الضغط النفسي: أسباب بسيطة وتأثيرات قاتلة
الضغط النفسي هو حالة نفسية وبدنية وشعورية تنتاب البشر جميعا وفي جميع الأعمار، يختبرها الشخص عندما يشعر بوجود خطر او سبب يعرض استقراره، او وجوده المادي، او الاجتماعي، اولمن يرتبط به بعلاقات اسرية او عاطفية، الى التغير، فهو حالة من الانهاك النفسي والبدني والشعوري المستمر نتيجة محاولتنا ضبط اوضاعنا النفسية والبدنية والشعورية في مواجهة التغيرات في محيطنا الخارجي.
يقول هانس سيلي: ان الضغط النفسي هو رد فعل الانسان للتغيرات التي هي جزء من حياته اليومية. ومعنى ذلك هو، عندما يواجهك امر مشكل وتفهمه على انه خطر يهددك او يهدد من ترتبط بهم بعلاقات حميمة، فيحصل عندك رد فعل لا يمكن ابعاده، و يولد رد الفعل هذا اثارا واضحة على اعضاء بدنك وحالتك العقلية، ويختلف رد الفعل " الاستجابة لمسببات الضغط النفسي " من شخص لآخر استنادا الى مدى صحة او اعتلال حالته النفسية والعقلية وخبراته الحياتية.
ويحدث الضغط النفسي نتيجة التفاعل النفسي والفيزيولوجي للاحداث التي تسبب اضطراباً في توازن الشخص فتحدث تغيرات فيزيولوجية تبدأ بتحضير الجهاز السمبثاوي في الجسم وافراز بعض الهرمونات في الدم كالادرينالين والكورتزول وما يسبب اعراضاً جسمانية اولها ازدياد في عدد ضربات القلب وازدياد التنفس وازدياد في جريان الدم الى العضلات وانقباض الاوعية الدموية في الجلد وتوسع البؤبؤين وازدياد في نسبة سكر الدم واضطراب في مناعة الجسم وهبوط في الجهاز الهضمي والتناسلي وهناك ثلاثة اجهزة في الجسم تتفاعل مع الضغط النفسي هي الجهاز العصبي التلقائي ونظام الغدد الصماء والنظام العصبي العضلي وقد يتكيف الجسم للضغط النفسي في حالة الصدمة بظهور اعراض الجهاز السمبثاوي وحالة المقاومة وازدياد باعراض الجهاز الباراسمبثاوي وفي حالة الاعياء يدخل للجسم في هذه الحالة عند استمرار الضغط النفسي وفشل حالة التكييف تجاه الضغط النفسي.
يتعرض الإنسان يومياً الى الضغط النفسي، فهو جزء لا يتجزأ من حياته اليومية، لا بل ان العالم وولف وصف الضغط النفسي بأنه حالة نفسية مستمرة عند الكائن الحي توحي له بعدم امكان تحاشيها.
قد يكون الضغط النفسي ايجابياً، أي أنه يقود الى خلق تغيرات وتحديات تعود بالنفع على صاحبه بحيث تزيد من حسن أدائه وتدفعه الى المزيد من الثقة بنفسه، أو قد يكون سلبياً، فيترك وراءه زوبعة من العوارض والعلامات الجسدية والنفسية والسلوكية، قد تكون عابرة، أو قد تلازم المصاب كظله، معرِّضة اياه لمشاكل صحية واجتماعية.
وتتنوع المصادر التي تؤدي الى الضغط النفسي، فهناك مصادر معروفة يمكن الاستدلال عليها بسهولة، مثل وجود نزاع عائلي، أو مرض، أو حدوث وفاة، أو أزمة مالية، أو أشياء تتعلق بالعمل، أو المناوبات الليلية، أو الطلاق، أو زحمة السير، أو الفشل في تحقيق انجاز ما وغيرها. ولكن لسوء الحظ، هناك مصادر خفية للضغط النفسي، قد تكون مؤذية تماماً مثل المصادر المذكورة إن لم تكن أكثر.
احتلت الضغوط البيئية في الآونة الأخيرة مكانها البارز في أعلى قائمة مسببات الأمراض بشقيها العضوي والنفسي.
فالإحصائيات الأمريكية تؤكد أن حوالي ثمانين في المائة من الأمريكان يعانون من أمراض المسبب الرئيسي لها هذه الضغوط التي تؤثر بشكل سلبي على حياتهم. وكذلك ملايين الدولارات تضيع سنويا بسبب تدني الإنتاجية نسبة لهذه الضغوط.
ومن المؤكد أن الضغوط المزمنة تؤدي إلى المرض النفسي لدى هؤلاء الذين لهم استعدادا وراثيا للمرض كما أنها تبطئ الاستجابة للعلاج.
وحسب التشخيص العالمي المعمول به حاليا فإن ثلاثين في المئة من الحالات المشاهدة في العيادات النفسية لا تعاني من أمراض نفسية محددة، بل تعاني من أعراض نفسية وعضوية مستمرة أو متكررة لها تأثير سلبي على مجرى حياتهم بسبب الضغوط التي يتعرضون لها في حياتهم. أغلب هؤلاء المراجعين يركز فقط على أعراضهم النفسية أو العضوية ولا يربطون بينها والضغوط التي يتعرضون لها وكل اهتمامهم هو تلقي عقار يخفف أو يزيل الأعراض ولا يفعلون أي شيء للتخفيف أو التكيف مع هذه الضغوط.
ونسبة معتبرة من هؤلاء تلجأ من نفسها لاستعمال العقاقير المهدئة أو المنومة وآخرون للمسكرات وبعض العقاقير الضارة بالعقل للتخفيف عن آلامهم وبذلك يخلقون مشكلة جديدة لأنفسهم وهي إساءة استعمال هذه العقاقير.
وقد أعد الباحثان "توماس ولمز" و"رتشارد رايت" قائمة بالأحداث الحياتية التي تشكل مصدرا للضغوط بترتيب تنازلي على حسب شدة الضغط. فنجد في أعلى القائمة وفاة الزوج أو الزوجة أشد وطأة، وبعد ذلك الطلاق والمشاكل الزوجية، والمشاكل المادية والمرض، والمشاكل الجنسية، والبطالة، والنجاح في الحياة والتميز على الغير قد تكون نتيجته مزيدا من الضغوط و يبدو ذلك واضحا لدى أغلبية المهنيين مثل الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال، والمدراء، والسياسيون، والوزراء.
كما أن الاحباطات الكثيرة التي تنتاب الفردعندما تقف العوائق في طريقه تحول دون تحقيق أهدافنا وتشكل نوعا آخر لهذه الضغوط.
و حاول العلماء أن يضعوا مقياسًا لأنواع الضغوط التي يتعرض لها الإنسان وترتيبها حسب شدتها، إلا أن ذلك على ما يبدو لم يكن مجديًا لأن تقييم كل حدث يختلف باختلاف الأشخاص. لكن تبقى هناك علامات بارزة تظهر مدى التعرض للضغط النفسي.
من هذه العلامات علامات نفسية مثلالقلق واضطراب النوم والحزن وعدم القدرة على التركيز أو الغضب وتبدل المزاج بسرعة. وعلامات سلوكية مثلا للتفاعل المبالغ فيه مع الأحداث وكثرة المشاجرات لأتفه الأسباب أو القيام بتصرفات مفاجئة وغير مدروسة أو الانعزال عن الآخرين أو اللجوء إلى الكحول أو المخدرات. وعلامات جسدية مثل التعب العام والصداع وتعرق اليدين، وأعراض مختلفة لا يجد لها الأطباء تفسيرًا معينًا.
أوضحت الدراسات أن الآثار المتراكمة للتوتر النفسي الغير مُعالج تساهم في الإصابة بأمراض مزمنة وخطيرة مثل مرض القلب و ارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان والأمراض الجلدية وغيرها.
و يقول مايكل ايرون، البروفيسور في العلوم النفسية من جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس في هذا الشأن: " إن لم تكن هذه الاثار السلبية كافية، فإن التوتر أيضا يقوم بتنشيط الجينات التي تسبب الأمراض، و يُسرّع عملية الشيخوخة، و يؤدي إلى الإكتئاب".
و تضيف جانيس كيكولت - جلاسر، الأستاذة في العلوم النفسية من جامعة اوهايو، و المتخصصة في مجال التوتر النفسي : " أنا مقتنعة تماما أن آثار التوتر النفسي هي أسوأ بكثير مما كنا نعتقد".
فعلى سبيل المثال، في دراسة أجريت على من يقومون برعاية شركائهم المصابون بالخرف على المدى الطويل ، وجدت كيكولت - جلاسر و زملاؤها أن الاستجابة المناعية لهؤلاء للقاح الانفلونزا متأخرة و ضعيفة عند مقارنتها بمجموعة أخرى تحت السيطرة ممن لا يقدمون الرعاية لشركائهم، و يدل ذلك على أن التوتر النفسي المزمن الذي يعيشون فيه بسبب وضعهم قد أثر على قدرة أجهزتهم المناعية في محاربة الفيروس.
و قد شوهدت نتائج مشابهة على طلبة ما قبل الجامعة ممن يعانون التوتر النفسي ومن مَن لا يعانون منه.
وفي دراسة منفصلة أجريت على النساء الذين يقومون برعاية أزواجهم الذين يعانون من مرض الزهايمر على المدى الطويل، وجد الباحثون أن جروح الجلد في النساء الذين يقومون بالرعاية تأخذ وقت أطول للشفاء بنسبة 24% زيادة عن المجموعة التي تحت السيطرة.
وفي مجموعة مكونة من 394 متطوع تم تلقيحهم بفايروسات مختلفة، ازدادت حدة إصابتهم بالفايروس اعتماداً على نتائج المتطوع في بيان توضيحي للتوتر النفسي، فالذين كانوا يعانون من توتر أكبر مرضوا أكثر.
و قد قالت كيكولت – جلاسر : " بشكل عام، أظهر البالغون الذين يعانون من توتر نفسي مزمن معدلات أعلى من الأمراض السريرية".
ومن المؤكد أن أمراض الشرايين القلبية هي القاتل الأول في العالم الغربي حيث تقف وراء 40٪ من مجموع الوفيات والمرعب في الأبحاث الحديثة أن نسبة حدوثها يتنامى في البلدان النامية. وعوامل الوقاية من هذا المرض كثيرة، ومنها التعامل مع الضغط النفسي وتجنب ما عبر عنه العلماء "بالسلوك من النمط Beuavior type" الذي يتميز بثلاثة مكونات:
سلوك عدواني كرد فعل لأي استفزاز.
الشعور بضيق الوقت في المناضلة لأجل تحقيق إنجاز أكبر في أقل وقت ممكن.
المنافسة المحتدمة مع الآخرين.
ولقد توصلت البحوث إلى أن السلوك العدواني، والشك، وعدم الثقة بالآخرين، وحمل الحقد والاستياء، وكثرة الخصومات، وفورات الغضب المتكررة كلها تؤدي دورًا مهمًا كعامل خطورة لتطور مرض الشرايين القلبية ليس أقل أهمية من السكر وضغط الدم.
والأمر يكاد يتشابه في أثر الضغط النفسي على الإصابة بمرض ارتفاع الضغط الدموي Hypertenssion الذي يعتبر أيضًا من العوامل الرئيسية الخطيرة لأمراض الشرايين القلبية. لكن اهتمامًا أكبر صرف لصفة "كبت الغضب" في المواقف المشحونة، حيث وجد تأثيرها الواضح في الإصابة بمرض ارتفاع الضغط وبتقليلها لفعالية الدواء المخفض للضغط والذي يتناوله المرضى المشخصين أصلاً بمرض ارتفاع ضغط الدم.
هذا بالإضافة إلى أن مرضى ارتفاع الضغط لديهم حساسية أكبر لأي شكل من أشكال الضغوط النفسية مقارنة بمن لم يصابوا بهذا المرض. كما أن عودة ضغط الدم إلى مستوياته الطبيعية بعد زيادة بسبب مشكلة نفسية تأخذ وقتًا أطول مقارنة بأي سبب آخر.
مرض "ارتفاع السكر Diabetes Mellitus" أيضا من الأمراض المزمنة والواسعة الانتشار. والمشكلة الرئيسية لهذا المرض هو الحاجة إلى ضبط سكر الدم في مستويات معينة في سبيل تلافي مضاعفات هائلة لترسب السكر في أعضاء الجسم الداخلية.
يأتي التأثير المدمر للضغط النفسي على مرضى السكر عبر إفراز هرمونات معينة في أثناء الشدة أهمها "الكورتيزول Cortisol" و"الإبينفرين Epinephrine" اللذان يعملان على زيادة سكر الدم، ما يجعل ضبط مستوى السكر في الدم أمرًا في غاية الصعوبة. هذا من جهة ومن جهة أخرى يبتعد المريض تحت تأثير ظروف الشدة النفسية عن نظامه العلاجي المتبع، وخصوصًا الحمية ما يزيد الأمر سوءًا.
شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في علم المناعة النفسي العصبي Psychoneuroimmunology الذي يهتم بتأثير النفس والعقل على مناعة جسم الإنسان ومقاومته للأمراض. هذا العلم بدأ يفاجئنا بإجابات لأسئلة بقيت محيرة لمدة طويلة، كالأسئلة عن سبب الإصابة بالزكام "الإنفلونزا" أكثر مما هو معتاد عليه في فترة ضغط نفسي "كما في الأيام الأخيرة لإنجاز مشروع هام أو في فترة تحضير لامتحان مصيري أو غير ذلك.
وبكلمات مبسطة يشرح العلماء كيف أن الضغط النفسي يؤدي إلى إفراز جملة من العوامل والهرمونات العصبية التي تنتهي إلى زيادة هرمون "الكورتيزول Cortisol" الذي يعرف بتأثيره المثبط للجهاز المناعي. هذا الهرمون هو نفسه الذي يعطى للمرضى عند نقل الأعضاء بهدف منع رفض الجسم لهذا العضو عبر تثبيط الآليات المناعية.
ومع المستويات المرتفعة للكورتيزول يُثبط عمل الخلايا المناعية المقاومة لأي غاز من الخارج كالجراثيم والفيروسات وغيرها وبالتالي يكون المرء الذي يتعرض للضغط النفسي فريسة سهلة لأي إنتان "Infection".
السرطان هو المسبب الثاني بعد أمراض الشرايين القلبية للموت في العالم الغربي ويعتقد العلماء أن الضغط النفسي الشديد والمتطاول قد يؤدي إلى نقص المناعة في مرحلة حرجة من تطور السرطان.
وعلى الرغم من قصور فهمنا لآليات التسرطن "Carcinogenesis" فإن عوامل كثيرة باتت واضحة التأثير على نشوء السرطان أو تدهور الحالة المرضية واستعصائها على العلاج. من تلك الأسباب زيادة حدوث السرطان في العائلة الواحدة. هذا العامل لفت الانتباه إلى دور الجينات كعامل مهم في حدوث السرطان.
لكن البحوث أثبتت فيما بعد تلك الزيادة كانت أيضًا بسبب تشابه نمط الحياة وما يتعرضون له من ضغوط نفسية بين أفراد العائلة. ومن العوامل المهمة أيضًا في مسار المرض هي الدعم النفسي والاجتماعي الذي يتلقاه المريض، حيث أثبتت بعض الدراسات التي أجريت على نساء أصبن بسرطان الثدي وجود علاقة واضحة بين ما تتلقاه المريضة من حب وتطمين من قبل زوج أو أخ أو صديقة وبين مقاومتها للمرض وتحسن استجابتها للعلاج الفيزيائي ومنع حدوث الانتكاسات.
هناك أيضاعلاقة وثيقة بين حدوث الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، والقلق، والخوف. والضغط النفسي الذي يتعرض له المرء "مثل: الطلاق أو فقدان أحد الأحبة أو حتى الانتقال من بيت إلى آخر". وقد رصدت التجارب تأثير الضغط النفسي على الهرمونات التي تؤدي بدورها إلى زيادة القلق أو الاكتئاب أو غير ذلك من الأمراض النفسية.
بالإضافة إلى تأثير الضغط على الأعصاب في الدماغ والتسبب في تقليل كميتها وتشابكها مع بعضها وبالتالي تعرقل من وظائفها كالتفكير والإبداع وغير ذلك.
كما يثير الضغط النفسي طيفًا واسعًا من الآفات الجلدية مثل حب الشباب، والصدفية، والإكزيما، وغيرها. وهذا التأثير يشتد عند من لديهم أهبة لإصابة أو يسيء إصابة حالية. هناك عدة عوامل تتشارك للإصابة بهذه الآفات.
فالعمل إلى ساعة متأخرة، وتناول الأغذية غير الصحية "مثل الوجبات السريعة"، وقلة النوم، والتمارين الرياضية كل هذه الأسباب بالإضافة إلى قلة المناعة "التي تحدثنا عنها آنفًا" تتشارك لإصابة الشخص الذي يتعرض للضغط النفسي بالأمراض الجلدية.
ولا يمكن الحديث بسهولة عن طرق علاج الضغط النفسي وخصوصا حينما يتطور إلى حالة مرضية تتطلب تدخلاً طبيا خاصاً ودوائياً ايضاً.
وعادة ما يُعتبر الإبتعاد عن الاجواء التي تسببت في الضغط النفسي من انجع الوسائل القادرة على التخفيف من حدته وآثاره وهو نفس السبب الذي يدفع بالعديد من الافراد إلى قضاء الإجازات في اماكن بعيدة عن تواجدهم الدائم وخلال فترات طويلة نسبياً وخصوصاً حينما يكون الحديث عن العوامل الارادية وضغط العمل أو زحمة الحياة في مجتمعٍ من المجتمعات.
المصدر: العرب أون لاين
إضافة تعليق جديد