«أزمة صواريخ سكود» رواية لم تؤكدها إسرائيل لكنها روجتها

14-04-2010

«أزمة صواريخ سكود» رواية لم تؤكدها إسرائيل لكنها روجتها

فجأة ومن دون سابق إنذار احتل نبأ وصول صواريخ «سكود» من سوريا إلى «حزب الله» مقدمات النشرات الإخبارية التلفزيونية والصفحات الأولى للصحف الإسرائيلية. وانطلق المحللون العسكريون والسياسيون يدققون في تفاصيل الخبر الذي جاء هذه المرة من صحيفة عربية خليجية. وهكذا فإن المسؤولية، من وجهة نظر الإسرائيليين، لا تقع عليهم في إثارة ضجة بل إن جهات عربية هي التي أثارت الأمر ومنحته أهمية.
غير أن نظرة إلى المعطيات الملموسة تظهر أن الصورة ليست كذلك. ففي الثامن من الشهر الحالي نشر المعلق الأمني لصحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان مقالة بعنوان «خطر الاشتعال: هل سيأتي الشر من الشمال؟» عرض فيها سيناريوهات لاحتمالات اندلاع مواجهات مع إسرائيل. وبدت مقالته أقرب للتحليل الإخباري، حيث رأى أن بين كل السيناريوهات المحتملة، يعدّ الصدام على الجبهة الشمالية الأكثر احتمالاً. وأشار إلى توتر شديد مع سوريا منذ شهور وإلى احتمال تدهور الوضع بسبب توثيق العلاقة بين سوريا و«حزب الله»، وخصوصاً «التخوف» من أن تزود سوريا «حزب الله» بسلاح «كاسر للتوازن». وأشار إلى استدعاء الخارجية الأميركية للسفير السوري في واشنطن مطلع آذار الماضي والطلب منه وقف تزويد «حزب الله» بالأسلحة خشية إغراء الحزب باستخدامها أو اندفاع إسرائيل لحرب وقائية.
وفي اليوم التالي نقلت بعض الصحف العربية هذه المقالة، حيث أن واحدة منها عنونت بها صفحتها الرئيسية. ثم استخدمت صحيفة لبنانية هذه المقالة في إطار تحليل أوسع لاحتمالات وسيناريوهات المواجهة المقبلة، وأضيفت في هذا التحليل معطيات جديدة تتعلق بزيارة السيناتور الأميركي جون كيري للعاصمة السورية. ولكن النقلة الأهم كانت أمس الأول عندما أوردت صحيفة خليجية هذه المعطيات بوصفها معلومات من مصادر أميركية. وقالت إن السلاح الذي يجري الحديث عنه هو صواريخ «سكود» التي لم تؤكد الصحيفة نوعيتها رغم أنها أشارت إلى أن سوريا «مررتها إلى حزب الله» مما أدى «في الايام القليلة الماضية» الى اندلاع ازمة «تشبه ازمة نشر صواريخ سورية في البقاع اللبناني في مطلع الثمانينيات». وقالت إن واشنطن تتكتم على الإجابة على نوعية الصواريخ مما «ينذر باندلاع حرب شاملة بين اسرائيل وحزب الله، في اي لحظة، فــيما تعــمل الدبلوماسية الاميركية في الخفاء على إيجاد مخارج وحلول للأزمة، التي يبدو انها تزداد تعقيداً مع مرور الساعات».
ولأن الخبر أتى هذه المرة من مصدر عربي وليس من مصدر إسرائيلي فإن جميع المختصين بهذا الشأن انطلقوا في تحليلات تؤكد أو تستبعد أمر وصول الصواريخ. كما رفض رسميون إسرائيليون تأكيد أو نفي أخبار كهذه من دون التنازل عن الاستفادة من عناصر الإثارة في هذا الشأن. وهكذا وجدنا أن «معاريف» عنونت صفحتها الأولى «سكود في خدمة حزب الله» و«إسرائيل هددت بمهاجمة سوريا». وبعد أن تعرض الصحيفة كل ما ورد في تقرير الصحيفة الخليجية تنهي خبرها الرئيسي بالقول إن «محافل اسرائيلية رفضت التعقيب على ما نشر في الصحيفة الخليجية بدعوى انه لم يتأكد بعد».
أما «هآرتس» فأعادت نشر تقرير الصحيفة الخليجية وركزت على امتناع أميركا عن إرسال سفيرها الجديد روبرت فورد إلى دمشق بسبب الخلاف حول تزويد «حزب الله» بالسلاح. والواقع أن إجراءات المصادقة على إرسال السفير إلى دمشق لم تستكمل بعد في أميركا نظراً لأنه كان مقرراً أن يبحث الأمر في مجلس الشيوخ يوم أمس. ولكن «هآرتس» تعمدت الإشارة إلى أن إسرائيل وسوريا تبادلتا التهديد في نهاية كانون الثاني الماضي، غير انه سرعان ما عادت إسرائيل وأرسلت إشارات بأنها غير معنية بالتصعيد وقاد ذلك إلى نوع من تراجع وتيرة التوتر.
والواقع الذي لا يمكن إغفاله هو أن صراعاً يجري بين إسرائيل ومحور الممانعة والمقاومة، وهو صراع مستمر ومتواصل. وطوال الوقت تحاول إسرائيل إثبات أن قوة «حزب الله» تتعاظم في لبنان وأن ذلك لا يتم إلا عبر سوريا، مما يعني أن دمشق و«حزب الله» ينتهكان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. وتعلم إسرائيل أن التركيز على ذلك يخدمها إعلامياً وسياسياً في الغرب لكنه لا يغير من الواقع شيئاً في الميدان. لهذا السبب، ووفق المعلقين الإسرائيليين، عمدت إسرائيل ميدانياً إلى محاولة منع وصول الأسلحة لـ«حزب الله» عن طريق استهداف وسائل وأشخاص لهم صلة بالأمر وبقصد ردع سوريا. ولكن الخبراء في إسرائيل يعترفون بأن إسرائيل لم تفلح في ردع سوريا حتى الآن عن تزويد «حزب الله» بالأسلحة والصواريخ. يشهد على ذلك تكرار إعلان المسؤولين الإسرائيليين بأن «حزب الله» أفلح بعد حرب تموز ليس في ترميم قدرته فحسب، وإنما في مضاعفة هذه القوة مرات بحيث يجري الحديث حالياً عن حوالى 45 ألف صاروخ أكثر دقة وأبعد مدى.
من المهم الإشارة هنا إلى أن أغلب المعلقين الإسرائيليين لا يرون أن صواريخ «سكود» هي من نوع الأسلحة «كاسرة التوازن». وفي نظرهم فإنها تضيف لقدرات «حزب الله» بعداً كمياً ومعنوياً لأن الحزب يملك من قبل صواريخ بمدى صواريخ «سكود». ولكن الحديث عن صواريخ «سكود» يسمح لهم بالقول إن «حزب الله» هو التنظيم الوحيد في العالم الذي يملك «صواريخ بالستية».
ويرى الخبراء الإسرائيليون أن السلاح «كاسر التوازن» هو بشكل أساسي السلاح الفعال المضاد للطائرات الذي يمكن أن يقيد حرية العمل لسلاح الجو الإسرائيلي في لبنان. فمثل هذا التقييد يحرم إسرائيل من القدرة الاستخباراتية لسلاح الجو من ناحية، والقدرة العملياتية لهذا السلاح بوصفه القوة الضاربة للجيش الإسرائيلي.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...