المسرح في الزبدانـي منذ الأربعينيات
الزبداني مصيف جميل يقع همزة وصل بين بلودان وسرغايا ومضايا و قريب من مدينة دمشق والساحل السوري ما أدى إلى تلاقح الأفكار وغنى الزبداني بالمصيف وسهولها الخصبة وخلال ليالي الشتاء الطويلة كانت الحكايا، فالزبداني يعتبر كنزاً فولكلورياً.
وكان عدد سكانه عام 1940 أربعة آلاف نسمة.
المسرح في الزبداني
اشتهرت فرقة تمثيل الزبداني منذ زمن عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي كان الطبل يضرب لجمع الفلاحين والأهالي للجهاد ضد الصليبيين وكانت العروض المسرحية لرفع معنويات الجنود.
وكان الحكواتي يحكي قصة أبطال العرب وكان جنود صلاح الدين يتدربون على الرماية بألعاب الخيل.
ومن أقدم تمثيليات فرقة الزبداني تمثيلية السلطان صلاح الدين التمثيلية تمثل انتصار السلطان على الصليبيين، في هذه التمثيلية خمسة عشر فصلاً، و مدة العرض ساعتان والظاهرة المهمة والنادرة في الزبداني اشتراك الجميع في العرض.
في عرس ابن المختار (1964) قدمت تمثيلية صلاح الدين الأيوبي والتمثيلية محبوبة لمواقفها البطولية وقد استمر إعداد المسرحية ستة أشهر وقد أصرّ الأخ سليمان طه أن يكون هو المخرج وكان المفتي يشرح دور كل ممثل ويدربه عليه، كانت التمثيليات التاريخية والدينية تنتزع اعجاب المشاهد وتنقله إلى عصرها.
كان الشباب الموهوبون يرسمون اللوحات الخلفية (الديكور) التي تناسب المسرحية ويضعون التيجان والأوسمة الملائمة لكل شخصية.
الممثلون
الممثلون هم من أسرة عبد الحق وهذا الفن وراثي في هذه الأسرة منذ زمن بعيد ويشترك في العرض فنانون جدد من أسر زبدانية لتنمية ميولهم الفنية.
ويتفق الممثلون فيما بينهم على توزيع الأدوار والتدريب عليها وأحياناً يعدلون في الحوار ويعدون الملابس الزاهية المناسبة للأدوار.
من الأسماء اللامعة في التمثيل حتى عام 1940 سليمان طه مفتي الزبداني وسليم طه وعلي سليمان درويش وحسين أحمد يوسف ومحمد عز الدين قاسم وعز الدين اسماعيل مختار الزبداني.
في الجيل الحديث من الممثلين (1940-1950) ظهر أحمد يوسف وعلي كينش مدير الثانوية وكمال طه معاون وزير التربية ووجيه طه نائب رئيس اتحاد العمال ومحمد حسين يوسف وأحمد عبده عز الدين، ولعل هذه الظاهرة نادرة ونتمنى أن تعاد حتى الأولاد كانوا يقومون ببعض الأدوار للتمرين.
ممثلون هزليون
ومن ثمرة هذا التعاون ظهور ممثلين هزليين في المسرح السوري والعربي هو بأشد الحاجة إليهم إيصال الفكرة إلى المشاهد بطريقة سهلة مضحكة ليس أمراً سهلاً!!
إضحاك الناس أصعب من تكسير الحجارة، الممثل يستطيع أن يقول في الهزل ما لا يستطيع قوله في الجد. من أشهر الممثلين الهزليين (حسن الكناكري) الذي لا تستطيع أن تتمالك نفسك من الضحك بمجرد أن ترى وجهه ولديه قدرة على اختراع النكتة وهو يرتجل المشهد المضحك في أي وقت وكأن الحدث قد ألّف من أجل النكتة.
وهذه عادته في حياته اليومية فهو يقدم العرض المسرحي بلا تصنع، المشاهد يشعر أنه أمام شخصية غير عادية تخترع النكتة من لا شيء وهو شخصية مضحكة تضحك الصغار والكبار معاً وهو صاحب اللا متوقع.
مرة عمل حلاقاً في تمثيلية فجاءه كثير من الناس يريدون أن يحلقوا ذقونهم فوضع رؤوسهم في فتحات السلم وأخذ يحلق لهم بالجملة.. في حياته العادية كان يمثل شخصية الانسان الانتهازي فإذا انتفع من انسان قال له: أنت صاحب أصل وإذا لم ينتفع منه، سأله: أين أصلك؟ الفن هو نقل الحياة إلى خشبة المسرح.
من الممثلين الكوميديين حسين يوسف ومحمد حسين ومحمد سليمان يوسف وكان أداؤهم أفضل من كثير من الممثلين الكوميديين المعروفين فقد تمكن مسرح الزبداني من تنمية المواهب التمثيلية والهزلية التي نحن بأمس الحاجة إليها حتى إن بعض الممثلين لا يلمون بمبادئ القراءة والكتابة ومع ذلك فهم يؤدون الأدوار بلا خطأ، فالفن للفن وقد خسرنا عروض هذه الفرقة عام 1965 وكانت تجمع الشباب وتؤلف بينهم وتسعد الناس والعروسين في حفل الزفاف وتوفر تكاليف العرس والضيافة.. وصرفتهم عن اللهو في حفلات الزفاف ودعت المدعوين إلى الاستمتاع بفن راق وقد تقام العروض في المقهى.
وقد بقي هذا الفن في الزبداني ولم ينتشر منها إلى بقية المدن ولم يطور خارجها على يد فنانين محليين ولو تم ذلك لاكتسبنا فناً أصيلاً عمره مئات السنين.
العروض المسرحية
المسرحيات تاريخية أو دينية تتخللها مشاهد وطنية أو دينية اجتماعية ويتخلل الفصول عرض فكاهي من البيئة الاجتماعية لأهل الزبداني، مثل عيوب الشخصية وفي نهاية السهرة تكون عروض السيف والترس والميجنا والعتابا..
لقد استطاعت العروض المسرحية شد المتفرج إليها من رجال ونساء وسكان القرى المجاورة فإذا ضاق مكان العرض هدم جدار بين بيتين وأصبح الرواق خشبة مسرح وقد يصل المتفرجون إلى الشارع.
وقد تطور العرض فكانت التمثيليات العصرية مثل تمثيلية الخلّين الوفيين أي الأصدقاء المخلصون وفي العروض أكثر من تمثيلية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد يستمر العرض ثلاث ساعات.. إنها تجربة وظاهرة تستحق الدراسة، فلدينا مواهب كامنة وقدرات فنية وإبداع ينتظر الظهور. وقد توقفت الغرفة عن العطاء عام 1965.
نزار الأسود
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد