أدونيس... تلفزيونياً
أثارت تصريحات الشاعر أدونيس في كردستان تحفظات لدى بعض المثقفين. ولم يقتصر الاهتمام بما قاله عبر الصحافة المقروءة، بل تعداها الى عدد من البرامج التلفزيونية الثقافية التي تبحث هي الأخرى عن مانشيت: «الحضارة العربية إلى انقراض لأنها تقف في منزلة دنيا بين الحضارات الأخرى».
ليومين متتاليين واصلت فضائية «الدنيا» السورية تمرير تصريحات أدونيس على شريطها الاخباري. والمتابع لحضور أدونيس الإعلامي المرئي والمقروء سيدرك أنه لم يأت بجديد، وتصريحه الأخير جاء ضمن سلسلة تصريحات، لا تعنى فقط بالحديث عن الثقافة العربية، بصفتها ثقافة ميتة، وليست ثقافة تقاوم الموت، بل الخطير، أن هذه الأحكام تؤكد تجاهل ما يحدث في حاضر الثقافة العربية، حيث يبدو أدونيس الشاعر الكبير وكأنه لا يزال يعيش في باريس، وعلى متن الطائرات، غائباً عن واقع الثقافة العربية ولا يتابع أكثر مما ينقله إليه بعض المثقفين الذين يلتقيهم هنا أو هناك.
ومن يتذكر لقاء أدونيس الأخير في برنامج «خليك في البيت» سيتذكر عندما وجه إليه زاهي وهبي سؤالاً عن الروايات التي قرأها وحتى عن رأيه بالشعراء الجدد، فأجاب، أنه لا يقرأ الرواية.
اذاً، هذا اعتراف على التلفزيون بأنه يجهل الرواية العربية الحديثة، فلماذا يثبت أدونيس عند تصريحه المعاد، ولا يتحول عنه؟ ولماذا لا يحاول أن يسأل نفسه: هل حال الثبات الحضاري هذه حال بشرية في ظل السموات المفتوحة؟ ولماذا لا يراجع موقفه ليكتشف، أن ثباته هو قد يكون المشكلة؟
الحديث عن سكونية الثقافة العربية، وأبدية تخلفها، يردده أدونيس أحياناً في المكان الخطأ، والمناسبة الخطأ، فهو قاله في الاحتفال بذكرى إدوارد سعيد المناهض للصورة الثابتة التي يصنعها الغرب عنا، ومع ذلك ليس المكان مهماً بل المنطق، هل نسأل لماذا ماتت ثقافة أنت أحد حراسها؟
على كل حال، ما ينال الثقافة العربية من أدونيس تنال دمشق والثقافة السورية أضعافه؛ ففي إعلان على قناة «المشرق» السورية لبرنامج «أوتوغراف» يظهر أدونيس بجملة، يقول: «دمشق ليست مدينة للابداع. دمشق مدينة ساكنة».
وبصرف النظر عما يحمله هذا الكلام من خلط بين مفهومي السكون السياسي والثقافي، فهل يتابع الشاعر ما يحدث داخل دمشق تحديداً، ويبني حكمه على هذه المتابعة، أم أن هذا ما يتوقعه من مدينة يراها ساكنة؟
أدونيس شاعر كبير، ولا بد من أنه يدرك خطورة ما يقوله، ليس في الصحافة والمؤتمرات بل من خلال لقاءاته التلفزيونية، وقد يكون المطلوب منه كإسم ودور، أن يفعل عكس هذا تماماً. مطلوب أن يعرف الهموم التي يعيش في ظلها المثقفون والمبدعون في دمشق، ومع ذلك يتمسكون ويقاومون بالكتابة والإبداع.
سمر يزبك
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد