أطول حرب أهلية في القرن العشرين مازالت مستمرة
الجمل: انطلقت أولى الرصاصات في جنوب السودان، في آب عام 1955م، معلنة عن قيام الحرب الأهلية الأطول في القرن العشرين، ومن أبرز الملاحظات حول هذه الحرب نجد الآتي:
• نال السودان استقلاله في كانون الثاني 1956، وبالتالي فقد اندلعت الحرب الأهلية قبل استقلال السودان بأربعة أشهر، الأمر الذي يؤكد أن جذور هذه الحرب الأهلية تعود إلى فترة ما قبل الاستقلال، أي إلى فترة الحكم الاستعماري البريطاني، والذي استمر زهاء 55 عاماً، كان السودانيون يعشون مئات السنوات بسلام ووئام بلا حروب أهلية أو قبلية.
• إن عدد القتلى في هذه الحرب بلغ حوالي 2 مليون قتيل، وهو أكبر عدد قتلى في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية.
• إن نفقات هذه الحرب تجاوزت الـ60 مليار دولار وهو مبلغ يعادل تقريباً نصف الديون الخارجية للعالم العربي.
إزاء حالة اللامنتصر واللامهزوم في حرب جنوب السودان الأهلية، لجأت الأطراف الأجنبية ممثلة في إسرائيل وأمريكا بمساعدة (بعض الدول العربية)، إلى توسيع نطاق الحرب الأهلية، وذلك بنقلها إلى مناطق السودان الأخرى، وتم ذلك على النحو الآتي:
- شرق السودان: وتمت العملية بمساعدة أرتيريا، والمعارضة السياسية السودانية المتمركزة في القاهرة، بحيث تم تجنيد أبناء القبائل الحدودية مع أرتيريا، وبالذات مجموعة (البني عامر)، و(الهدندوة)، و(البجا)، و(رشايده).. ضمن فصيلين، الأول حمل اسم تنظيم مؤتمر البجا، والثاني تنظيم الأسود الحرة، وذلك إضافة إلى ميليشيات الأحزاب السياسية السودانية الطائفية.. إضافة إلى ذلك قامت حركة التمرد في جنوب السودان بنقل قوة قوامها 10 آلاف مقاتل بوساطة الطائرات الأمريكية والإسرائيلية التي تولت عملية نقل هذه القوات من أوغندا إلى أرتيريا، وعلى هذا النحو تم فتح جبهة قتال حدودي واسعة من الناحية الشرقية المتاخمة للحدود الأرتيرية.
- غرب السودان: واستناداً إلى المساعدات الإسرائيلية والأمريكية، تم القيام بتجنيد عدد كبير من أبناء القبائل السودانية الموجودة في مناطق الحدود السودانية- التشادية، على النحو الذي أدى إلى تفجير مشكلة دارفور، وبالتالي انفتحت جبهة القتال الثالثة في غرب السودان، بشكل مفاجئ في مطلع عام 2003م، بالهجمات المتتالية التي قام بتنفيذها فصيلان هما: جيش تحرير السودان، وحركة العدالة والمساواة.
حركات التمرد السودانية التي توجد أضلاعها الثلاثة في: الجنوب، والشرق، والغرب.. وبرغم الخلافات والتباينات التي تبدو وتظهر لأول وهلة بين أطرافها، إلا أن النظرة الفاحصة تؤكد أن هذه الأطراف تشكل كياناً واحداً، وذلك على أساس الاعتبارات الآتية:
• ان برامج هذه الحركات تمثل نسخة واحدة من برامج حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان، التي تمثل الفصيل الرئيس لحركات التمرد الجنوبي السودانية، (يوجد في جنوب السودان حوالي 40 فصيلاً مسلحاً).
• ان الأطراف الخارجية التي تدعم هذه الحركات هي إسرائيل وأمريكا، وبالتالي فهذه الحركات ترتبط بأجندة واحدة، هي المشروع الإسرائيلي الأمريكي.
• ان دول الجوار التي تدعم هذه الحركات تمثل شيئاً واحداً بالمقاييس الدولية والإقليمية، وذلك من حيث ارتباطها بإسرائيل وأمريكا، وكل ما في الأمر أن دول الجوار الإقليمي تقوم فقط بتوزيع الأداء بينها: (أرتيريا تدعم متمردي شرق السودان)، )تشاد تدعم متمردي دارفور في غرب السودان)، (أوغندا تدعم متمردي جنوب السودان)، و(مصر تشرف على دعم المعارضة السياسية الشمالية المقيمة في القاهرة).
أدت الضغوط الإقليمية بوساطة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، والدولية بوساطة الأمم المتحدة، إلى قيام سلسلة من اتفاقيات السلام، هي:
- اتفاقية السلام مع الفصيل الرئيسي لمتمردي السودان، وتم التوقيع عليها في كينيا.
- اتفاقية السلام مع الفصيل الرئيسي لمتمردي دارفور في غرب السودان تم التوقيع عليها في العاصمة الأرتيرية أسمرا.
والجدير ذكره أن كل اتفاقيات السلام هذه تتضمن عدداً من الملامح المتشابهة:
• تركز على قسمة الثروة والسلطة، وذلك على النحو الذي يعطي لحركات التمرد سياسية إقليمية في المناطق الخاصة بها، إضافة إلى أنه يعطيها نصيباً من عائدات الإقليم.
• تسمح هذه الاتفاقيات لحركات التمرد الإبقاء على سلاحها وميليشياتها لفترة انتقالية.
• توجد أطراف خارجية ضامنة لهذه الاتفاقيات.
• توجد أطراف داخلية معارضة بشدة لهذه الاتفاقيات، وبالذات في مناطق التمرد نفسها، فالكثير من سكان جنوب السودان يعارضون اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة مع حركة التمرد، وأيضاً سكان دارفور، يعارضون اتفاق أبوجا، وسكان شرق السودان يعارضون اتفاق أسمرا.
وعلى خلفية كل هذه الاتفاقيات، ظلت الإدارة الأمريكية الداعمة لحركات التمرد، تشدد في فرض المضايقات والعقوبات ضد السودان.
وحالياً الضغوط الدولية ضد السودان والتي تقف وراءها الإدارة الأمريكية أصبحت أكثر من الضغوط الدولية التي كانت مفروضة على السودان خلال فترة الحرب، وبالتالي فقد بدا واضحاً أن فرض هذا النوع من الضغوط، وبهذا الشكل، وفي هذا التوقيت يهدف إلى إفشال اتفاقيات السلام وتمهيد المسرح السوداني لجولات جديدة من الحرب الأهلية الشاملة، والتي يتوقع اندلاعها خلال الأعوام الأربعة القادمة.
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد