كتابات الأتراك: أدب يســكنه زمنــان
يطرح الأدب التركي إشكالية عالمية مرتبطة بالتكيّف مع الحضارة الغربية. لماذا تتوق تركيا الى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي؟ ربما لأنها انقطعت عن العالم الإسلامي، فباتت تبحث عن انتماء جديد. نتج عن هذا الضياع الرائع تحف أدبية مؤثرة تعبّر عن هواجس كل الشعوب التي تسعى الى التأقلم في العالم الغربي.
في هذا السياق، تذكرنا مدينة إسطنبول، التي طغت على الخيال الأدبي التركي، بالعاصمة اللبنانية بيروت، بما أنهما فسحتان للمزيج الثقافي. ويعتبر الأتراك إسطنبول متفوقة على سائر أنحاء بلادهم، كما هي بيروت مقارنةً مع سائر المناطق اللبنانية. بالإضافة الى أن إسطنبول وبيروت تفرضان حضورهما على الخيال الأدبي والفني. إذ أن هذه التعددية الرائعة التي تسكنهما جعلتهما مصدر وحيٍ ومساحة تطرح فيهما التساؤلات الفلسفية. كما أن لاسطنبول علاقة وطيدة مع أوروبا بحكم موقعها الجغرافي، إذ أنها استقبلت أهم الكتاب الأوروبيين في القرون الماضية على غرار نيرفال، غوتيه وفلوبار الذين أثروا بعمق على الشعر والنثر التركي.
على مستوى بلورة الهوية التركية، برزت اسطنبول، تلك المدينة الشرقية والغربية في آن، على أنها مساحة للحوار مع النفس ومع الآخر ومع «النفس - الآخر». في هذه الأجواء الشديدة الارتباك على مستوى تحديد الانتماء، تروي الأديبة التركية أليف شاكاف في «لقيطة إسطنبول» قصة فتاة أرمنية، هاجرت من بلدها الى الولايات المتحدة الأميركية في القرن الحادي والعشرين هرباً من المجازر. ولكنها أرادت أن تكتشف جذورها، لذلك عادت الى إسطنبول وراحت تبحث عن أصولها من خلال الاطلاع على تاريخ بلدها. تجسد هذه الفتاة نموذج الشخصية الأدبية التي تسعى للبحث عن انتمائها المجهول. فهويتها، التي لم تكن تعرفها، بدأت تنكشف تدريجياً من خلال هذه الحبكة القصصية. تبرز هذه الرواية أن الأتراك، إن كانوا من أصول أرمنية أو غيرها، يتشاركون هوية واحدة. وتطرح الرواية مسألة العنف و بلورة الهوية، من دون ان تجد إجابات نهائية لهذه المسألة. بالفعل، تلعب المجازر والحروب دوراً هاماً في تكريس انتماء أو استئصال شعب من جذوره.
بالإضافة الى المضمون، يعكس أسلوب النثر التركي حالة مجتمعه المتعدد. فغالباً ما ينفتح هذا الأدب على الاحتمالات المختلفة، فيعبّر التشتّت في تطورات الرواية وشكلها بعمق عن لسان حال كل من لم يحدّد لهويته إطارا نهائيا. ويبرز هذا التفاعل بين شكل الرواية وأسلوب كتابتها من جهة، وديناميكية الهوية التركية من جهة أخرى في كتابات الروائي أورهان باموك الحائز على جائزة نوبل للأدب 2006. تناول هذا الكاتب، الذي ترجمت أعماله الأدبية الى أكثر من خمسين لغة، أجمل المدن التركية بأسلوب رائع في عمله الأدبي المميز «إسطنبول، ذكريات مدينة». تفتقد هذه الرواية الى الحبكة القصصية وإلى تحديد الشخصيات، وتأخذ شكل مونولج طويل. في هذا العمل الأدبي، يختلط الروائي مع الشخصية الأساسية، وكلاهما أورهان باموك الكاتب. تعبّر هذه التعددية الشكلية عن تفكك على مستوى الهوية. كما أننا نشهد في هذه الرواية على عودة بالزمن الى حقبات من الماضي البعيد، فتحولت مدينة إسطنبول الى مشهد عام يتداخل مع حركة الشخصيات. إسطنبول ليست مدينة، بل حالة نفسية. لا يهدف أورهان بارموك الى وصف مشهدها العام، بل الى استنهاض ماضٍ، ذكريات وخيال مرتبط بهذه المدينة وبانفتاحها الذي لم يدمّر جذورها الأصلية بشكل كامل. فتبرز ازدواجية إسطنبول التي تتحول الى عالمين موازيين تتبلور فيهما شخصيتا أورهان باموك. فتتواجه إسطنبول الماضي، مركز السلطنة العثمانية، مع إسطنبول الحاضر، التي تتوق الى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. تفتقد هذه الرواية الى التسلسل الزمني، إذ أن هوية إسطنبول تتبلور ضمن رحلة عبر القرون. هي ليست إسطنبول البارحة، وليست إسطنبول اليوم، بل هي المدينة التي يجري فيها الزمن بشكل فريد، الزمن المنفتح على كل اللحظات التاريخية. بالنسبة لباموك، يعيش بعض سكان هذه المدينة الغنية بتعدديتها على مستوى الهوية هذه الحالة على أنها انفصام في الشخصية ومصدر معاناة. إذ ان اكتساب ثقافة الآخر لا يلغي الثقافة الأصلية، بل يشكل طبقتين مزدوجتين قد تتآلفان بشكل متناغم، أو تتحولان الى هوية بركانية. تعبّر هذه الهوية عن حالة الغيظ والغضب المكبوت، فتصبح مثل بركان على وشك الانفجار في أية لحظة.
يبرز تناقض سكان مدينة إسطنبول على المستوى السياسي من خلال الأمل بالحصول على الديموقراطية من ناحية، ورفضها من ناحية أخرى. فأورهان باموك يعتبر هذه المدينة مختبراً يتطور فيه مفهوم الديموقراطية في الشرق. وبالفعل، إسطنبول مدينة إسلامية بكل معنى الكلمة، لذلك يشكل الأدب التركي لسان حال الشعوب العربية والإسلامية الذين يهدفون الى التكيّف مع الغرب. ولكن هذه المدينة التركية تجردت من الموقف السياسي الذي يشكل حاجزاً بين الشعوب العربية والغرب، فباتت حالة متقدمة في العالم الإسلامي، ولكنها ليست قط في موقع مدينة الآخر بنظر معظم الشباب العربي والإسلامي.
يقول أورهان باموك بكل بساطة: «إسنطبول مدينتي هي جزء من أوروبا، لأن فريق كرة القدم المفضل لدي غالاتاساراي يشارك في بطولة أوروبا». لماذا يتوق هذا الكاتب الى تثبيت انتمائه الغربي؟ تعرّض باموك لتهديدات متكررة بالقتل من قبل القوميين المتطرفين عام 2005، ليس فقط لما يرد في رواياته إنما لما يقوله في المقابلات. ربما لذلك تشبّث بالهوية الغربية بهذا الشكل وانتقل للعيش في نيويورك عام 2007. وهو يضيف أن مسألة دمج تركيا بالاتحاد الأوروبي تطرح عدة تساؤلات: ما هي الثقافة الأوروبية؟ هل هي دين؟ تاريخ؟ حغرافيا؟ أو هي شيء آخر؟ في هذا السياق، يجري في رواية أورهان باموك «إسمي أحمر» Mon Nom est Rouge، الحائزة على جائزة «أفضل كتاب أجنبي 2002» Prix duMeilleurLivreEtranger 2002 حوار بين مفهوم الفن في الغرب والشرق. وبالفعل، قد يؤدي الاختلاف في العلاقة مع الفن الى خلق هوّة ثقافية عميقة. إذ أن الفن، بعكس الجغرافيا والتاريخ، يشكل جزءا من الحياة اليومية. يمكن للمرء أن يراه ويلمسه، أو حتى يشارك في إنتاجه. يطرح باموك هذه الإشكالية ضمن قصة خيالية. شتاء 1591، إسطنبول غارقة في الثلج. تكلمنا جثّة من أسفل البئر الذي رميت فيه، و تقول إنها تعرف قاتليها، كما أنها تعرف السبب الذي قتلت من أجله. هذه الجثة كانت جسد الفنان السيد ديليكا، الذي يدافع عن الرسم العثماني التقليدي، وهو ينتمي الى مجموعة من رسامي الصور المنمنمة تولوا مهمة الرسم حسب الأسلوب الإيطالي. وبالفعل، بدأ تأثير فن مدينة فانيز، يفرض نفسه آنذاك في محترفات السلطان. فأتى مقتل السيد داليكا كجزء من مؤامرة ضد الفن العثماني، وثقافته وتقاليده. يبرز في هذه الرواية، ذات الطابع الفلسفي، تضارب بين الجديد والقديم، نلحظ فيها ذكرا للقرون الماضية الحاضرة بشدة في خيال الأدب التركي: «في ما مضى، أي منذ مئة سنة، لم يكن الرسم الأوروبي مصدر تهديد، إلا إذا ذكرنا بعض السلاطين العثمانيين الذين جرّهم شغفهم المميز والعابر نحو الفنون الغربية، وكان آنذاك إيمان فنانينا بأصول فنّهم الخاصة راسخاً، جذوره صلبة كجذور الإسلام». في سياق هذه الحبكة البوليسية، تبرز المواجهة بين الثقافتين من خلال أسلوب تعدّد الأصوات الروائية (polyphonie). تقول إحدى شخصيات الرواية: «يجب ألا ننسى أنه في القرآن وُصف الإله الموقّر بالنحّات. خلق الله، و وجد ما هو غير موجود، نفخ الحياة في الكائنات؛ وما من قدرة أحد على منافسته. إن محاولة الفنانين على القيام بما أنجزه، وعلى أن يصبحوا خلاقين بدورهم، هي احدى أكبر الخطايا». فتجيبه شخصية أخرى: «لقد صورنا في آخر الرسومات وجه أحد الفنانين، المرسومة حسب القوانين الغربية، التي تبرز حقيقة الوجه وليس صورةً عنه، لكي تحفّز هذه التحفة الفنية كل من يتأملها على السجود كما لو أنه في كنيسة». تبرز هذه الرواية الفرق بين الفن المسيحي الذي يسمح برسم الوجه على حقيقته، والفن الإسلامي الذي يعتبر أن الخلق هو محصور بالله، وعلى الفنان ألا ينافسه في هذا المجال. إذاً، كانت تركيا ولا تزال تعتبر الثقافة الدينية نقطة اختلاف هامة بينها وبين المجتمع الأوروبي. وهذا الموضوع مطروح بقوة في سياق الجدالات المتعلقة بدمج تركيا في الاتحاد الأوروبي. تبلغ نسبة المسلمين في تركيا 95% مما قد يشكل تهديدا بالنسبة للأوروبيين. إنما بالنسبة لمؤيدي دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي، فهذا الدمج يشكل مصدر غنى ثقافي للقارة، ويخفف من حدّة ما يوصف بصدام الحضارات. إن هذا التقييم المبني على أسس دينية جعل رئيس مجلس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يتهم الاتحاد الأوروبي بكونه «نادياً مسيحياً». على المستوى الثقافي، الأوروبيون حذرون إزاء السماح بالحجاب في تركيا، بما أن ذلك يشكك باستمرارية ثوابت فكر ونهج محمد كمال أتاتورك. في هذا السياق، يتناول «تاريخ تركيا المعاصر» الذي وضعه حميد بوسلان هذه الشخصية التركية البارزة. لا يرى هذا الكاتب في العالم الإسلامي سوى عالم مرتبط بـ «الظلمات»، ويرى أن تجربة أتاتورك هي الحركة الوحيدة للتحديث والعلمنة فيه، يحاول أن يقدّم قراءة جديدة ومختلفة، وهي قراءة تدخل في تفاصيل تاريخ تركيا المعاصر المصاب بالرضوض، يتناول فيها الأرمن، الأكراد، العَلَويين والجماعات الإثنية في الأناضول.
لغة أتاتورك
على المستوى الثقافي، كرّس فكر أتاتورك فصل تركيا عن بعدها العربي والإسلامي من خلال الإصلاحات اللغوية التي وضعت سنة 1928. فقد تم تجريد الألفباء التركية من الحروف العربية، وأضيفت عليها عناصر جديدة. في سياق هذا التحطيم اللغوي الذي يهدف الى خلق بعد ثقافي جديد، برزت أبيات ناظم حكمت: «تراك، تيكي تاك/ أريد أن أُمكنن نفسي بشكل غير منظم». ينخرط هذا الشاعر في سياق التيار الأدبي «غريب» الذي ضمّ عددا كبيرا من الشعراء مثل أورهان فالي كانيك، أوكتاي رفعت وماليح كافديت أنداي، الذين تأثرت كتاباتهم بالتيار السوريالي. عبّر «غريب» عن ردة فعل ضد أشكال الشعر في القرن التاسع عشر، وهو يرفض الصور المجازية ويميل نحو التعبير عن المشاكل الاجتماعية في هذا البلد النامي. استخدم هذا التيار الشعري اللغة العامية، واستنهض أشكال الكتابة التقليدية بهدف تحديثها. نلحظ في كتابات أورهان فالي كانيك بعداً فلسفياً وسياسياً. ففي قصيدته «نحو الحرية»، هو يدعو المواطن التركي الى طي صفحة الماضي والتوجه نحو أفق جديد من خلال التمازج مع العناصر الطبيعية وأجزاء السفينة التي تنقله في البحار الى مساحات جديدة: «إنسَ من ينتظرك هناك/ ألا ترى: الحرية تحيط بك/ كن البحار، كن المجذاف، كن دفة قيادة السفينة، كن السمكة، كن المياه/ وارحل، ارحل الى حيث تستطيع الذهاب». يعبّر الشاعر ماليح كافديت أنداي، بأسلوب اقل رمزيةً، عن نفس هذه الرؤية في قصيدة «المستقبل»: «نحن أسلاف الإنسان... رجل المستقبل السعيد». كما نذكر في هذا السياق قصائد أوكتاي رفعت الذي يدين التقهقر والعودة الى الوراء بعبارات قاسية: «أن تتخلف، وتدفن في كهف الأديان/ يداك على خاصرتك، أنت جائع وتجري بعكس التيار/ بعكس الآخرين».
كما نلمس هذا الطوق نحو التحرر من الأفكار والمشاهد القديمة في كتابات ساييت فاييك. عاش هذا الكاتب بتنقل مستمر من مدينة الى أخرى حتى بلغ إسطنبول، حيث أتم دراسته الثانوية ليذهب لاحقاً الى فرنسا، حيث عاش الحياة الغجرية التي أثرت بعمق على شخصيته وفنه. وهو يعبّر في أعماله الأدبية «المرأة الأولى» La Première Femmeعن رغبة في التخلص من وطأة ذلك البناء القديم الحاضر في خياله الأدبي: «تابع طريقه من دون أن يرفع رأسه ليرى البنايات المبنية في القرن الماضي وشرفاتها البارزة». كان لهذا الشاعر، الشديد الانفتاح على العالم، تأثير هام على الأدب التركي. فقد أبدع في وصف مدينة اسطنبول، ذات الطابع العالمي. وهو يتغنى بالحرية في القصيدة التالية: «تحرّرت من كل القيود، وتوجهت مستسلماً بالكامل نحو الملذات، التي كانت تسكن خيالي، وهي شبه حقيقية، وشبه وهمية». في إطار هذه القصائد، تتفوق جمالية الطوق الى الحرية من خلال التفاعل مع المشهد العام والعناصر الطبيعية على أساليب التعبير المباشر والإدانات. إذ أن الأدب يخلق شاعرية سلسة توحي برفض ثائر يتمازج مع صور رائعة تؤثر بالقارئ بعمق. نلحظ إذاً ان معظم الكتابات التركية النثرية والشعرية تحفّز المواطن على الرغبة بالانتماء الى العالم الغربي، إذ أنها تغذي أحلام الحرية وتصوّر التطور على أنه وسيلة لبلوغ السعادة.
الرواية الاجتماعية
على هذا المستوى، برز ياسر كمال، وهو من أهم الكتاب الأتراك، الذين يستمدون وحيهم من معاناة الناس. نجح هذا الروائي الذي ترشح على جائزة نوبل للأدب بإنتاج صورة روائية اجتماعية متكاملة. إن حركة التفاعل بين القديم والجديد، التي برع بتجسيدها، قد تتجاوز المجتمع التركي وتعبّر بعمق عن ديناميكية شعوب أخرى. يظهر الميل نحو التجديد على مستوى العادات والتقاليد والرؤية الجماعية في رواية «أسياد الأكسازاف»Les Seigneurs de l’Akcasav لياشر كمال، حيث ديرفيش بك، الشخصية الأساسية، يعيش مرحلة انتقالية تغيّرت خلالها كل القيم، فشعر أن «الأرض انزلقت تحت رجليه». تتجزأ حركة هذه الرواية على مجلدين. تجري أحداث المجلد الأول في سهل الكوكوافا، وهي أرض الكاتب الأم، حيث تفرض عائلتان إقطاعيتان سلطتهما. في هذا العالم الدموي والعنيف، تتمحور حركة الشخصيات حول موضوع الأخذ بالثأر. في هذا الوقت، تصاعدت طبقة جديدة من الأغاوات ذات المآرب الاقتصادية. إنما هي طبقة يعمّها الفساد والجشع. في المجلد الثاني، ينشغل العالم الإقطاعي بعملية الأخذ بالثأر المرتبطة بشرف العائلة، بينما تتّسع رقعة نفوذ الطبقة الجديدة. في نهاية الرواية، يشارف المجتمع الإقطاعي التقليدي على نهايته. فبعد جفاف مستنقعات الأكسازاف، اختفى عالم مليء بالنباتات، الحشرات، والطيور يصفه الكاتب بشاعرية وجدانية، فحلّت محله الأراضي الخصبة والمزارع الرأسمالية الكبيرة التي أسّستها الأجيال الجديدة. لذلك، قال ياسر كمال: «أعتبر نفسي بكل سرور أنني شاهد على مرحلة انتقالية تعايش فيها القديم والجديد مع كل المشاكل التي تنطوي عليها». لم يتّخد هذا الكاتب موقفاً محدّداً ولم يسمح لنفسه بتقييم حركة المجتمع وتوجهه الثقافي، بل اكتفى بسرد الرواية من وجهة نظر أنتروبولوجية تترافق مع صور أدبية رائعة.على الرغم من أسلوبه الحيادي نوعاً ما، عبّر هذا الكاتب عن رغبة الشعب التركي بالتطور والانخراط في النظام العالمي الاقتصادي. في هذا السياق، نذكر الإصلاحات الديموقراطية التي قامت بها أنقره منذ سنة 2001، وهي ترتبط بعقوبة الاعدام، الاعتراف بالهوية الكردية، تخفيض امتيازات الجيش الدستورية، الاعتراف بالهوية الكردية وإعادة النظر بالمجازر بحق الأرمن. برهنت تركيا عن استعدادها لاعتماد المعايير الأوروبية في سياستيها الداخلية. في هذا السياق، يدعو معظم المثقفين الأتراك الدولة الى إعادة النظر بهذه المواضيع ومواجهة ماضيها كي تتمكن من الدخول الى الاتحاد الأوروبي. هل ستتمكن تركيا من مواجهة هذا الماضي؟ هذه الإشكالية موجودة في الأدب التركي، إذ أن هذه الكتابات النثرية والأشعار تعبّر عن حضور قوي لماضٍ لم يضمحل بعد بشكل كامل. وهذا الماضي هو مجتمع، فن، بناء، لغة، أسلوب للتفاعل مع المواضيع السياسية. إذاً، هو نظرة متكاملة، هوية. وأهم ما يلفت نظرنا في هذا الأدب هو الجثة التي تتكلم في رواية باموك «إسمي أحمر». هل بات هذا الكاتب يعتبر ثقافة بلاده الأصلية جثة ناطقة...؟
منيرة أبي زيد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد