الجمعيات الأهلية : جهود خيرة تهدرها الفوضى

03-08-2006

الجمعيات الأهلية : جهود خيرة تهدرها الفوضى

الجمل ـ المعتز بالله حسن: رن الهاتف من جديد كأن به مسّــاً من الجنون، وكعادة طاقمنا المؤلف من عدد من المتطوعين هرعنا لإجابته ،علـّـنا نلبي نداء عائلة لبنانية تحتاج المأوى .. أو نستقبل عرضاً من عائلة سورية أبت إلا أن تشاطر منزلها مع شقيقة لها هاربة من براثن عدو مجرم، عدوٌ ارتضى قصف البيوت وقتل الأطفال.
المتحدث هذه المرة كان من إحدى الجمعيات الأهلية المشاركة في عمليات إغاثة الأخوة اللاجئين،اتصل مستفسراً عن حالنا وعارضا ً توحيد الجهود للوصول إلى أفضل أداء.
 
على مدى الأيام السابقة لم يفاجئنا كرم شعبنا وشهامته، ولكن ما لفت نظرنا في هذا الأمر كان في غياب التنسيق للجهود المعروضة ،و اليوم ومع تحول البلد بأكمله ( وزاراته وجمعياته الأهلية وأفراده)  إلى خلية عمل بدأ السؤال جديد يلح وهو: بغض النظر عن التعليمات الموجهة من الوزارات إلى الهيئات التابعة لها،هل نسقت الجمعيات الأهلية مع بعضها أم أن كل شيء سار كما يقال (على حب الله) والأهم من ذلك هل كانت هناك أي خطة مدروسة للاستمرار؟

من الحدود

عند الحدود اللبنانية السورية قابلنا إبراهيم الذي يملك شركة تجارية صغيرة جاء بسيارته المحملة بالمواد الغذائية والمياه الباردة مرددا ً عبارة (الحمد لله على السلامة ) معطيا ً ما فيه النصيب لكل سيارة لبنانية واصلة. أجاب ابراهيم على سؤالنا حول انتماءه إلى هيئة أو جمعية ما قائلاً: انه لا ينتمي إلى أي جمعية أهلية أو هيئة .. لكنه يلبي شعورا ً داخله بوجوب فعل شيء ..  تحولت نظراتنا عن ابراهيم لتلحق بسيارة لبنانية توقفت عند عربة الهلال الأحمر العربي السوري، وبعد أن قدم أفراده ما يلزم من معونة طبية،اختطفنا دقائق من وقت أحد المتطوعين (أحمد القادري) الذي أكد لنا ان مهمتهم لا تنحصر بمجرد تقديم الدعم الطبي بل تتعداها إلى تقديم الدعم النفسي حتى يشعر الأخوة اللبنانيون أنهم في بلدهم، وعند سؤالنا عن وجود أي تنسيق بين منظمته  ومنظمات أهلية أخرى أكد أحمد أن كل ما يقدم من مأوى وطعام وشراب هو من الهلال الأحمر.

كل شيء

منذ بدء الأزمة  أعلن شبه حالة استنفار عامة وخصوصا ً الجمعيات الخيرية التي عملت بطاقاتها الكاملة لإعداد أماكن لاستقبال النازحين، ولم تبخل لا بطعام ولا بشراب ولا حتى لباس.  إحدى شركتي الاتصال الخليوي وضعت عربة اتصالات مجانية على الحدود لتؤمن الاتصال بلبنان أو سوريا للواصلين ليطمئنوا على باقي عائلاتهم ويطمئنوهم.مؤسسة كبيرة على الحدود فتحت جميع المرافق التابعة لها لتستقبل العائلات، وزارات عدة وضعت باصات مجانية بين الحدود  ودمشق وريفها. الكل لم يبخل والكل لم يتأخر لا أفراد ولا هيئات ولا حكومة... لكن ترى إلى  يمكن أن يستمر هذا الحماس؟

السيدة إيمان راضي الهويدي من جمعية الشباب الخيرية تقول أن جمعيتها استقبلت اللاجئين في مدرستي المتنبي والبحتري، حيث وصل عدد اللبنانيين في المدرستين المذكورتين إلى 1200 شخص مع طعامهم وشرابهم وطبابتهم, ولدى سؤالنا عن مدى إمكانية الاستمرار في هذا الأمر أجابت أن جمعيتها ستستمر طالما استمر أهل الخير.
الشاب حازم يونس من مجموعة (شبابنا ) قال أنهم رغم عدم انتهائهم من مسألة الترخيص لجمعيتهم إلا انهم لم يستطيعوا البقاء دون فعل شيء فكونوا لجانا من المتطوعين واستقبلوا العائلات في مدارس الحي موفرين كل شيء أيضاً .
ويضيف أن الدعم الشعبي غير الرسمي سطر أجمل آيات التضامن والتعاضد ذاكرا ً أن رجلا  فقيرا ً دخل إلى إحدى المدارس التي يشرفون عليها عارضا إرضاع زوجته لأحد الأطفال طالما أنه لا يستطيع أن يقدم شيئا ً ماديا ً. ولعل الشاب حازم هو أول شخص قابلناه يدرك أهمية المشكلة التي قد تحدث إذا لم يكن هناك نوع من التنسيق العام في هذا الشأن, حيث قال معقبا ً أن " الناس متحمسة لعمل شيء وأهل الخير كثر ولكن، ماذا لو استمرت الأزمة فترة طويلة من الزمن .. هل نستطيع ضمان استمرار هذا الحماس؟.. لا أقول أن الناس ستقصر لا سمح الله ولكن يجب أن يكون هناك نوع من آلية العمل وخطط للاستمرار".

فوضى

أثناء جولتنا على العديد من المراكز والجمعيات بدا لنا خلل واضح في توزع التبرعات، مراكز تجمّــع فيها الأكل بشكل كبير لدرجة أنه فسد أحيانا بعد عدم القدرة على توزيعه مباشرة ومراكز عندها سكن كثير ونقص في الغذاء.. والدواء أيضا ً لم يوزع بشكل جيد، يقول أحد الصحفيين  انه أثناء محاولة أرشفة ما يحدث في هذه الأيام زار بعض المستوصفات التي فتحت أبوابها للأخوة اللبنانيين مجاناً , وتبين في بعضها أن مخزونه من الأدوية قد انتهى والسبب كان أن المريض الذي احتاج مثلا ً إلى حبة من مسكن الألم ( وجع الرأس) كان يعطى علبة تحوي عشرون حبة ناهيك عمن احتاج إبرة من دواء ما وأعطي علبة كاملة أو من احتاج فعلا ً إلى علبة من دواء وأعطي اثنتين احتياطا ً وكل ذلك من دون تسجيل بطاقات صحية على الأقل، خاصة وأن العديد من الأخوة اللبنانيين دخلوا دون بطاقات شخصية نتيجة القصف الوحشي.

كريمٌ ولئـيم

خلال إحدى الزيارات التي قمنا بها لبعض الجمعيات الأهلية كان أحد المتبرعين يعطي مبلغ خمسين ألف ليرة سورية لأحد اللجان وعندما أجابوه بأنهم يقبلون المساعدات العينية فقط طالبين منه تحويلها إلى لجنة أخرى رفض بشدة قائلا ً أنه لا يثق بهؤلاء فهو لا يعرفهم وإذا لم تأخذ هذه اللجنة المال فسيغير رأيه ويصرف النظر عن التبرع!! .

رجل آخر أحضر لإحدى الجمعيات طعاما ً يكفي لعدد كبير من العائلات  فطلب منه المتطوعون وبسبب فائض الطعام الذي لديهم  تحويل تبرعه إلى جمعية أخرى أعطي اسمها فكان جوابه أنه لا يتعامل مع (هؤلاء) ولا يحبهم ويرفض التعامل إلا مع هذه الجمعية ( على مبدأ لكل امرئ شيخه).!!
  
مثالان يعتبران غيض من فيض على قلة التنسيق والهدر في الوقت الذي تعمل فيه آلة العدو الوحشية  على تكبيد لبنان مزيد من الخسائر ويدفع نحو تطويل زمن الأزمة ، ومن الأولويات الملحة الآن تدارك الفوضى الحاصلة جراء الحماس الزائد وغياب التنسيق ، تداركاً لحصول أي أزمة تلوح  في الأفق القريب، ويمكن الاستفادة من تجربة بعض الجمعيات "حفظ النعمة"  التي تقوم بجمع فائض الطعام  وتعيد توزيعه بشكل متناسب. ولا يبدو ذلك بالأمر الصعب بما أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل شكلت اتحاداً للجمعيات الخيرية، وظيفته مراقبة وإدارة وتوزيع المساعدات على النقاط حسب حاجاتها. وهو اتحاد رائع لو لم يكن ينقصه وضع  خطة  لتنسيق وترشيد الجهود كي لا تذهب أدارج الفوضى

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...