الموت في قصائد لشعراء روس

19-08-2011

الموت في قصائد لشعراء روس

الموت - موضوع ثقيل ومظلم لكنه، مع الأسف، نهاية حتمية للإنسان. وعاجلاً أو آجلاً لا بد وسيتجه إليه فكر المبدعين بمن فيهم الشعراء.. وقد كانت فكرة الموت حاضرة بقوة في قصائد الكثير من الشعراء الروس الكبار. I ميخائيل ليرمنتَف "غرام إنسان متوفى" دعِ التراب البارد يطمرني، أوه، أيها الصديق! إن روحي دائماً معك. وأنا، ساكن القبر، في بلاد الهدوء والنسيان، لم أنسَ ضنى حبك المجنون. مغادراً الدنيا بلا وجل في لحظة العذاب الأخير، كنتُ آمل بسعادة الفراق – لكن لا فراق. رأيتُ روعة الحوريات، لكني حزنتُ، إذ لم أتعرف على صورتك في ملامح السماء. ماذا يعنيني بهاء الحُكم الإلهي وما قيمة جنة الخلد بالنسبة لي؟ فأنا حملتُ أشواقي الأرضية معي إلى هناك. وأنا أناغي حلمي العزيز وحده في كل مكان. أتمنى وأبكي وأغار كما كنتُ من زمان. فإذا ما لامس تنهّدي العجيب وجنيتك، فإن روحي ترتعش كلها في عذاب صامت. وإذا ما حدث وهمستِ باسم آخر وأنت تغفو، فإن كلماتك تسري عليَّ كالنار وهي تلتهب. لا يجدر بك أن تعشقي آخر، كلا، لا يجدر. فأنتِ مخطوبة للميت بكلمة ولا أقدس. هل من مغزى، يا أسفاه، لخوفك أو لصلواتك؟ فأنتِ تعرفين أنه لا حاجة بي للدنيا مع النسيان ! II الكساندر بلوك "إليك، إليك من عالم الآخرة" إليك، إليك، من عالم الآخرة، يا صديقي، يا ملاكي، يا سُنّتي! اغفر الشاعر المجنون، فهو لن يعود إليك. كنتُ مخبولاً وحزيناً، لقد ضللتُ قدري، فأنا ملسوع بحلم ذهبي وببعض الغموض في القبر. لقد أشرقتِ لي في الليل، وحملتِني خارج هذه الحياة البائسة، خفضتِ عينيك قليلاً واحتضنتِ موزا الخاصة بي. فسمعتُ في القبر صوت الطيور، كان الربيع قريباً والتراب كان رطباً. واللعب الغامض لجدائل البنت الذهبية كان بالنسبة لي جلياً. III فيودر توتشيف 1 كم أتمنى أن أستلقي في قبري مثلما أنا الآن استلقي على مسندي. لكانت مضت قرون بعد قرون وأنا أصغي إليك صامتاً إلى الأبد. 2 "أغنية" (محاكاة شكسبير) زأر أسد جائع، وعوى ذئب على القمر؛ واستغرق فلاح تعس في نومه بعد أن أمضى نهاره بصعوبة. خَبَتِ الجمرات في الموقد، وصاحت بومة كبيرة بضرواة، وتنبأ كَفَنٌ سريع ناعياً المريض عند نهر أودرا. في هذه اللحظة، كلُّ المقابر تُخرِج الأموات من أشداق القبور إلى عتمة القمر الباردة. IV آنّا أخماتوفا 1 "إلى الموت " سوف تجيء على كل حال. فلماذا ليس الآن؟ فأنا بانتظارك – و هذا ثقيل جداً عليَّ. لقد أطفأتُ الضوء وشرّعت الباب لك، يا أيها الساحر والعادي. ولتتخذ لأجل ذلك ما شئت من هيئة، فلتدخل كما القذيفة المسمومة أو تسلّل مع وزنٍ كما لو لص محنّك، أو سمِّمني بداء التيفوئيد، أو بحكاية تخترعها أنت لكنها معروفة للجميع حتى الغثيان – بحيث أشاهد قمة القبعة الزرقاء والمسؤول عن البيت وقد شحب من الخوف. الأمر سيان بالنسبة لي الآن. فنهر ينيسي يتصاعد و نجمة الشمال تتلألأ. والبريق الأزرق للعيون العاشقة يطمس آخر بقايا الذعر. 2 "حين يموت إنسان" حين يموت إنسان تتبدل صور وجهه. فالعينان تنظران بشكل مغاير وتتغير ابتسامة الشفتين. لقد لاحظت ذلك وأنا عائدة من مراسم دفن لشاعر. مذذاك رحتُ أدقق كثيراً، وقد تأكَّد حدْسي. V أفاناسي فيت "موت" "أريد أن أحيا!- يصرخ جسورٌ بكل كيانه. ليكن خداع! أوه، امنحني الخداع!" ولا يخطر بباله أبداً أنه الجليد للحظة، بينما هناك، تحته، محيط بلا قاع. أيهرب؟ إلى أين؟ فأين الحق وأين الخطيئة؟ وأين السند لكي يمدَّ يديه إليه؟ تحت كلِّ بزوغ حياة وكل ابتسامة يتقدّم الموت بكل زهو. عبثاً يبحث العميان عن الدرب، معتمدين على أحاسيس أدلائهم العميان؛ فإذا كانت الحياة بازار الله الصاخبة، فإنَّ الموتَ وحده – معبده الخالد. VI مارينا تسفيتاييفا 1 "البنيّة – الموت" غسل القمر الأرضية الباردة بموجة سويّة بلون الحليب. رحتُ أغفو تحت القمر بحلاوة، ضاغطاً الباقة إلى خدي الملتهب. انتابني قلق مضاعف من الحلم والضياء، ففتحتُ عينيَّ النعستين. وإذ بالبنيّة – الموت ينحني فوقي كملاك زهري بلا أجنحة. كانت قلادة تهتز في عنقها الدقيق، وحمرة تنساب على الخدين، ويبدو أنها ركضت: ثمّة بعض الغبار على خفِّها الأزرق. كان ثمة خيط فيروزي في شعرها الأجعد يزيِّن ببهرجة كبيرة أهدابها المذهبة. "أنت – ولد صغير وأنا – بنيّة: وسوف نتسلّى معاً في الطريق. فهيا البس (أنت فارس) شالي المطرّز!" فقدّمتُ لها الباقة بصمت... وراح القمر يغسل الأرضية بموجة حليبية سويّة وباردة. 2 "الموت – يعني لا" الموت – هو لا، الموت – هو لا، الموت – هو لا. لا – للأمهات، لا – للخبازين. ) مسمار – لن تلتهمه) الموت – يعني هكذا: بيتاً غير مكتمل، ابناً لم تنجز إنضاجه، حزمة بقيت غير مربوطة، تنهيدة غير كاملة، صرخة محبوسة. أما أنا – فأعني بلى، بلى- للأبد، بلى – على الرغم، بلى – عبر كلِّ شيء، حتى لك سأصرخ أنْ لا! هذا يعني – لا، هذا يعني – هراء، مجرد كذب روزنامي! VII إيفان بونين 1 "أنا، مَن عرف صمتَ القبور" أنا، مَن عرف صمت القبور، أنا، مَن ذاق أحزان الظلام، من أعماق الأرض أُقرُّ للتراب أفعالَ الجَمال الذي لا يغيب! 2 "الدنيا أقفرت.. والتراب همَدَ.." الدنيا أقفرت... هَمَدَ التراب.. عاصفة ثلجية كنست الجثث، وقد حجبتِ النجومَ بالريح، وراحت تدق الأجراس في العتمة.

إبراهيم استنبولي

المصدر:  السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...