بن جونسون بعيداً عن ظلال شكسبير
يعيد الكاتب ايان دونالدسون إلى الأذهان في بحث مستفيض وبأسلوب شائق السيرة الذاتية لبن جونسون بعنوان: «Benjonson:a life»..
ويبدو أن لدونالدسون مسوغاته التي تدعوه إلى القيام بذلك. فعلى الرغم من بروز نجم شكسبير آنذاك, كان جونسون يعد شخصية رئيسة في عالم الأدب, ساهمت في تطوير المسرح البريطاني كما فعل شكسبير على اقل تقدير خلال السنوات التي تم فيها تقديم مسرحياته أول مرة.
أوضح دونالدسون في مذكراته أن بن جونسون فعل ما في وسعه ليرقى بالمسرح, ويغير من مكانة المؤلف المسرحي في بدايات العصر الحديث في إنكلترا، كما دافع بجرأة عن شرف المهنة وحقوق ملكية المؤلف. فقد أراد أن يخلق من المؤلف المسرحي شخصية لها كيانها, لذلك حرص على أن يتم إبراز اسم المؤلف على نحو واضح, ليتسنى للقارئ فيما بعد, التعرف إلى الكاتب من خلال العمل نفسه, عبر اللغة والطريقة اللتين تميزان إبداع كل كاتب.
بدأ دونالدسون مذكراته برحلة جونسون إلى اسكتلندا. كان ذلك في عام 1618 وعمره في ذلك الحين 46 عاماً, حيث كانت خطوطه الموجزة التي ضمنها الكتاب مصدراً رئيساً للباحثين، على الرغم من أنها بدت للبعض مبهمة ومشكوكاً فيها، وذلك بسبب بعض الملاحظات الجانبية التي أشارت إلى أعمال جونسون في لندن على أنها أعمال فنية بسيطة, لا تضيف إلى الأدب أي قيمة فنية، وبينت أن جون دون, هو الشاعر العظيم. أما بن جونسون فقد اكتسب شهرته من كونه صديقاً ومعاصراً له. والأكثر من ذلك فإن البعض رفض مقارنته بشكسبير الذي يعتمد البراعة والفن أساساً لأعماله. مما لا يدع مجالاً للشك فإن جونسون أفضل قراءة من شكسبير بتأكيد العديد من النقاد والأدباء، على الرغم من تقاطعهما بعدة أمور, لعل أبرزها البداية المتواضعة لكليهما. فجونسون ينحدر من أصول اسكتلندية، كما أن ميلاده مسألة فيها بعض التخمين. والده توفي قبل ولادته بشهر. نشأ وترعرع في لندن، حيث رباه زوج أمه البنِاء الذي أراده أن يحذو حذوه فعمل معه فترة من الزمن, من دون أن تنسيه قسوة المهنة, التفكير في الأدب والشعر. وتمكن بفضل ذكائه من احتلال مكانة له في أفضل المدارس في لندن. كان ضليعاً بعدة لغات لعل اللاتينية واحدة منها. وربما لذلك أوجب البعض عقابه لعدم محافظته على لغته الأم، وتمادى آخرون في اتهامه بالابتعاد عن لهجته.
وعن كتاباته في المسرح, تشير المذكرات إلى أن نجمه بدأ بالصعود عام 1598 عندما كتب مسرحية «كل رجل في روحه» ثم بدأ بكتابة مسرحيات هجائية ساخرة هاجم فيها المسرحيين الآخرين وعلى نحو خاص مارستون وديكر. وفي عام 1603 كتب مسرحية تراجيدية ثم كتب مسرحية كاثلين ومسرحية الثعلب وأخرى بعنوان المرأة الصامتة وغيرها من المسرحيات. Sejanus
ورغم ذلك التعدد في الأعمال المسرحية، فإنه تذمر يوماً قائلاً: إنها بالكاد تقيه من العوز والذل على حد تعبيره ومن مناشدة مصادر روحه وإلهامه من أجل التماس القليل من المال، ولأن السير على هذا المنوال لم يكن حرفة مربحة, فقد كان التفكير في نشر أعماله أمراً لا مفر منه.
في مذكرات دونالدسون مختارات رائعة من شعر بن جونسون التي نظم الكثير منها, إما لتمجيد رعاة الفنون والأدب، وإما لوصف التمثيليات التي تتخللها الموسيقا والغناء التي كثيراً ما شاعت في القرنين الـسادس عشر والسابع عشر, إضافة إلى قصيدته الشهيرة إلى سيليا التي قدم فيها الحب في أجمل صوره قائلاً:
«لعينيك فقط نشرب النخب، وستقسم لك بالحب عيناي، أو ضعي قبلة في الكأس وأقول للخمر وداعاً، ولئن رشفت من الجنة خمراً ما بغيت عن خمرك حولاً. في الأمس أرسلت لك ورداً لا لمنزلتك وحدها وإنما ليظل نضراً بين يديك، شممت الورد، ورددته... أقسم لك من حينها والورد ينمو ويترعرع، ما من نفسه يزهو، بل منك أنت، ويتضوع».
عن الغارديان
ترجمة: إيمان الذنون- تشرين
إضافة تعليق جديد