هتلر الحاضر الغائب في السينما
الى أي مدى وسم هتلر مخيلتنا التصويرية؟ هذا ما جسّده على أفضل وجه الفنان والكاتب آرت شبيغلمان في كتاب الرسوم الهزلية "الفأر - قصة رجل نجا من الموت". تكفي ملامح وجه بشعر متهاو الى الأسفل كحد السيف للتعرف الى هذا الرجل فوراً، كما نتعرف الى ايقونة. وجه لا انساني في وجه انسان. حين تصدّر فيلم "السقوط" من اخراج اوليفر هيرشبيغل وسيناريو برند آيشبنغر، عروض دور السينما الألمانية، رافق هذا النجاح نقاش مبدئي حول مسألة ما اذا كان يسمح في الأساس بعرض وجه هتلر في فيلم ما. كما طرحت قضية الخوف من تحويل الفظائع النازية مسألة نسبية من خلال اضفاء طابع الشخصانية عليها، الأمر الذي يخفف من هولها الى حد الابتذال، كما يهوّن من الشخصية نفسها، وقد يجعل دوافعها قريبة الى الفهم. الحجج المضادة كانت جاهزة على الفور، أهمها مسألة حظر الصور، التي يرى اصحاب هذه الحجج، انها تشجع على التكهنات اللاعقلانية التي تطلق العنان للخيال لرسم حدود لانهائية للشرّ.
لم يكسر هيرشبيغل وآيشنغر التابو على الاطلاق حين اضفيا على ملامح الطاغية صورة آدمية وتركا برونو غانز، الممثل الألماني الذي لعب دور هتلر، يربت خدّ الحسناء ألكسندرا ماريا لارا (باعتبارها سكرتيرة هتلر الشابة تراودل يونغه). كما لقيت الأفلام المميزة التي عالجت قضية النازية عام 2005 تحديداً، وهو العام الذي صادف ذكرى مرور 60 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، اقبالاً جماهيرياً كبيراً. ليس هذا فحسب، بل عرضت القناة الاولى من التلفزيون الالماني فيلم هاينريش بريلور "شبير وهو" (أي شبير وهتلر) الذي لعب فيه توبياس مورتي دور هتلر وسباستيان كوخ دور صديقه المفضل وزير التسلح المهندس المعماري شبير. في السينما قدّم مارك روتموند فيلم "صوفي شول"، وفولكر شلوندورف "اليوم التاسع" ولايوس كولتياس فيلمه المقتبس من راوية "كائن بلا مصير" للكاتب المجري الحائز جائزة نوبل للآداب ايمري كيرتيش، بالاضافة الى العديد من الأفلام القصيرة التي اقتربت من الموضوع بطريقة وثائقية: حوار مالتيه لودين مع والده النازي، الذي حكم عليه بالاعدام بعد نهاية الحرب (تحت عنوان "قضيتان أو ثلاث تعلمتها منه") أو دراسة عن علم الجمال النازي بعنوان "الجمال السرمدي". وقد حظيت هذه الأفلام باهتمام بالغ، بدليل ان العديد منها احتفل بعرضه الأول في مهرجانات سينمائية مهمة.
بيد أن فيلم "السقوط" لهيرشبيغل لا يعدّ اللاعب الوحيد في طبيعة الفيلم من منظار راهن وتاريخي أيضاً، مع ان اهتمام الجمهور والنقاش الذي رافق الفيلم جعلا منه مثالاً رائعاً لانشغال السينما بالنازية. اذ سبق للمخرج غ. ف. بابست عام 1955، ابان عهد المستشار الألماني الأول بعد الحرب كونراد أديناور، أن قام بعرض أيام هتلر الأخيرة، في ما سمّي بمخبأ القائد تحت مبنى المستشارية. بذلك، لا يكون قد سبق موضوع فيلم "السقوط
وحسب، انما كذلك قد ألهم برونو غانز أداء دور الديكتاتور. وحين قام ألبين سكودا ببطولة فيلم "الفعل الأخير"، الذي جاء معبّراً عن ارادة الكبت لفترة ما بعد الحرب في ألمانيا، لم تحصل حينذاك نقاشات حادة، اذ كان الناس يفضلون غض الطرف عن تلك المرحلة.
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد