مارليــن مونــرو الشــاعرة وكاتبــة التأمــلات
ينظر البعض إلى مارلين مونرو على أنها «الشقراء الغبية» ويرى فيها آخرون بالمقابل «أيقونة الجنس». ومارلين بين هذا وذاك إنسانة. لم تكن مجرد شقراء خرقاء سطحية من دون عمق بل شخص ذو أبعاد إنسانية مترامية. إنسانة مجروحة وحساسة، بل وبالنسبة لبعض المقربين منها، إمرأة متأملة بشؤون الحياة والحب والوجود حتى بلغت شطآن الشعر في بوحها.
من منا أكمل قراءة «أوليس»؟ مارلين فعلت ذلك. شعراؤها المفضلون كانوا روبرت فروست، ولت ويتمان وإي. إي. كامينغز. وهي لم تكتف بمجرد قراءة الشعر بل حاولت نظم بعضه. ولخوفها الدائم من الحكم القاسي على شعرها فإنها لم تره سوى لمجموعة مختارة من المعارف امثال ميلتون غريين، كارل ساندبيرغ ونورمان روستين. وقد كتب روستين: «كانت تناولني بين الفينة والاخرى قصاصة ورق مكتوب عليها وتسألني: «أتعتقد ان هذا شعر؟ خذها معك لقراءتها ثم أعلمني بالنتيجة». ويتابع روستين كانت أحياناً ترسل صفحة عبر البريد طالبة النقد. دائماً كنت اشجعها وبدا لي يومها ان القصائد كانت في أحسن الاحوال عمل شاعر هاو، بمعنى انها انفجارات مشاعر مع إلمام غير كبير بالصنعة. لكن الشاعر في داخلها، وهو موجود بالفعل وقد وجد أحد اشكال مراميه».
كان لدى مارلين حب حقيقي للأدب. وقد حوت مكتبتها الخاصة اربعمئة كتاب بما فيها كلاسيكيات أدبية مثل اعمال لدوستويفسكي وميلتون إلى اعمال لعمالقة حديثين من مثل همنغواي وكيرواك. حين لم تكن تقف امام الكاميرا، لجأت إلى حضور صفوف في الأدب والتاريخ في جامعة اوكلا. رغم ذلك فإن الصورة العامة للشقراء المتفجرة غلبت، وذلك كرسم كاريكاتيري لشخصيتها.
مهما يكن، ان شعرها المتخذ أحياناً شكل كسرات او «شقف» شعرية يكشف عن شخص حساس مركب الشخصية بمعنى غني الداخل يتطلع بعمق إلى نفسيته الخاصة مفكراً بشجون العالم والناس الآخرين. وما تكشفه هذه النصوص هو القطع التراجيدي بين شخصية عامة عالية الظهور وبين شخص شديد الحساسية والخصوصية، أساء العالم كله فهمه، فيما هو يتوق لأن ينظر إليه على حقيقته.
حياتها
قبل خمسين سنة وفي 5 آب من العام 1962 ذهل العالم كله لنبأ موت مارلين مونرو قبل الأوان في منزلها. هل انطوى الأمر على تناول غير متعمد لجرعة زائدة من دواء مهدئ للأعصاب، هل كان الأمر عملية انتحار؟ هل موتها جريمة على يد جماعة سياسية متنفّذة مخافة فضح احدهم والمقصود ربما الرئيس جون كينيدي الذي كانت لها معه علاقة غرامية؟ هذه كانت بعض النظريات التي راجت ولم تزل تغزل حول موتها. وهكذا بعد خمسين سنة لم تزل حياة وموت مونرو موضوعاً شائعاً وشائقاً في آن.
ولدت مارلين تحت اسم نورما جين ماسترتون (تغير إلى بايكر بعد فترة وجيزة) في الاول من حزيران من العام 1926. ما لبثت ان تحولت إلى واحدة من أكثر الشخصيات أيقونية في العالم. اشتهرت لطلتها، أسلوبها، موهبتها وحبها للحياة. تزوجت من شخصيات بارزة مثل جو ديماغيو والكاتب المسرحي آرثر ميلر الذي كان آخر أزواجها.
ارتبط اسمها بكل من جون وروبرت كينيدي، وكذلك بمن شاركها من رجال بطولة أفلامها، وكذلك ارتبط اسمها برجال الجريمة المنظمة. وعرف عنها وقوعها في آخر حياتها في حالة إحباط مما اضطرها للتردد على عيادة طبيب نفسي.
لا يعرف أحد بشكل مؤكد ما حدث في تلك الليلة التي رحلت فيها مما أضاف إلى غموض سحرها. أجرت حينها مارلين اتصالات بالعديد من الأشخاص فيما حالها تسير في تدهور ظاهر. الوقت النهائي لرحيلها وسبب موتها كما سجلا لم يزالا موضع جدل مع اقتراح البعض وجود تغطية ما على الأمر. مهما كان سبب رحيلها، لم تزل مارلين مونرو مشهورة بما لا يقاس وتؤثر على الكثيرات من نجمات اليوم.
خبايا مفكرتها
كانت مارلين تحتفظ بمفكرة تكتب عليها خصوصيات من ضمنها تذكر مثلاً اشياء عن الأخوين كينيدي مما يتيح لها لاحقاً اجراء محادثات «فكرية» معهما. بعد موتها آلت المفكرة إلى مدرّس التمثيل الخاص بها لي ستراسبيرغ وكذلك آلت إليه قصائدها ورسائلها. بعد مرور حوالي خمسين سنة على رحيلها نشرت هذه جميعها في كتاب حمل عنوان «شقف». كتب في المفكرة عن الأيام الثلاثة المؤلمة التي قضتها في زنزانة محشوة بالموقوفين العام 1961. كذلك كتبت عن خداع زوجها الكاتب المسرحي آرثر ميلر، ولو بينه وبين نفسه، بعد ان قرأت في مفكرته أنه كان يصاب بالحرج منها وسط الناس ووجدها مخيبة للآمال. هذا الاعتراف دمّر نفسية مارلين فكتبت قصيدة بعنوان «أواه يا السلام، احتاجك حتى وحشاً مسالماً». وبعد هذا الاضطلاع بل الكشف بدأ زواج الاثنين بالتدهور فكتبت في احدى شذراتها، ابتداء من الغد، سأهتم بنفسي لأن هذا ما تبقى لي وكما أرى الآن فهي الابقى لي... حين يريد الشخص الاحتفاظ بمسافة. وتطلّقَ الاثنان العام 1961.
تبدو مارلين في المفكرة شخصا غير مقبول له، ضعيفة وميالة إلى الانتحار، وعلى مدار المفكرة كتبت عن كيفية رغبتها بالموت، وفي قصاصة عن محاولة لها بالانتحار عن طريق جرعة دواء زائدة كتبت: «ابتلعت الحبات بكل راحة». وكتبت في مكان آخر «أراني أبحث عن طريقة جديدة للعب هذا الدور. حياتي كلها لطالما أحبطتني. كيف لي لعب هذا الدور لامرأة، يافعة ومليئة بالأمل؟». وكتبت أيضاً متسائلة كم هو يعصر الفؤاد لعب أدوار شخصيات سعيدة فيما الشخص يموت من الداخل. كتبت، «يا لمقدار ما أتوق لأن أكون ميتة، وغير موجودة بالمطلق».
من المهم ذكره ان هذه المفكرة والاشعار التي تتضمنها اظهرت وجود ميل حقيقي لديها للكتابة، وهذا أمر لم يكن معروفاً عن هذه الممثلة قبلاً.
نختم مع ما قاله زوجها الثالث والأخير آرثر ميلر بعد وفاتها «لو انها عاشت مدة أطول وكان عليها ان تكون أكثر سخرية او حتى أكثر بعداً عن الواقع مما كانت عليه. بالمقابل كانت واقعاً شاعرة تقف في زاوية من الشارع محاولة إلقاء قصيدة على جمهور يحاول تمزيق ملابسها».
قصائد لمارلين
{ يا الحياة
إلى جهاتك الأربع انتمي أنا
أيتها الحياة.
مع أني أبدو متدلية
معظم الأحيان
لكني أبقى بقوة نسيج العنكبوت
في مهب الريح ـ أتجوهر أكثر مع الصقيع القارص المتلألئ.
لكن أشعتي الخرزية الزخرف لها نفس الألوان
التي شاهدتها في احدى اللوحات ـ أواه يا الحياة
لقد خدعوكِ
{ أتمنى لو أني ميتة
يا للعنة، أتمنى لو كنت
ميتة وغير موجودة بالمطلق ـ
راحلة أبداً من هنا ـ من كل
الأمكنة لكن كيف لي تحقيق ذلك
ثمة دائماً جسور ـ جسر
بروكلين ـ لا ليس جسر بروكلين
لكني أحب ذلك الجسر (كل شيء
يبدو جميلاً من هناك والهواء نظيف
المشي آمن هناك رغم وجود
كل تلك السيارات التي تسير بجنون
في الأسفل. اذن، لا بد انه جسر آخر
جسر يشع دون منظر جميل ـ اللهم سوى أني
أحب بالتحديد كل الجسور ـ ثمة شيء
مميز فيها، وإلى ذلك لم أر
في حياتي جسراً بشعاً
{ لست أخجل من مشاعري
أتشعر بما أشعر به
في داخلي ـ بمعنى محاولة فهم
ما أحسه
وكذلك ما أشعره داخل الآخرين
لست خجلانة من مشاعري، اهتماماتي أو آرائي
[ [ [
فأنا أدرك جوهر
ما تعنيه
{ أحدق فيك من عل
حجارة فوق الممشى
هي من كل لون
أحدق فيك من علٍ
كما الأفق ـ
المدى بل الهواء بيننا يومئ لنا
وأنا جمهرة من القصص
فيما قدماي ترتعدان
أثناء محاولتي الإمساك بك
{ الزمن
أواه، يا الزمن
كن رؤوماً
ساعد هذا المخلوق التعب
ليس ما هو حزين تذكره
خفف وحشتي،
أرح ذهني،
فيما أنت تقتات من لحمي
{ دميتي
لا تنتحبي يا دميتي
لا تبكي
أحملك وأهدهدك لك لتنامي
إهدئي إهدئي
إني أتظاهر
بأني أمك التي ماتت
{ ساعة الرمل
حين تخلع ساعة
الرمل فستانها
يندلق الرمل وينتشر
ولا يمكنك ايجاد حصته
لك في داخلي. لطالما
قالوا اني مريعة في السرير
{ عن السفر بالباص إلى ساليناس
كنت المرأة الوحيدة
مع حوالي
ستين صياد سمك ايطالي... ويا لهم من أسياد ساحرين،
وهم أملوا انتظار
السمكات لهم. بالكاد
يتكلم بعضهم الانكليزية،
ومن جهتي لا أحب فقط اليونانيين
بل أحب الايطاليين أيضاً
انهم أناس دافئون، ممتلؤن حيوية وودودون جداً ـ
أحب الذهاب إلى ايطاليا يوماً ما
{ من البحارة
شاهدت العديد من البحارة الشبان
الذين بدوا لي أصغر
من ان يكونوا بهذا القدر من الحزن. ذكّرني
منظرهم بالاشجار اليافعة النحيلة
التي لم تزل تنمو متألمة
{ عن الأشجار
يا الأشجار الحلوة الحزينة
أتمنى لك راحة البال
لكن عليك أخذ الحذر
{ عن الحب
يغفو حبيبي بجانبي
تحت النور الخافت...
بيد انه سيبدو كذلك أيضاً حين يموت
أواه يا الحقيقة التي لا تطاق ولا ترد
من جهتي أفضل موت حبه
على موته هو
{ عن الزواج
اعتقد أني لطالما كنت
مرعوبة لأن أكون
زوجة أحدهم
فأنا أعلم من كتاب الحياة
انه ليس بمقدور أحدنا
حب آخر لمدى العمر
أقوال من مفكرتها
÷ «لماذا أشعر بهذا العذاب؟ أسأل فقط لماذا اشعر اني أقل قدراً من حيث انتمائي البشري من الآخرين؟... لماذا أنا بكلمات اخرى الأكثر سوء؟»
÷ «اعتقد ان كل شيء يحدث لسبب ما؟ الناس يتغيرون وعليك ألا تتشبث بالأمر، الأمور قد تذهب في الاتجاه الخطأ وبذلك يمكنك تقديرها بل تثمينها حين تأخذ المنحى الصائب، تظل تصدق الأكاذيب حتى تتعلم بالنهاية عدم الثقة سوى بذاتك، ويحدث أحياناً تهاوي الاشياء الجيدة مما يتيح للأشياء الأفضل ان تتجمع مع بعض».
÷ إذا تمكنت من اضحاك فتاة، يمكنك حينها فعل أي شيء معها.
÷ الأفضل ان يكون الإنسان غير سعيد ووحيداً على ان يكون غير سعيد مع احد ما.
÷ «ألذّ شيء لي النوم، مما يتيح لي ان أحلم».
÷ «يكفي مجرد التواجد مع أحد ما. لست بحاجة إلى لمسه ولا حتى التحادث معه. ثمة شعور ما يسري بينكما انتما الاثنين. هذا يشعرك انك لست وحيداً».
÷ «ينظر الناس إليّ وكأني مرآة ما وليس شخصاً أو إنساناً. انهم لا يروني بل يرون أفكارهم الفاسقة، ومن ثم يخبئون تعابير وجههم وراء قناع مدعين اني الفاسقة».
÷ «لديّ أنا مشاعري أيضاً. أنا من البشر. أريد ان اكون محبوبة، لشخصي ولموهبتي».
÷ «أنا مليحة ولست جميلة، أنا اقترف الخطايا لكني لست شيطاناً، انا إنسان صالح لكني لست ملاكاً!».
عنوان الكتاب:
Fragmants» by Marilyn Monroe»
فوزي محيدلي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد