ما هو مخطط مشروع القرن الأمريكي الجديد
الجمل: يركز مشروع القرن الأمريكي الجديد (PNAC)، على التطبيق الكامل والحرفي لمخطط النموذج الاستراتيجي القائم على هيكلة النظام الدولي المعاصر، على أساس اعتبارات نظام القطبية الواحد (unipolar system)، والجدير ذكره أن حقبة تسعينيات القرن الماضي خلال فترة إدارة الرئيس كلنتون كان المشروع نفسه مطروحاً، ولكن على أساس اعتبارات عملية العولمة، وذلك عن طريق توحيد الأسواق العالمية، واستخدام آليات القروض والمساعدات والتجارة ونقل التكنولوجيا من أجل تحقيق المزيد من انفتاح الاقتصاديات الإقليمية والمحلية، وذلك بما يحقق عملية التدويل الاقتصادي بحيث تتربع أمريكا على القمة كقوة اقتصادية، عسكرية، سياسية. وبعد تولي الرئيس جورج بوش للإدارة الأمريكية، لم يتغير هدف الهيمنة والسيطرة على العالم، وإنما قام بتغيير الوسيلة، ومن ثم، بدلاً من الاعتماد على الوسائل الاقتصادية كآلية للهيمنة والسيطرة، قامت الإدارة الأمريكية باعتماد الوسائل العسكرية الحربية، لتحقيق ذلك، بحيث أصبحت القاذفات والصواريخ والقواعد الأمريكية هي الوسيلة الرئيسة لإخضاع شعوب وحكومات العالم للهيمنة الأمريكية.
مخطط مشروع القرن الأمريكي الجديد، الذي وصفه المحافظون الجدد تحت عنوان: بناء الدفاعات الأمريكية (Reduilding Americas Detence) يغطي كل أنحاء العالم، بحيث يفرد لكل إقليم على الكرة الأرضية مخططاً فرعياً خاصاً به. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فقد تم دمجها مع منطقتي الشرق الأدنى وآسيا الوسطى، وذلك لا على أساس الاعتبارات السياسية.. وإنما على أساس الاعتبارات الـ(جيولوجية)، بسبب تمركز مخزونات النفط العالمي فيها، ولتحقيق ذلك قامت الإدارة الأمريكية بإجراء بعض التعديلات في أجهزتها التشريعية والتنفيذية بما يلائم (وحدة الهدف).. فأصبحت كل لجان الشرق الأوسط في مجلس النواب والشيوخ ووزارة الخارجية والبنتاغون تغطي اختصاصاتها وأجندة عملها كل المنطقة الممتدة من موريتانيا وحتى طاجيكستان وقيرغيزستان.
النظرة الكلية لخارطة هذه المنطقة، على خلفية الأداء السلوكي الأمريكي تؤكد هذا التوجه، ويمكن عرض أبرز المعالم والمؤشرات التي توضح معالم السلوك الأمريكي على النحو الآتي:
• عسكرياً: تم تعميم صلاحيات القيادة الوسطى الأمريكية بحيث تغطي جملة واحدة كل المنطقة التي تضم الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، والقرن الأفريقي.. كذلك تم نشر عدد كبير من القواعد الأمريكية في هذه المنطقة بتركيز خاص على البلدان النفطية.
المخططات العسكرية للقيادة الوسطى أصبحت تركز على تأمين منابع النفط، إضافة إلى استهداف الدول التي تعارض أمريكا في هذه المنطقة، وقد أنجزت القيادة الوسطى الأمريكية عملية غزو واحتلال أفغانستان والعراق، وحالياً تنشط من أجل استهداف إيران.
• سياسياً: تقوم الإدارة الأمريكية بحملة دولية ضد الدول والحكومات المعارضة للهيمنة الأمريكية في هذه المنطقة باعتبارها راعية للإرهاب، ويتركز الهجوم السياسي الأمريكي حالياً ضد سورية، إيران، وتركمانستان.. كذلك تقوم الإدارة الأمريكية بتصنيف الحركات السياسية المعارضة لأمريكا في هذه المنطقة باعتبارها حركات إرهابية
• اقتصادياً: تعمل الإدارة الأمريكية باتجاه عملية فرض منظومة من العقوبات الاقتصادية ضد الدول والحركات السياسية المعارضة لها، وذلك لإضعافها وتقويض استقرارها الاقتصادي بما يؤدي لخلق الاضطرابات السياسية فيها، وبالتالي يسهل القضاء عليها، تماماً مثلما فعلت مع نظام صدام حسين حيث أرهقته بعقوبات اقتصادية استمرت طوال عشر سنوات، ثم أجهزت عليه في النهاية.
في منطقة شرق المتوسط، يهدف المخطط إلى البدء بالسيطرة التامة والكاملة على هذه المنطقة باعتبارها تمثل الـ(نواة). وذلك باستخدام إسرائيل لكي تقوم عن طريق جيشها (الجيش الإسرائيلي مصنف باعتباره خامس أقوى جيش في العالم) بترويض منطقة شرق المتوسط وفقاً للمخطط.
اختيار إسرائيل للقيام بهذه المهمة لم يكن صدفة، بل هناك معطيات تشير إلى أن المخطط الأمريكي يتطابق ويتقاطع مع المخطط الإسرائيلي.. وهو أمر لم يتم بالمصادفة أيضاً، فالذين وضعوا مخطط مشروع القرن الأمريكي الجديد من المحافظين الجدد ذوي الولاء المزدوج (اليهودي- الأمريكي) ركزوا على تحقيق الانسجام التام بين المشروعين الإسرائيلي والأمريكي/ وذلك حتى يكونا شيئاً واحداً.
حلقات المخطط الإسرائيلي- الأمريكي واضحة، وتركز على استهداف سوريا وإيران، بعد أن تم وضع العراق تحت الاحتلال، وذلك بحيث تكتمل المنظومة، ويتم (تطويب) كامل المنطقة التي تشمل سورية وإيران والجزيرة العربية وأذربيجان، باسم الولايات المتحدة الأمريكية، وتصبح إسرائيل الوكيل المعتمد أمريكياً للقيام بعملية الإشراف والإدارة على شؤون هذه المنطقة.
بدأ تنفيذ مخطط المحافظين بلبنان، باعتباره الحلقة الأضعف، بحيث يتقدم الجيش الإسرائيلي ويحتل لبنان كخطوة أولى، تتم بعدها مهاجمة إيران وسورية، بحيث يصبح الطريق سالكاً أمام راكب السيارة من تل أبيب إلى بيروت إلى بغداد إلى طهران، ثم باكو على ضفاف بحر قزوين.
بدأ الأمريكيون واثقون من قدرة الوكيل الإسرائيلي في القيام بالمهمة، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقدته كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، أجابت على سؤال وجه لها عن المبادرات التي تعتزم طرحها من أجل إحلال السلام قائلة: «ليس لدي اهتمام بالدبلوماسية من أجل إعادة لبنان وإسرائيل إلى الوضع السابق، وأعتقد أن مثل هذا سيكون خطأ، وما نراه هنا، بمعنى من المعاني، هو تطور الولادة العسيرة لشرق أوسط جديد، وأياً كان ما نقوم به، يجب أن نكون على يقين من أننا ندفع باتجاه شرق أوسط لا يؤدي إلى القديم..».
إعادة قراءة حديث كوندوليزا رايس هذا تقول بوضوح: إن ما حدث في لبنان ليس له علاقة باستعادة الجنديين، بل يهدف إلى تطبيق أطروحات الفيلسوف السياسي اليهودي ليوشتراوس، القائلة بضرورة التآمر وشن الحرب العدوانية، وسفك المزيد من الدماء، وصولاً إلى الفوضى الخلاقة’ بحيث يتم الترتيب بالشكل الجديد الذي يحقق السيطرة والهيمنة والابتزاز.
ما شاهدناه خلال الأسابيع الأربعة الماضية، على خلفية الأطروحة الاشتراوسية، يقول: حاولت إسرائيل إغراق اللبنانيين وبقية منطقة شرق المتوسط في بحر من الدماء، وصولاً إلى حالة الفوضى الخلاقة، التي تتيح لها إعادة ترتيب منطقة شرق المتوسط على مستويين:
- جيوستراتيجياً: بحيث تصبح منطقة عسكرية واحدة، تخضع بالكامل لهيئة أركان إسرائيلية- أمريكية مشتركة.
- جيوبوليتيكياً: بناء منظومة مترابطة من شبكات المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تعمل بشكل منتظم وفقاً لإيقاع مشروع الهيمنة الأمريكية الشاملة، بحيث يتم تمديد أنابيب النفط العابرة للحدود والتي تجمع في إسرائيل، ويقوم الجيش الإسرائيلي_ الأمريكي بعمليات مشتركة من أجل حماية خطوط الأنابيب، وتقوم الجيوش المحلية العميلة التي يتم تكوينها في المنطقة بإشراف الخبراء الإسرائيليين والأمريكيين، بالمساعدة في أعمال الحماية. كذلك تقوم الأنظمة العميلة التي يتم تنصيبها بدور مساعد في عملية كسر الإرادة الوطنية لشعوب هذه المنطقة.
- تجربة غزو واحتلال العراق، وتنصيب حكومة عراقية عميلة تعمل على مساعدة قوات الاحتلال وكسر الإرادة الوطنية العراقية، كانت بالأساس مخططاً إسرائيلياً تم وضعه بوساطة إسرائيل لتطبيقه على لبنان، وكل ما فعلته الإدارة الأمريكية، هي جعلت خبراء ومخططي البنتاغون يقومون بإسقاط هذا المخطط الإسرائيلي على العراق.. والآن، حاول الإسرائيليون تطبيق مخططهم، عن طريق غزو واحتلال لبنان، وتنصيب حكومة عميلة (على طريق حكومة إياد علاوي)، بحيث يشرف عليها جنرال إسرائيلي.
وأمام القوة المدمرة للآلة العسكرية الإسرائيلية- الأمريكية، كان كل العالم يتوقع نجاح سيناريو المحافظين الجدد، ولكن، استطاعت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، استطاعت لا أن تلغي وتبطل صحة أطروحة المحافظين الجدد، بل أن تثبت صحة نقيض الأطروحة: لا يمكن لأي قوة غاشمة أن تقوم ببناء نظام إقليمي جيوستراتيجي- جيوبوليتيكي دون موافقة شعوبه.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد