ماري الياس: ليست ثورة لكن يلزمنا بعض الحراك
تعمل الأكاديمية والناقدة المسرحية ماري الياس منذ سنوات في إطار ما تسميه المسرح التفاعلي في المدارس الحكومية، بعد سنوات من عملها في مجال تدريس المسرح والدراماتورجيا والبحث المسرحي. وكما تقول ، رداً على سؤال حول ما إذا كان المشروع ثقافياً أم تربوياً، فإن «الفكرة (فكرة المسرح التفاعلي في المدارس) بدأت باتجاهين؛ الأول يهدف إلى رفع سوية المسرح عموماً، والثاني لإيجاد فرص عمل لمتخرجي المعهد العالي للفنون المسرحية، وخصوصاً قسم الدراسات المسرحية فيه». وتضيف «كانت الفكرة أن نعيد تقديم المسرح في المدارس ليأخذ طابعاً فنياً لا أيديولوجياً، حيث كان طاغياً أسلوب الشبيبة (اتحاد شبيبة الثورة) والطلائع (طلائع البعث)، وهو أسلوب عفا عليه الزمن».
تتحدث الياس عن صعوبات إدارية في البداية، وتشير إلى مفارقة «أن نحلم بعودة المسرح كما كان على عهدنا قبل ثلاثين عاماً». وتتابع «هكذا انتقلنا من مسرح المدارس المخصص للأطفال إلى مسرح يهدف إلى التنمية، وهنا بالذات جاءت فكرة المسرح التحفيزي أو التفاعلي». وتضيف «أول ما اشتغلنا على تحفيز القراءة في الريف». لكن هناك تجارب أخرى حيث «اشتغلنا في سجون الأحداث، واستُنبط العرض من حكايا المساجين، وقُدم على أحد مسارح المدينة».
ولدى الحديث عن أساس المسرح التفاعلي في العالم تقول الياس «لقد بدأ مع المسرحي البرازيلي أوغستو بوال صاحب «مسرح المضطهدين» الذي سرعان ما انتقل إلى أوروبا»، وتؤكد «لا نعمل على النسخة ذاتها، فالمسرح التفاعلي يحتاج أساساً إلى الديموقراطية». أما ما يميز النسخة المحلية فتقول «بوال كان يذهب إلى الناس من دون أن يقول لهم إن هذا مسرح، أما نحن فمن الواضح أننا نعلن المسرحة».
وعن أهمية هذا المسرح قالت الياس «المهم أنك تعمل مع الفرد، وأعتقد أنه آن الأوان للاشتغال على تكوين وشخصية الطالب، آن الأوان لتجاوز الأسلوب التلقيني في النظام التعليمي». ولذلك فإن ماري الياس تنتظر أن يجري التبني اللائق للتجربة «المفترض أن تتابع وزارة التربية التجربة وتتبناها. مشروعنا تجريبي وجديد، نعمل على ست مدارس فقط، وهي ليست شيئاً إلا باعتبارها تجريبية، ما نأمله أن تتحول التجربة إلى واقع». وعند ذلك تعرف الياس أي تغيير يمكن أن يحدث، ولكنها مع زملائها من أصحاب المشروع يتحركون من دون أوهام «لا أقول إننا نعمل ثورة، ولكن يلزمنا بعض الحراك على المستوى الفني والاجتماعي».
وإذا كان وقود تجربة المسرح التفاعلي من خريجي قسم الدراسات المسرحية في المعهد المسرحي، في الوقت الذي بدأ يتسرب كلام عن اقتراح بإيقاف القسم في السنة القادمة، تمهيداً لإغلاقه بحسب بعض أساتذة المسرح، فإن الياس، وهي من أبرز مؤسسي القسم، تقول «أنا ضد إغلاق قسم النقد، وضد هذه الحملات عليه، كما لا أعرف ما هي مشكلة القسم حتى يروه إشكالياً إلى هذا الحدّ». وتضيف «برأيي أن القسم، وفي إطار فكرة التنمية، ضرورة. فمن الواضح أنه يصدّر نخبة، حتى لو تراجع مستواه، وإذا كان هنالك من ضرورة فمن الواجب التفكير بمناهج الأقسام الأخرى (التمثيل، السينوغرافيا، التقنيات) لأنها فعلاً تافهة، وهي ما يحتاج إلى تطوير».
سوق العمل
وتقول الياس «إن ذلك يصب في إشكالية ربط الدراسة بسوق العمل، وأنا لا أعرف أحداً من متخرجي «الدراسات المسرحية» لا يعمل، هم يتحركون ويعملون ضمن هامش واسع، وأحد الأمكنة التي يعملون بها المدارس».
لكن اللافت أن أولئك المتخرجين يعانون رفضاً مماثلاً كذلك في وزارة التربية، فتقول الياس «من جملة المعوقات التي تقابلنا في وزارة التربية، أنهم يعارضون اعتمادنا على أولئك، الذين أراهم مؤهلين أكثر من متخرجي قسم التمثيل».
يحيل البعض ذهاب ماري الياس، ومعها كثيرون، باتجاه تجربة المسرح التفاعلي في المدارس، إلى اليأس من حال المسرح، لكنها تقول «من غير شك إن المسرح في أزمة في البلد، ولكن لا بد أن تكون الثقافة في خدمة التنمية. أنا مع نوع من التوازن: أن يدخل المسرح إلى المدارس، ولكن أيضاً يجب أن يكون هناك أشكال متعددة من المسرح في البلد. اليوم صار واضحاً أن المشكلة الكبرى هي التمويل. والمسرح حتى يكون موجوداً يلزمه قرار سياسي، ما يعني دعماً وتسهيلات من قبل الدولة، فاليوم الأزمة هي تماماً في العمليات الإنتاجية».
وحول ما إذا كان عملها في مؤسسة سيدا السويدية نوعاً من تأمين هذا الدعم للعمليات الإنتاجية تقول «هذه المؤسسة تابعة لوزارة الخارجية السويدية، ومن أشكال التعاون عندهم أنهم يكلِّفون بمشاريع تنموية في بلدان أخرى. ومن خلال المعهد الدرامي في ستوكهولم نعطى منحة بسيطة للمسرح ندعم عبرها مسرح الشباب».
ورغم ذلك فإن ماري الياس لا تتخلى عن الدعم الحكومي «أنا لدي قناعة بضررة العمل مع الدولة، هذا التعاون يبقى مفيداً، ولن أسمح للدولة بالانسحاب».
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد