التوجه نحو دراما عربية بوصفة تركية
لا ينتهي الحديث عن أزمات تسويق وتوزيع الأعمال الدرامية على الفضائيات العربية، والاختلال ما بين العرض والطلب، مع تراجع كبير في سوق الإعلان العربية، نتيجة ما تشهده المنطقة العربية من حراك شعبي وثورات وضعت المنطقة على صفيح ساخن. ويبدو أن المنتجين الدراميين، ممن تقف خلفهم فضائيات كبرى، قد أدركوا أن جبن الرأسمال من شأنه أن يؤخر العديد من مشاريعهم الدرامية، فاتبعوا سياسة "جد بالموجود"، و"العب بالمقصقص ليأتيك الصحيح". فاتجهوا نحو الدراما التركية المدبلجة إلى اللهجة الشامية، واشتروا منها ما يملأ ساعات طويلة من البث الفضائي، بعدما اكتشفوا أن ثمن الساعة الدرامية منها أقل بكثير مما قد يدفعونه ثمنا لساعة درامية عربية.
ومع تراجع تهافت الجمهور العربي على الدراما التركية، وافتقاد هذه الأخيرة لأسباب جاذبيتها مع تكرار موضوعات أغلبها، ونمطية معالجتها الدرامية، صار لزاماً على المنتجين الدراميين البحث عن وصفة جديدة تجذب الجمهور طويلا أمام الشاشة، وفي الوقت ذاته لا ترهق الحقيبة الإنتاجية للعمل، وهو ما وجده المنتجون في الوصفة التركية لإنتاج المسلسلات، أي إنتاج مسلسلات طويلة، بعدد ساعات درامية تتجاوز ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف عدد حلقات المسلسل العربي التقليدي، البالغ ثلاثين حلقة.
وانطلاقا من ذلك، أنتج في العام الفائت المسلسل الطويل "مطلوب رجال" للمخرج حاتم علي، الذي يستعد حالياً للبدء يتصوير مسلسله الطويل الجديد "المنتقم". فيما ينتظر الجمهور العربي في 25 من الشهر الجاري بدء عرض مسلسل "روبي" على قناة "ام بي سي"، وهو مكون من تسعين حلقة أخرجها الفنان السوري رامي حنا.
ولن يكون سر الوصفة الدرامية التركية في عدد حلقات مسلسلاتها، وإنما في كلفتها الإنتاجية التي ستترتب نتيجة هذا العدد الكبير من الحلقات، والوقت الإنتاجي اللازم لتنفيذها. وبالحساب: فإن الزمن الإنتاجي لتنفيذ ثلاثين حلقة من مسلسل مكون من تسعين حلقة على سبيل المثال، هو أقل بكثير من تنفيذ مسلسل مكون من ثلاثين حلقة، وبطبيعة الحال فإن تعاقد ممثل على تجسيد شخصية ما في مسلسل من تسعين حلقة، سيكون أقل مما يمكن أن يتقاضاه من أجر على ثلاثة مسلسلات كل منها مكون من ثلاثين حلقة.. وتنطبق القاعدة ذاتها على أجر كل من المخرج والكاتب.
ولا نحتاج لكثير من البراهين للقول ان التكاليف الإنتاجية الأخرى لإنتاج مسلسل من تسعين حلقة، ستكون أقل من التكاليف الإنتاجية لإنتاج ثلاثة مسلسلات. ففي المسلسل الطويل ثمة ديكور واحد لثلاثة مسلسلات أو أكثر، وثمة تقليص لما يمكن أن نسميه تكاليف التحضير الإنتاجية قبل التصوير.
على هذا النحو يضرب منتجو تلك المسلسلات (وأغلبهم يعملون لصالح فضائيات عربية) عصفورين بحجر واحد، حين قدموا مسلسلات عربية بوجوه تمثيلية معروفة عند الجمهور العربي، وفي الوقت ذاته خففوا الكلفة الإنتاجية للساعة الدرامية الواحدة، الأمر الذي يؤكد أن موضة المسلسلات الطويلة، بالحساب لا بالشعارات، ليست أكثر من لعبة إنتاجية، "تسوق حسب السوق".
.. ولندع جانباً الكلام الرنان عن نزول الفضائيات العربية في إنتاج هذه المسلسلات عند رغبة الجمهور!
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد