تونس ما بعد الثورة مشغولة بـ... «بكارتها»
«عذارى؟ الحياة الجنسية الجديدة للتونسيات» عنوان كتاب صدر بالفرنسية قبل أيام ليشعل الجدل في المجتمع التونسي، الذي كان يتباهى بحداثته قبل أن يستفيق ليجد أنّ كل ما يتعلق بالحرية أصبح مشكوكاً فيه! في عملها الصادر عن «دار سيراس» التونسية، اقتحمت نادرة بن إسماعيل منطقة كانت مبعدة عن دائرة السؤال في مجتمع عربي إسلامي يطغى عليه التفكير الذكوري.
لقد دخلت العالمة التونسية منطقة محظورة ترتبط في المخيال العام بـ «الشرف» و«الفحولة» واحتفالات «ليلة الدخلة» المحفوفة بالطقوس الأسطورية أحياناً، لكن المحللة النفسية التونسية اعتمدت في كتابها على أدوات التحليل العلمي لتصل الى مجموعة من المقاربات والمعطيات الإحصائية عن معدلات رتق العذرية في تونس. هكذا، اكتشفت أنّ الحداثة والحرية، التي تعيشها المرأة التونسية منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية في ١٣ آب (أغسطس) ١٩٥٦، لم تغيرا شيئاً من بنية التفكير عندما يتعلق الأمر بالعذرية. ما زالت هذه الأخيرة يُنظر إليها على أنّها مقياس للشرف ولعفّة المرأة، ما يدفع ٧٥ في المئة من التونسيات إلى رتق البكارة من أجل إقناع العريس بأنهن عذارى!
أحدث كتاب نادرة بن اسماعيل الكثير من الجدل لأنّه كشف ظاهرة لم يكن كثيرون ينتبهون اليها، وأماط اللثام عن حجم التناقضات التي تعصف بالمجتمع التونسي، فتأخّر سن الزواج الى ثلاثين سنة يُجبر الفتاة على التنازل عن عذريتها في علاقات عاطفية تتوّج أحياناً بالزواج، وغالباً لا يتم الارتباط، لأنّ الشاب التونسي والعربي عموماً يعتقد أنّ الفتاة التي وافقت على خوض علاقة جنسية معه أدّت الى فضّ بكارتها، قادرة على أن تفعل الشيء نفسه مع غيره، وبالتالي، فهي لديها استعداد فطري للخيانة الزوجية! منطق أعرج ومتخلّف يكشف عن العطب الموجود في بنية التفكير العربي، والفصام الاجتماعي والعقل الذكوري الذي يجعل الفتاة التي تفقد بكارتها امرأة «سيئة السمعة». ولذلك تختار الفتيات عملية رتق البكارة لاستعادة العذرية وإنقاذ «صورتهنّ» في ليلة الزواج المعروفة بـ «ليلة الدخلة». ليلة ترتبط غالباً بصورة الدم في المخيال الجماعي في عملية تشبه الاغتصاب الجماعي الرمزي!
لقد كشف هذا الكتاب بالأرقام عن حجم انتشار الظاهرة، وخصوصاً بعد الثورة: بعدما كانت منتشرة خلال العقود الأخيرة، شهدت عمليات رتق البكارة ازدياداً كبيراً منذ كانون الأول (ديسمبر) 2010. لقد اعترفت ٧٥ في المئة من الفتيات بأنّهن خضعن لهذه العملية التي تصل كلفتها الى حوالى ٣٠٠ يورو، فالعذرية هاجس حقيقي للفتاة في المجتمع العربي بما فيه التونسي. ورغم ما حققه من حداثة ظاهرة، الا أنّ بنية تفكير بلد الطاهر الحداد في ما يتعلق بـ «المقدس» (والعذرية أحد المقدسات الاجتماعية) لم يتغيّر. لذلك وجدت الفتاة التونسية في رتق البكارة حلاً للتوفيق بين تحقيق حلم الزواج، وخصوصاً الأمومة، وتفادي «النفي الاجتماعي» وبين ممارسة حياة جنسية شبه طبيعية قبل الزواج. وقد توقفت الباحثة ملياً عند المعاناة النفسية للفتاة التي تفقد عذريتها في قصة حب، فتجد نفسها وحدها في مواجهة مصيرها الاجتماعي، وتضطر إلى إجراء عملية رتق البكارة ليتزايد حجم عذابها النفسي لأنّها ستعيش كذبة «العذرية» مع زوجها الذي لا يعلم شيئاً عن «ماضيها الجنسي».
صحيح أنّ الكتاب ألقى حجراً في مياه راكدة، لكنّ كثيرين يعتقدون أنّ صدوره بالفرنسية خفّف حدة الجدل، فلو صدر باللغة العربية، لكانت بعض الأوساط المتشددة تلقفته واعتبرته مخلاً بالحياء رغم أنّه كتاب علمي لا يخرج عن علم النفس الاجتماعي.
بين دمنهور ونيويورك...
قسِّم Vierges? La nouvelle sexualité des tunisiennes الى ستة فصول هي: «المسألة الجنسية»، و«جذور المسكوت عنه في مسألة العذرية»، و«المجتمع واستعادة العذرية» و«الجانب الطبي في العذرية»، و«غشاء البكارة وحقيقة العملية الجنسية» و«استعادة غشاء البكارة خسارة الخسارة». وقد توقّفت نادرة بن اسماعيل مطولاً عند العذرية في المخيال العربي الإسلامي والتحولات الجذرية التي شهدتها العائلة التونسية وبنية الزواج ومقاييسه منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية. وقد أدى خروج المرأة من البيت الى تحولات كبرى في الشارع التونسي، لكنّها لم تمسّ ــ حتى الآن ـــ بنية التفكير الجوهرية في ما يتعلق بالعذرية.
نور الدين بالطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد