«ضيعة ضايعة»: قرية «تخيلية» تنهل من واقع الريف السوري
تسلل نصّ الكاتب ممدوح حمادة، من بين حدي مقص الرقابة السورية، عبر كوميديا ذات مغزى مأساوي بعنوان «ضيعة ضايعة» في جزئها الثاني. وقد برع حمادة في نقل صورة الريف السوري المهجور من سكانه، بدءاً من أغنية «جنريك» المسلسل، التي أداها الفنان علي الديك. برغم أنها بدت رثائية جارحة.
يفتتح المخرج الليث حجو كل حلقة من حلقات مسلسله بمقطع صوتي: «الثورة الرقمية جعلت أشياء كثيرة لم نكن نتصور حدوثها قبل عدة سنوات شيئاً ممكناً.. باختصار يمكن القول ان الإنسان أصبح عبدًا للتكنولوجيا بكل ما تعنيه كلمة «عبد» من معنى.. وكما هي العادة قي كل المجازر التي تحدث، هناك ناجٍ وحيد «أم الطنافس.. الفوقا». وذلك عبر مشاهد لكاميرا تهبط من الفضاء على ضيعة «السمرا» السورية. لنتعرف على «أم الطنافس الفوقا» الضيعة المنفية في عصر الاتصال، وفي مقاربة عكسية لمقولة «العالم أصبح قرية كونية».
ويستعين المخرج والكاتب برموز معينة، لقرية شبه معزولة ترتبط بعاصمة لا اسم لها. كأن يعلن مختار الضيعة «البيسه» (زهير رمضان) عن ضرورة تشكيل وفد رسمي من نساء القرية للمشاركة في مؤتمر عن حقوق المرأة في «العاصمة».
وثمة وجود رمزي للدولة من خلال سلطة المخفر الموجود في قرية «أم الطنافس الفوقا»، ويديره شرطيان: رئيس المخفر «أبو نادر»(جريس جبارة)، الذي يحلم بأن تقع ولو جريمة واحدة في القرية قبل أن يحال على التقاعد، ومعاونه «حسان» (حسين عباس) الشرطي السادي الحالم بعقاب الموقوفين لديه بالفلقة. يضاف إليهم ظهور مفاجئ لشخصية «الهوما لالي» التي يجسدها الفنان جمال العلي مع سيارات الأمن، لدى حدوث طارئ. كما حصل عندما اكتشف «أسعد» بئراً نفطية في أرضه الزراعية، ما تطلب تدخلا أمنياً سريعاً للحفاظ على الثروات القومية المهدورة! وعلى الرغم من الفرضية المسبغة على القرية «الناجي الوحيد من المجزرة» إلا أن المخرج لم يتورع عن تخصيص حلقة كاملة حول آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على «دكان صالح» الوحيد في الضيعة، والذي يقرض المزارعين سكراً وشاياً وسرديناً!
كما تناولت حلقة «الأرض لمن يفلحها» الشعار الذي طرحه حزب البعث الحاكم في سورية، بعد ثورة الثامن من آذار 1963، والذي عبّر عنه الرئيس الراحل «حافظ الأسد» في كلمة له لمناسبة ذكرى ثورة الفلاحين العام 1980 قائلاً: «أنا أولاً وأخيراً، وليعلم الجميع فلاحٌ ابن فلاح، الاستلقاء وسط سبلات الحبوب، أو على أرض الدرس، في نظري، يساوي كل قصور العالم».
وبرغم هذا الشعار المأخوذ من أدبيات مناضلي البعث، وبرغم تعرض اهالي «أم الطنافس» في حلقة اخرى للاعتقال الجماعي، بعد إطلاق شائعة انتشار مرض أنفلونزا الطيور، الا ان المسلسل يصر على اعتبار القرية «تخيلية»، مع أنها تنهل من واقع الريف السوري، الذي شهد حركة نزوح كبيرة إلى المدن والعاصمة السورية منذ ستينيات القرن الفائت.
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد