الأرملة السوداء
سبايدرمان في كل مكان.. العناكب تدب فوق جلودنا وعلى أرواحنا.. عناكب على أصابعنا وعيوننا وألسنتنا.. كل فرد ينصب شباكه بأمل اصطياد ذبابة يضيفها إلى رصيده المظفر في هذي الحياة: عناكب إعلانية, تجارية, آيديولوجية, أمنية, إعلامية, إلكترونية.. والرب الذي في الأعلى يرمقنا بسخرية: من الجيد أنه توقف عن إرسال الرسل إلينا وإلا لاضطر إلى إرسال عنكبوت عملاق ليتمكن من إقناعنا..
ذكرت الويكيبيديا أنه يوجد أكثر من أربعمئة ألف نوع من العناكب أشهرها الأرملة السوداء التي تلتهم ذكرها ليلة زفافها.. وما يهمنا هنا هو الحديث عن العناكب الإعلامية التي تنشر شباكها في بلادنا بدءا بالمحطات التلفزيونية والإذاعية مرورا بالصحف الورقية وانتهاء بأخواتها على الشبكة الإلكترونية, حيث لم يعد هناك قوانين ولا تقاليد إعلامية: الكل يسرق الكل والكل يشتم الكل دون وازع أو ضمير!؟
ففيما مضى, أي مع بداية استقلال سوريا, كان للصحافة دوراً تنويريا في المجتمع, وكانت أدوار الصحفي تتراوح بين معلم وداعية ومبشر تنويري, ثم تأمم الخطاب الإعلامي في أربعين عاما من النوم بالكهف, ثم خرجوا, وليتهم ما خر..جو..
- والسؤال: ماذا فعل الإعلام السوري الخاص بعد عشرة أعوام على صدوره؟
- استمرت الصحافة الرسمية بثيابها الحكومية, ونام معظم الإعلام الخاص في أحضان السماسرة والمستثمرين, وتحول الصحفي إلى صياد أخبار وإعلانات واستهان أغلبهم بالقارئ مقابل إرضاء الممول والمعلن ضعيف الثقافة والمعرفة والديمقراطية, فهبط الخطاب الإعلامي إلى حضيض الإثارة والتلميع.. وباستثناء بضعة أسماء إعلامية أغلبهم من النساء, يمكننا تقسيم الإعلاميين إلى الأنواع التالية:
1- صوت سيده.
2- مدير تحرير ثري لا علاقة له بالقراءة والكتابة.
3- صحفي كاسيت.
4- كلب صيد فهلوي يخترع من اللاشيء خبراً.
5- صحفي قوّاد مختص بتلميع الأثرياء والمتنفذين.
6- صحفي متسول يطرح سؤالا على مجموعة مختصين ثم يجمع أقوالهم ويذيلها باسمه.
7- صحفي شنطة (جاهز وتفصيل).
8- صحفي غوغل (قص ولصق وتجميع) مع إضافة مقدمة وخاتمة للموضوع.
9- صحفي علاقات عامة يحمل بطاقات صحفية من عدة مؤسسات ودكاكين إعلامية ويستأجر صحفيا جائعا يكتب له.
10- صحفي صادق ولا أحد ينشر له إلا إذا كان انتحاريا مثله..
أخيراً قد يتساءل البعض أين هي (الأرملة السوداء) فيما طرحت، وأنا أحيلكم إلى يوجين أونسكو الكاتب المسرحي الشهير ومسرحيته (المغنية الصلعاء) التي أقبل الجمهور عليها ليروا المغنية الصلعاء فشاهدوا مسرحية جيدة ولكن لم يكن هناك مغنية ولا صلعاء, وأنا بدوري أردت اصطيادكم بالعنوان لأورطكم بالقراءة، ولكي أبرر عدم قدرتي على الإجابة - طوال عشرين عاما - عن سؤال الآخرين لي: ماذا تعمل؟
نبيل صالح
تنويه: نشرت هذه المادة في جريدة تشرين (زاوية آفاق) يوم أمس وقام الرقيب بحذف ما تحته خط وبالطبع هذه العقلية هي أحد أسباب عرقلة التطور الإعلامي السوري طالما أن الرقيب يعتقد أنه أكثر وطنية من المحرر
إضافة تعليق جديد