الدرامــا الســوريّـة.. أزمــة نــصّ
لماذا يغيب كتاب كبار عن المشهد الدرامي السوري منذ سنوات؟ في جعبة ريم حنا، وفؤاد حميرة، وهاني السعدي، ومازن طه، مثلاً، نصوص كثيرة، تقبع في أدراجهم، أو عند شركات الإنتاج بانتظار التصوير. خلال الموسم الرمضاني لعام 2012، كان من الصعب أن نجد نصاً يستحقّ التوقّف عنده، إعجاباً أو جدلاً، باستثناء أعمال ثلاثة، هي «أرواح عارية» لفادي قوشجقجي، و«المفتاح» لخالد خليفة، «والولادة من الخاصرة ــ ساعات الجمر» لسامر رضوان... وذلك من أصل نحو 25 عملاً جديداً أنتجت هذا العام.
وبالفعل، مرّت ترشيحات جائزة «تايكي» للدراما العربية، ولم يحظَ الكتاب السوريون إلا بترشيح واحد من أصل ثمانية، شارك في اختيارها نحو 500 ناقد ومختص وأكاديمي من بلد عربي. إذ حجزت مصر لنفسها سبعة ترشيحات من أصل ثمانية لنيل جائزة فئة أفضل سيناريو، وبقي وليد سيف وحيداً مرشحاً عن مسلسل «عمر». هذا، على الرغم مما أثبتته النصوص السوريّة في الأعوام الماضية عن جرأة، وقدرة على مشاكسة الواقع. يحيلنا هذا إلى أحد أوجاع الدراما السورية اليوم، وهو غياب النص الدرامي الجيد، أو تغييبه بمعنى أدق. فالأسماء المذكورة أعلاه، يضاف إليها الكتاب حسن سامي يوسف، ونجيب نصير، وأمل حنا، وحسن م.يوسف، ويم مشهدي، وممدوح حمادة، وآخرون، من شأنهم رسم مشهد درامي سوري ملفت. ولكن معظمهم يَغِيب طوعاً أو قسراً، ومنهم من يُغيّب، وفي الحالتين، تبقى آليات الإنتاج في الدراما السورية، المتهمة الأولى في أسباب غيابهم أو تغييبهم.
منذ سنتين أو أكثر ينتظر نص درامي للكاتب فؤاد حميرة دوره في التصوير. لكن العمل ما إن دفع للإنتاج منذ عامين، حتى اصطدم برغبة أحد نجوم العمل، بتغيير كبير في النص، رفضه الكاتب حميرة كونه يصيب بنية العمل ككل. هذا ما سبب عودة النص إلى أدراج الشركة مجدداً. ومثل نص فؤاد حميرة، ينتظر نص للكاتب مازن طه. وهذا الأخير سبق له وخاض دعاوى قضائية، يتهم فيها المنتج والمخرج يوسف رزق بالتعدي على أحد نصوصه، وكذلك سمعنا الكاتب هاني السعدي يتّهم رزق أيضاً بتشويه أحد نصوصه.
إصرار الكتاب على حفظ حقهم في نصوصهم، جعلهم لقمة عصية على التشكيل، خصوصاً حين يحاول نجوم الدراما تفصيل أدوارٍ على مقاسهم ورغباتهم. وهذا ما جعل شركات الإنتاج تخشى التلاعب بالنصوص، فان الحلّ الأمثل تغييب هؤلاء. فركزت معظم الشركات على كتاب شباب يبحثون عن فرصة، ينتظر الواحد منهم على الباب بانتظار أن يسمح له المخرج بالدخول إلى موقع التصوير.
إلى جانب هؤلاء الكتاب الشباب، ظهرت أسماء في مجال التأليف الدرامي، تَكتب ويُنتج لها بالجملة. لكن نادراً ما يمر اسم هؤلاء، من دون أن يرفق باسم مخرج العمل كشريك كتابي، أو يرفق باسم أو اثنين تحت مسمى معالج درامي. ومع هذين النموذجين نجح عدد من منتجي الدراما بتقديم أعمال «من دون مشاكل»، فالنجم/ الممثل، كما النجم/ المخرج يتلاعبان بالنص كما يشاءان من دون اعتراض أحد. والكاتب يكون سعيداً بإنتاج عمله حتى لو تمّ تحريف نصفه. أما المنتج فيكون الرابح الأكبر، مع تخفيض ميزانيّة مسلسله، مع الفرق الكبير في السعر بين الكاتب الشاب والآخر المكرّس. هكذا يخرج الجميع، وكل واحد منهم راض بحصته، ويبقى الخاسر الوحيد هو الدراما السورية.
السلوك الإنتاجي ليس العقبة الوحيدة أمام حضور النصّ السوري. فبعض النصوص السورية تعيش حالة مراهقة، تحت مسميات عديدة منها الجرأة ومنها ملامسة الواقع، ومنها طرق مواضيع لم يسبق للدراما طرحها. ولكن أي معنى للنزوع نحو الاختلاف، من دون الحفاظ على ألف باء البناء الدرامي لأي مسلسل؟ أين هي الحكاية الدرامية المتماسكة، التي تمضي خيوطها على نحو متواز ومتصاعد، أين هي الرواية التلفزيونية الاجتماعية، وأين هو النص التاريخي الذكي، والأكثر من ذلك أين لعبة التشويق والإثارة في نصوصنا الدرامية الجديدة؟
نعم لدى الدراما السورية مشكلة بنيوية في تكوين النص الدرامي السوري، ولديها مشكلة في آليات تسويقه وتنفيذه، وتغييب أهم كتابه. وما بين المشكلتين صارت الدراما السورية من دون نصّ، بعد أن كان النص هو البطل.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد