الاعلام القومي في مصر ينتظر «فرعوناً» جديداً... ليمجّده

07-03-2011

الاعلام القومي في مصر ينتظر «فرعوناً» جديداً... ليمجّده

رابضون، متحولون، مطمئنون، مترنحون وباحثون عن أدوار! الصحافة المصرية القومية والحزبية والخاصة باتت بعد إسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونظامه، لوحة موزاييك أجزاؤها متناقضة، لكن يجمع بينها لوحة واحدة، يحاول كل جزء منها إيجاد دور له في العهد الجديد المأمول. وهذا العهد يتصارع على اللحاق به، حتى قبل أن يبدأ، ركاب العهد القديم. وكلٌ يقوم بذلك على طريقته، وبما تبقى لديه من جهد ليثبت به حسن نيات فقدت صدقيتها... أو حتى حفظاً لماء وجه تبخر الكثير منه.

ويقع الكم الأكبر من الجهد على كاهل الصحف القومية، وهي الصحف التي تحول الكثير منها خلال سنوات إلى صحف ناطقة باسم «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم، أو بالأحرى ناطقة باسم أشخاص أو رموز بأعينهم.

وبين ليلة وضحاها، وجدت الصحف القومية ذاتها منغمسة في «ورطة» حقيقية من رأسها حتى أخمص قدميها. فمن تمجيد «الحزب الحاكم» والتهليل لرموزه بسبب ومن دون سبب، وإفراد الصفحات الخبرية والرأي وحتى الاقتصاد للتسبيح بحمد النظام القائم، إلى تمجيد ثورة الأحرار، والتهليل لرموز الشباب، وإفراد الصفحات لفضح رموز النظام الساقط، بل والتكهن بقيمة ثرواتهم وانتهاكاتهم. وبين هذا وذاك فترة من الترنح، ربما بسبب «خبطة الرأس» القوية حين اتضح وتأكد أن ما حدث في ميدان التحرير وشتى مدن مصر كان ثورة شعبية سلمية بكل معنى الكلمة.

«50 متظاهراً في المنصورة و100 في دمياط و200 في الإسكندرية و... بورسعيد والمنوفية والمنصورة هادئة»، «المتظاهرون عطلوا المرور وأثاروا الشغب في ميدان التحرير»، «العناصر المحظورة وسط 10 آلاف من المتجمهرين ألقوا الحجارة وأتلفوا المنشآت»... هذه العناوين الرئيسية التي أطلت بوجهها القبيح عبر الصفحات الأولى لجريدة «الجمهورية» عقب اندلاع الثورة في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، لكنها سرعان ما تحولت فجأة إلى اعتراف صريح بشرعية الثورة الحرة الشريفة، وإشادة بدور الشباب الوطني الذي حقق حلماً لم يكن يطمح إليه أحد.

التغير الكلي الذي طرأ على لهجة الصحف القومية ظهر في شكل واضح وجليّ في كل من «الأهرام» و»الجمهورية»، وهما الصحيفتان اللتان تفنن القائمون عليهما في تمجيد النظام في كل شكل ولون طوال ثلاثة عقود من حكم مبارك. لكن هذا لا ينفي أن أقلاماً عدة في داخل هاتين المؤسستين دأبتا على انتقاد النظام والفساد خلال السنوات القليلة الماضية، فيما كانت الصحيفتان توغلان في «عشق» النظام.

أما صحيفة «الأخبار» فترأس تحريرها قبل أيام من اندلاع الثورة الكاتب الصحافي ياسر رزق الذي اتسمت تغطية صحيفته أثناء الثورة بقدر أكبر نسبياً من الصدق، لكن الصحيفة أطلت على قرائها في 3 شباط (فبراير) الماضي بانفرادها في نشر تفاصيل «أخطر مؤامرة أجنبية لحرق مصر». وأعلنت الصحيفة على صدر صفحتها الأولى أنها حصلت على وثائق تعلن عن تفاصيل «مؤامرة أعدتها جهات أجنبية لاستغلال التظاهرات العفوية لشباب مصر والتي تدعو فيها إلى مطالب مشروعة لإحداث إصلاح سياسي وزيادة مساحة الحريات ومواجهة الفساد، وتوجهها نحو الأعمال التخريبية، واحتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون، بالإضافة إلى الاعتداء على مقر الحكم وأقسام الشرطة وإحداث نوع من الفوضى ومهاجمة السجون لإطلاق سراح السجناء».

أما صحيفة «روز اليوسف» اليومية، فربما تكون الأكثر اتساقاً مع نفسها من حيث المضمون. فعلى رغم أنها محسوبة على تيارات بعينها مقربة من جمال مبارك، لم تسارع إلى تغيير جلدها بالقدر الذي قامت به الصحف القومية. صحيح أن رئيس تحريرها عبد الله كمال كتب مثلاً «تصبحون على خير، نلتقي بعد الثورة، أقصد على ناصية شارع الثورة أول ما تلف يمين»، ساخراً من الثورة في أوائل أيامها، إلا أنه لم ينفض عن نفسه تماماً خطه السابق. ففي 8 شباط (فبراير) الجاري كتب كمال مجدداً عن «الأجندات». فالأجندة التي تحولت من تهمة يوجهها النظام إلى شباب التحرير إلى نكتة يتفكه بها شباب التحرير على ضحالة إعلام النظام كانت عنوان عموده اليومي «ولكن» تحت عنوان «حديث الأجندات». وجاء في ما كتب: «إنني أحد المؤمنين بمعنى مؤداه أن لكل توجه أجندة، يريد أن ينفذها ويحققها. مطالب الشباب في حد ذاتها هي أجندة، أي مدونة أهداف بتوقيتات ومراحل، بغض النظر عن أن الشباب لا يريدون أن يقتنعوا بأن هناك أجندات خفية كانت تتبعثر حولهم من الداخل والخارج في ميدان التحرير».

ولا يجمع بين المتحولين في الصحف القومية الثلاث، والمستمرين على منهجهم المؤيد للنظام المنتهي إلا سمتان. الأولى هي الرغبة الحقيقية في الاستمرار والبقاء في المواقع وكأن شيئاً لم يكن، والثانية هي الرغبة الحقيقية الشعبية والحقوقية في إنهاء استمرارهم في مواقعهم».

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان طالبت بإقالة رؤساء تحرير الصحف القومية فوراً، وتعيين صحافيين صادقين وأمناء على رسالة الصحافة. واعتبرت الشبكة في بيان صدر عنها قبل أيام، أن «الأمور لن تستقيم مع بقاء صحافيين طالما ضللوا الشعب ودعموا الديكتاتور وصنعوا منه إلهاً على رأس الصحف والمجلات».

ويأتي على رأس أولئك الصحافيين الذين تطالبهم الشبكة بالمغادرة الفورية رؤساء تحرير ومجالس إدارة «الأهرام» و»روز اليوسف» و»الأخبار» و»الجمهورية» و»المصور» و»أكتوبر”. وعلل البيان ذلك بأنهم «شاركوا قبل ثورة 25 يناير وأثناءها في التحريض ضد المطالبين بالديموقراطية في مصر، وفور الإطاحة بالديكتاتور، تحولوا 180 درجة، ليبدوا كداعمين للثورة والديموقراطية».

ووصفتهم الشبكة بـ «المتلونين» بحسب لون كل عصر وكل نظام، مطالبة بأن تتزامن الإقالة مع قرار إعادة الاعتبار إلى صحافيين جرى التنكيل بهم وملاحقتهم والتضييق عليهم بسبب مواقفهم الداعمة للديموقراطية ومحاربتهم الفساد، مثل: إبراهيم عيسى وحمدي قنديل وعبدالحليم قنديل... وغيرهم ممن دفعوا ثمناً باهظاً لقاء مواقفهم الثابتة والواضحة.

وذهب مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد إلى القول إن رؤساء تحرير الصحف القومية الحاليين دعموا الديكتاتور مبارك وصنعوا منه إلهاً، وبدأوا الآن في استخدام النفاق الرخيص نفسه تجاه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، متناسين أن الأخير لا يرغب في ذلك، ولن ينطلي عليه هذا النفاق.

إلا أن واقع الحال يؤكد أن النفاق لا يقتصر على شكل واحد، بل يمكن أن يتلوّن ويتشكّل ويخضع لـ «لوك جديد» على أمل طول البقاء.

وتعج هذه المؤسسات القومية بالكثير من حركات الاحتجاج والاعتصام، بعضها لأسباب تتعلق بمظالم مالية أو ترقيات، والبعض الآخر يتعلق بتغطية الصحف ذاتها للثورة. فمثلاً صدر بيان يحمل توقيع 300 صحافي في «الأهرام» يعتذرون فيه عن «السياسة التحريرية غير المهنية وغير الأخلاقية» التي اعتمدتها الصحيفة في تغطية ثورة 25 يناير، والتي «أساءت إلى سمعة الأهرام ومكانتها في الداخل والخارج».

وأوضح الصحافيون المعتذرون أن الصحيفة «عانت من سنوات استبداد وفساد، وظلت حبيسة قيادات اختيرت على أسس غير مهنية، إذ كان المعيار الأول هو الولاء للحاكم وأسرته والحزب وأجهزة الأمن».

وإذا كان شعار الكثير من الصحف القومية ظل على مدى سنوات «الله... الحاكم... الحزب... الأمن»، فإن محاولة تبديله هذه الأيام بـ «الله... من سيحكم... الحزب الذي سينتمي إليه... الأمن الذي سيحميه» ما زالت غير مؤكدة.

أمينة خيري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...