافة العامة والمظهر الجمالي للأبنية والمحلات التجارية والحدائق العامة، ويتضمن القانون فصولاً تتعلق بتعاريف للنظافة العامة والجمالية ولأنواع النفايات وأساليب معالجتها والتخلص منها بما يحافظ على سلامة البيئةكما يتضمن القانون تحديداً للإجراءات والعقوبات التي ستتخذ بحق المخالفين.
والقانون كان واضحاً في العقوبات التي فرضها، فمثلاً نقل الحاويات من موقعها المحدد والقاء النفايات في الأنهار ومجاري المياه والينابيع وغسل السيارات في الشوارع ومرور الحيوانات والمواشي في غير الممرات المخصصة لها، كل هذه المخالفات عقوبتها وغرامتها من ألف الى ثلاثة آلاف ليرة سورية.
ومع كل وضوح القانون وتفصيلاته كان التطبيق ليس على المستوى المطلوب حتى ان بعض الناس حتى الآن لا يعلمون ان كان تم البدء بتنفيذه أو لا؟
في استبيان أجري في دمشق وبعد فترة طويلة من صدور القانون كان السؤال الأول للمواطن كيف تقوم بالتخلص من القمامة (الوقت ـ المكان ـ الكيفية) وكانت الاجابة 30% صباحاً، 57% ليلاً، 5% ظهراً، 8% دون إجابة. أما المكان 57.1% بالحاوية و14.5% عن طريق العامل و8.37% على الرصيف و8.18% بالسيارة و11.85% بدون إجابة.
والسؤال الثاني: ماهو دور المواطن في تحسين مستوى النظافة فكانت الإجابة 22.96% التعاون و23.16% المشاركة و31.67% الالتزام و7.96% النظام و4.25% بدون اجابة.
والسؤال الثالث: هل سمعت بقانون النظافة فقال: 61.37% نعم سمعنا و 29.78% لا و6.93% بدون اجابة.
والآن اذا جرى استبيان ماذا ستكون النتيجة؟
المهندس عماد حسون معاون وزير الادارة المحلية والبيئة قال: بداية الوحدات الادارية بالمحافظات والبلديات هي المسؤولة عن تنفيذ القانون ولكن هناك معوقات وصعوبات حالت دون تطبيق القانون بالشكل الأمثل ومنها نقص الآليات، وحالياً تم منح موافقات لشراء آليات للوحدات الادارية وكذلك تم فتح المجال للقطاع الخاص لجمع وترحيل النفايات، أما نقص عدد عمال النظافة والذي كانت تعاني منه سابقاً الوحدات الادارية فتم تداركه بالتعاقد المباشر وليس عن طريق مكتب الدور.
وفي العام الماضي قدمت وكالة جايكا اليابانية ووكالة التعاون الألمانية منح آليات بما يعادل 250 مليون ل.س لشراء آليات وضواغط لحمص واللاذقية كما قدمت وكالة التعاون الألمانية دراسات فنية لادارة النفايات الصلبة.
ويضاف الى ذلك ان البلديات لم تكن لديها سابقاً موارد مالية كافية فتم تقديم الدعم المالي اللازم من الحكومة لتعيين عمال وشراء آليات وهذا بحاجة الى الوقت ووفق برنامج زمني معين.
كما ترافق صدور القانون 49 مع اعداد مخططات استراتيجية لادارة النفايات الصلبة تم وضعه مع شركة تريفالور الفرنسية وبناءً عليه أصبحت هناك دراسات تفصيلية وأضابير تنفيذية ويتم التعاقد تباعاً لإنجاز مطامر صحية ومعامل تحويل النفايات الى سماد عضوي وفرز النفايات بما يسمى مراكز متكاملة لادارة النفايات.
وقد نص المخطط التوجيهي على احداث 40 مطمراً صحياً نفذ منه عشرة مطامر ويتم استكمال الباقي و22 معملاً لمعالجة النفايات و110 محطات نقل وسيطة.
وبالنسبة لجمالية المدن تم اختيار عدة محاور في دمشق، حيث تم تنفيذ 30 محوراً لواجهات المحلات والأبنية ولم تنفذ جميعها بسبب تلكؤ المواطنين.
الدكتور يحيى عويضة خبير بيئي ومدير عام شركة ايفركلين الخاصة بإدارة النفايات يقول:
صدر القانون /49/ وتناول مسألة النظافة العامة وادارة النفايات بشكل كامل وحضاري إلا أن هذا القانون بقي حبراً على ورق لعدم توفر الآليات اللازمة لتنفيذه والتي تتلخص بعدم وجود كوادر فنية مدربة ومؤهلة لتطبيق القانون لدى البلديات في المحافظات، حيث ان ادارة النفايات الصلبة أحيلت الى مديريات الخدمات في المحافظات والتي لا تتوفر لديها كوادر متخصصة في هذا المجال، وهذا يتطلب احداث دوائر نفايات وتعيين كوادر وتدريبها فنياً وقانونياً على أن يكونوا قادرين على تطبيق القانون، اضافة الى عدم التنسيق بين الادارة المحلية والجهة المعنية بتنظيم اعداد الضبوط والمخالفات حسبما هو وارد بالقانون ليكون رادعاً لعدم ارتكاب المخالفات اسوة بباقي القوانين.
وقبل كل ذلك لابد من تنفيذ برامج توعية وارشادية حول القانون للتأكد من تطبيقه بشكل حضاري حفاظاً على بيئة الوطن ومظهره اللائق وتفادياً لتنفيذ مخالفات وضبوط يمكن ألا تحدث في ظل وعي عامة الناس.
السفير نعيم قداح رئيس جمعية حماية البيئة والتنمية المستدامة أشار الى أن قانون المرور أصبح حديث الناس بمناسبة التطبيق الصارم والذي يمثل مظهراً حضارياً ينبغي أن يسود شوارع دمشق.
وما يلفت الانتباه أن قانون النظافة الذي صدر منذ عدة سنوات لا يزال يلاقي الصعوبات في تطبيقه مع أن القانون يتعلق بسلامة الانسان وصحته.
وأضاف: ربما قصرت الجهات المعنية بإيصال القانون للناس وكيفية تطبيقه ولم تستخدم الاعلام كوسيلة فعالة لنشر التوعية اللازمة.
ومن جهة ثانية حتى الجهات غير الحكومية العاملة بالشأن البيئي لم تلعب الدور المنوط بها بتوعية المواطنين وضبط سلوكهم في مجال إلقاء النفايات في الأوقات المحددة وفي أماكنها المخصصة.
اذاً بات السؤال الأكبر من يخرق قانون النظافة ولماذا لم يطبق بالشكل الأمثل؟ لذلك لابد أن تتكاتف الجهود الرسمية مع المنظمات غير الحكومية لتطبيق القانون وتعميمه واقناع المواطن بأهميته، فالتقصير في هذا الصدد يمس اختصاصاً معيناً يسمى التشريع البيئي سواء في أمور النظافة وغيرها وهذا أصبح مادة للدراسة في العديد من الدول ولا ينبغي أن نكون مقصرين، فلدينا الامكانات اللازمة والتشريعات الضامنة فلماذا نعجز عن ايصال القوانين للناس والأهم لماذا لا نطبقها؟.
الخبير الوطني بإدارة النفايات المهندس رياض القابقلي يؤكد ان قانون النظافة قانون وتطبيقه بشكل جيد يحتاج الى تضافر الجهود لإنجاح الخطط اللازمة لتفعيله، وهذا يحتاج الى دعم مالي وتقني من كل الجهات المعنية بالنظافة العامة، اضافة الى تحديث الآليات والمعدات وبناء القدرات الفنية للمهندسين والمشرفين والعاملين في قطاع النظافة، كما من الضروري تفعيل موضوع الضابطة البيئية بعد اخضاعها الى دورات تدريبية ويمكن أن تساعد الجمعيات الأهليةالبيئة ويكون لها دور هام في رفع سوية الوعي البيئي بمسألة النفايات وما يمكن أن ينشأ عنها في حال عدم التعامل السليم مع النفايات والتعريف بأخطارها وضررها على البيئة وعلى صحة الانسان.
القانون صدر بعد طول انتظار، فهل يكفي أن نقول بعد سنوات من صدوره ان لدينا قانوناًَ للنظافة، فماذا فعلنا حتى الآن؟ وماهي آليات التنفيذ وهل تكفي بضعة ضبوط أو حتى عشرات لنقول ان تطبيق القانون بألف خير؟ نعتقد أن نظافة البلد وصحة الانسان تحتاج الى مزيد من الجهود والجدية في تفعيل القانون وليس قتله!!
سناء يعقوب
المصدر: تشرين
التعليقات
THE DIRTY, THE FILTHY AND THE MEAN
إضافة تعليق جديد