قصائد نثر لأبي القاسم الشابي تنشر لأول مرة
يتضمن كتاب «صفحات من كتاب الوجود – القصائد النثرية» إعداد وسوف عبيد والصادر عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» تونس- لشاعر تونس الشهير أبي القاسم الشابي الذي صدر بمناسبة مرور مئة عام على ميلاده، دراسة نقدية لشعره ومراحل تطوره. الكتاب من إعداد ودراسة وسوف عبيد، ويتضمن، إضافة إلى ما تقدم، القصائد النثرية الخمس عشرة التي كتبها الشابي، وتُنشر لأول مرة كاملة في كتاب واحد، وقد سبق عرض القصائد دراسات نقدية في كل قصيدة على حدة.
ويعتبر وسوف عبيد أن الشابي بدأ مسيرته «بتقليد الشعر القديم في الأغراض والمعاني والصور والمعجم اللغوي والأسلوب الفني والإيقاع الخليلي» . فهو «شاعر تقليدي» بكل ما تحمله الكلمة من معنى . وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل شعريته التي بدأت منذ العام 1923.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة «التجريب» كما يسميها عبيد. وتبدأ من قصيدة «تونس النادبة»التي تعتبر بداية خروج الشابي عن أنماط الأولين في المعنى والمبنى. مع هذا، فإن رواسب التقليدية لم تزل مبثوثة هنا وهناك، ولم تكن هذه المرحلة حاسمة في خروج الشابي عن البنى التقليدية للشعر العربي. يمكن اعتبارها، إذاً، المرحلة الأولى باتجاه الحسم.
المرحلة الثالثة هي مرحلة «التحول». فإذا كانت مرحلة التجريب بدأت بقصيدة «تونس النادبة» فإن التحول حدث مع قصيدة «تونس الجميلة». التي كتبها عام 1925 وهي «مرحلة حاسمة في مسيرة الشابي الشعرية، لأنها القصيدة المفصل التي نقرأ فيها علامات التطور الفكري والفني لدى الشابي». و قد يشي مطلعها بهذا التغير:
«لست أبكي لعسف ليل طويل أو لربـع غـدا العـفاء مراحهْ
إنـما عبرتي لخطب ثقيل قد عرانا ولم نجد من أزاحهْ»
ثم يعتبر الكاتب أن الشابي «بعد أن اكتسب الأدوات الشعرية وأضحى يجيد مختلف تعبيراتها التقليدية، صار يرنو إلى كتابة قصائد ذات نفس جديد... ثم انطلق بعدها إلى كتابة «القصيد النثري» كما سماه . وقد بدا كتابته منذ صيف 1925.
يعتبر الكاتب أن أبا القاسم الشابي كان في «تونس وبلاد المغرب العربي رائد قصيد النثر – إلى أن يثبت خلاف ذلك- حيث إنه كتب قصائده الأولى فيه منذ سنة 1925 ضمن انخراطه المبكر في المشروع التجديدي الذي بشّر به في كتابه (الخيال الشعري عند العرب) معتبراً أن التجديد لا يعني أبداً القطيعة أو الهدم لإنجازات القديم». ثم يعتبر عبيد أن «سيطرة الذائقة التقليدية بمقاييسها المتشددة في الشعر كبحت وقتذاك، إلى حد ما، اندفاع الشابي العارم نحو التجديد والمضي به أكثر». ويعتبر أن هذا التشدّد هو الذي جعل الناشرين ينشرون قصائد الشابي النثرية ضمن أنواع أخرى من أشكال فنية كتب فيها الشابي، فوصلت متداخلة مع أشكال أخرى، وتحت عناوين عامة، الأمر الذي جعلها تضيع بوصفها قصائد نثر، رغم أن الشابي كان واعياً للشكل الجديد الذي يكتب به، بدليل أنه ذكر ذلك في رسالة إلى أحد أصدقائه من أنه يكتب «الشعر المنثور» تحت عنوان عريض هو (صفحات من كتاب الوجود) وهو عنوان الكتاب الذي ينشر اليوم، لأول مرة بوصفه ديواناً يتضمن مجموعة من قصائد النثر التي كتبها شاعر تونس الكبير.
ثم يذكر الكاتب نقطة قد تكون مهمة، وهي أن الديوان الوحيد الذي صدر للشابي بعد وفاته بأكثر من عشرين عاماً بعنوان «أغاني الحياة» لم يكن على الشكل الذي كتبه فيه الشابي. وإن تتالي إصدارات الديوان لم تجعله، ولا مرة، على الشكل الذي كتبه فيه صاحبه! حتى إن الأعمال الكاملة لم تكن كذلك. فمرة تضاف قصائد يذكر أنها تنشر لأول مرة، ومرة تحذف قصائد لأسباب غامضة، ومرة أخرى تذكر مطالع بعض القصائد وليس كلها مع أنها منشورة كاملة في أمكنة أخرى إن في صحف ودوريات أو في بعض الدراسات..
ثم يدعو الكاتب لأن تتم تحقيق أعمال الشابي من جديد، وتبويبها تبوباً دقيقاً وعلى الشكل الذي تركه عليه صاحبه دون تدخل.
كندة السوادي
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد