احتدام الحرب العالميّة للعملات: أميركـا تضغـط علـى الصيـن

لم يشكّل كلام وزير الماليّة البرازيلي، غيدو مانتيغا، مطلع الأسبوع الحالي، عن انطلاق «حرب عملات عالميّة» صدمة لدى المعنيين. فهذه «الحرب» شكّلت مؤخّراً محور الأحاديث الجانبيّة لكثر آخرين من صانعي السياسات وأصحاب القرار، في ظل الانتقادات المتنامية، من واشنطن بالدرجة الأولى لسياسة الصين النقدية. والاحتدام في تصاعد مستمرّ في ما يخصّ أسواق العملات، ووتيرة الخطاب السياسي في ارتفاع. كما أنّ سعي الدول الحثيث لحماية صادراتها في ظلّ اقتصاديات تحاول التعافي من الأزمة الأخيرة، قد يدفع بأصحاب القرار نحو عدائية غير مسبوقة. الأمر الذي يولّد فعلاً مخاوف من إمكانية نشوب حروب تجاريّة «دمويّة».
ليس من المستغرب أن تسعى الحكومات لتخفيض قيمة عملاتها. فهذا يسهّل عملية التصدير، كمصدر نمو أولّي في اقتصاد عالمي مرتبك. وتمارس حالياً دول تمثّل ثلثي الاقتصاد العالمي، بشكل أو بآخر، سياسات ماليّة تدخّلية لتخفيض سعر العملة. وتشكّل اليابان حاليّاً أحدث مثال عن ذلك. فمع استمرار ارتفاع الين منذ أيار الماضي بنحو 14 في المئة، يُعتَبر التدخّل الحكومي الياباني الأخير في الأسواق الماليّة الأول كما والأكبر لها منذ أعوام. وفي محاولتها للحدّ من ارتفاعه، قامت الحكومة بعملية بيع للين تساوي عشرين مليار دولار. وهو نشاط قياسي في يوم واحد.
انضمّت إليها في ذلك العديد من دول آسيا الـ«متضخّمة»، كتايوان، تايلاند، وكوريا الجنوبيّة، التي تحارب ارتفاع عملاتها يوميّاً. وتبعتها أيضاً بعض دول أميركا اللاتينيّة كالبرازيل، كولومبيا، والبيرو.
- في البرازيل، حيث ارتفعت العملة لأكثر من 30 في المئة في وجه الدولار خلال عام، بلغت حدّة الخطاب مستويات أعلى. وانتقد مانتيغا جهود الولايات المتّحدة واليابان ودول غنيّة أخرى للحدّ من ارتفاع عملاتها بهدف إحداث نمو يأتي غالباً على حساب دول مصدّرة أخرى كالبرازيل: «نحن في خضمّ حرب عملات. وهذا يهدّدنا لأنّه يسلبنا قدرتنا على التنافس».
ومع إجراء الانتخابات الرئاسيّة الأحد المقبل، ستكون أزمة العملة أهمّ ما يواجه الرئيس البرازيلي المقبل. وتترأس ديلما روسيف، وزيرة الطاقة السابقة والخليفة المنتقاة شخصيّاً من الرئيس لولا دا سيلفا، استطلاعات الرأي حتى الآن. وهي من المدافعين طوال أحد عشر عاماً عن سعر الصرف العائم. غير أنّها ستواجه في حال انتخابها ضغوطاً كثيرة من اقتصاديي حزبها اليساري، لا سيّما مانتيغا، لحثّها على اعتماد سياسات تدخّلية أكثر ثقلاً.
- في الولايات المتّحدة، ارتفعت وتيرة السياسات الحمائيّة، وخاصةً في ما يتعلّق بالصين. وأقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع قانون ينصّ على تدابير عقابية ضد الصين بسبب إبقائها على سعر عملتها اليوان دون قيمتها الفعلية لدعم صادراتها، مؤكداً ان هذا الأمر يضرّ بسوق العملة الأميركية وذلك قبل الانتخابات التشريعية المهمة في البلاد. وردت الصين معتبرة ان مشروع القانون الأميركي يخالف قوانين منظمة التجارة العالمية.
وأقرّ النواب نص القانون بأكثرية 348 صوتاً مقابل 79 في موقف غير معتاد ضد الصين يعكس استياء الناخبين بسبب تداعي الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة الى حوالى عشرة في المئة قبل انتخابات تشرين الثاني المقبل. ولا يزال يفترض ان يصادق مجلس الشيوخ الاميركي على النص. ولم يعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما رسمياً ما اذا كان سيوقع النص ليصبح قانوناً نافذاً.
وهذا الإجراء يطلب من الحكومة الاميركية ان تعتبر تصرفات بكين على انها اعانة عامة للتجارة لا تتطابق مع القواعد، كما يوسع سلطات وزارة التجارة الاميركية عبر السماح لها بفرض رسوم أعلى على البضائع الصينية.
وفي بكين، اعتبرت وزارة التجارة الصينية ان مشروع القانون الاميركي «لا يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية». وقال المتحدث باسم الوزارة ياو شيان في تصريحات نقلتها وكالة انباء الصين الجديدة إن «إطلاق تحقيقات لمكافحة الدعم الاقتصادي الرسمي على قاعدة سعر الصرف لا يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية».
ويقول إيرين براون، وهو خبير اقتصادي لدى مصرف «سيتي غروب «، أنّ الحمائية المتزايدة «خطر كبير جدّاً». وقد تصبح أولويّة بعيد الانتخابات الأميركيّة.
- أدّت معاناة الدول الصاعدة، ولا سيّما في آسيا، من التضخّم نتيجة جذب اقتصادياتها للرساميل الأجنبية وارتفاع الطلب على العملات المحلّية، إلى تدخّل حكوماتها للحدّ من آثاره. وتتفاوت حدّة هذه التدخّلات من دولة لأخرى. فهي مركّزة وصارمة في تايوان، وشبه معدومة في ماليزيا التي تفضّل أن يتمتّع المصدّرون فيها بقوة العملة في الوقت الراهن. غير أنّها جميعها حريصة على عدم إيقاظ «المارد الصيني» أو استفزازه.
وبعد إجماع دول مجموعة الـ«بريك» أي البرازيل، روسيا، الهند والصين، أعلن وزير الخارجية البرازيلي سيلسو أموريم رفضه الانتماء لأي جبهة دوليّة منظّمة للضغط على الصين. معتبراً أنّ فكرة الضغط على دولة ما لا تشكّل حلاً. كذلك، «لا يجب أن ننسى أنّهم زبوننا الأهمّ»، يقول أموريم عن الصين في إشارة للسلع البرازيليّة المصدّرة إليها.
إنّ خوف البرازيل ودولاً أخرى من ردود الفعل الصينيّة إنّما يدلّ على أنّ مناعة السياسة الاقتصاديّة الصينيّة مذهلة حقّاً، وهي تشكّل حتى الآن ورقة رابحة لها، وعائقاً أمام التوافق الدولي على حسابها في المستحقّات المقبلة، لا سيّما اجتماع قمّة العشرين في كوريا الجنوبيّة في تشرين الثاني المقبل.

المصدر: السفير

إقرأ أيضاً:

هل تنجح الغارة الأمريكية على الاقتصاد الصيني