الدراما السورية تشرب حليب السباع و تنعش الحوار الوطني في الشارع
الجمل - أحمد الخليل : حضرت الدراما التلفزيونية السورية في كل النقاشات اليومية التي تدور بين الموظفين في دوائرهم ومكاتبهم أو بين أفراد الاسر في البيوت أوبين الاصدقاء في المقاهي ....المسلسلات السورية لهذا الموسم الرمضاني أطلقت نقاشا حارا وصريحا بين الناس، فالاحاديث التي كانت تدور همسا خلف الابواب المغلقة أصبحت علنية بعد أن تراجع الخوف الى حد كبير ... فقضايا الفساد الكبرى التي ناقشتها بعض المسلسلات (غزلان في غابة الذئاب- أسياد المال- الوزير وسعادة حرمه...) أعطت السوريين جرعة جرأة جديدة وبدأت الاسقاطات الواقعية لشخصيات الاعمال الدرامية (فهذا الرجل يمثل محمود الزعبي رئيس وزراء سورية السابق، انتحر عام 2000- وهذا يمثل عصابات الشبيحة ...وهذا يمثل الضابط س وذاك يمثل التاجر ع...) فالمشاهد السوري تفاعل مع مسلسلات رمضان اليومية ليوقظ ذاكرته (المحشوة) بقصص الفساد والظلم والفقر وانعدام الحريات، وما يراه اليوم على شاشته من طروحات وحوارات وأفكار كانت تودي يوما ما بأصحابها الى المعتقلات لسنوات طويلة...
وحتى قضية المعتقلين والسجون السياسية دخلت كوضوع جديد في بعض المسلسلات (مرايا 2006 – فسحة سماوية....) وهذه الموضوعات وغيرها مما كان يقال مواربة أصبح صريحا كأسماء السجون والاحكام العرفية وحقوق الانسان... وجرائم الشرف وقضايا الجنس وفساد الاجهزة الامنية..
البعض من السوريين بقي حذرا معتبرا ما يشاهده مجرد فسحة صغيرة سرعان ما تغلق..كما حدث مع ظاهرة المنتديات المدنية والثقافية عام ( 2000 و2001) وهي حسب هذا البعض مجرد تراخ مؤقت من السلطة ستعود بعدها الى طبيعتها (فالطبع غلب التطبع)
آخرون رأوا المسألة ظاهرة مقصودة هدفها التنفيس عن الناس لتخفيف الاحتقان الموجود عند طبقات الدخل المحدود، مشبهين ظاهرة مسلسلات رمضان بمسرحيات دريد لحام ومحمد الماغوط التي كانت الوحيدة التي تغرد خارج السرب بموافقة السلطة لتلميع صورتها ليس الا..
وهناك الكثير من الجمهور الذي يرى أن المناخ الذي سمح لهذه المسلسلات بالعرض على الشاشة الوطنية هو مناخ حقيقي يدل على بدايات حقيقية للاصلاح السياسي وليس مجرد (هبة)
ويذهب البعض من تيار التفاؤل أبعد من ذلك ليقارن واقع اليوم بواقع البارحة فمن كان يعتقل لعدة سنوات لمجرد التصريح برأيه المعارض لرأي السلطة وخاصة فترة الثمانينات، قد لا يتعرض لاية مضايقات اليوم أو ربما يتعرض لاستدعاء (لبق) من جهاز (لبق) على أبعد تقدير..
المتشائمون يدحضون أنصار جرأة الدراما ومناخ الحرية بأدلة كثيرة كاعتقال جماعات حقوق الانسان مؤخرا وبعض موقعي اعلان بيروت- دمشق...أو بعض المحتجين الاكراد ....) وبالتالي يناقض الواقع السوري الدراما السورية التي تمثل المستقبل المشتهى أكثر من الواقع المعاش.
اذا فتحت الدراما السورية الباب على مصراعيه لنقاش محتدم موضوعه مستقبل البلد والاصلاح السياسي والحريات والفقر الفساد وكفاها فخرا بذلك (يقول متحمس درامي) فالدراما مهمتها كسر الجليد وخلخلة جبال الخوف الجاثمة على الصدور منذ أكثر من أربعين عاما، فالاحاديث اليومية التي تدور حول حلقات مسلسل مرايا أو غزلان في غابة الذئاب أو الانتظار ....في المكاتب والسهرات والمقاهي دليل على دور الدراما الهام في مسيرة الاصلاح والقاء الضوء على العقبات التي تعترض هذه المسيرة...
ولكن من جانب آخر ألا يطرح انتشار الدراما واهتمام الناس بها مشكلة هامة؟
الدراما التلفزيونية تهمش المثقف والثقافة بمعناها التقليدي فالمثقف المشغول بانتاج خطاب تنويري مناهض لخطاب الاستبداد والظلامية التي تنتجه بعض الانظمة والتنظيمات يتراجع دوره لصالح الشاشة الصغيرة التي تسحوذ على المشاهد في كل حالاته فيصبح منفعلا بها (الشاشة) لتزداد بالتالي حالة الكسل الفكرية لديه فهو ينتصر في المسلسل ويحل مشاكله من خلال بطله المفضل الذي يتماهى معه أثناء المشاهدة..(نصار بن عريبي في مسلسل الخوالي- ماهر في مسلسل الهشيم مثلا)، بينما يتقوقع المثقف في عزلته فاقدا لاية آلية تواصل بينه وبين جمهوره المفترض والذي يتسمر مساء أمام شاشة التلفزيون ليتابع بطله المفضل، وبالتالي يصبح مصير المثقف التنويري ليس بذات أهمية لدى الجمهور التلفزيوني، فاعتقال مفكر بمستوى عارف دليلة مثلا لا يوازي حادث سير يتعرض له أي ممثل تلفزيوني !! اذا الاصلاح بمعناه الدرامي تعويض فني لاصلاح حقيقي غائب في الواقع يفتقد لحامله الاجتماعي والسياسي دون أن ننفي دور الفن كمستشرف للمستقبل لكن لايعني ازدهاره بالضرورة ازدهار الحياة وتطور المجتمع...
الجمل
إضافة تعليق جديد