مـو يـان حائـز «نوبـل» لهـذا العـام كتـب روايـة الصيـن الكبـرى
من تابع وكالات الأنباء العالمية في الأيام الأخيرة، التي تحدثت عن ترشيحات نوبل للآداب، لا بدّ أنه وقع على اسم الروائي الصيني مو يان، كواحد من المرشحين المحتملين للفوز بها هذا العام. ومن تابع الوكالات عينها، كان لا بدّ له أن يقع على المناخ المثير الذي ساد في الصين، بعد شيوع اسم الكاتب، ولسببين: الأول أن الصين تعتبر أن الأدب الصيني لم يكافأ لغاية اليوم، إذ ان غاو سينيانغ الذي حاز الجائزة العام 2000، هو من المنشقين، الذين لا يلقون أيّ ترحيب في الأوساط الثقافية هناك (من هنا كان اليأس في الحصول على جائزة تمثل الأدب الصيني في الداخل)، وثانيا، أن أحد المرشحين المحتملين كان الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، فهو لو فاز لكان الشخص الثالث الذي يحوز الجائزة بعد ياسوناري كاواباتا وكنزابورو أويه، وهذا ما يثير حساسية الصينيين، نظرا «للعلاقات التاريخية المتوترة» بين البلدين.
عن هذه المكافأة للأدب الصيني، قال موقع «سينا ويبو»، فور إعلان اسم الفائز إنها «أول جائزة نوبل لكاتب صيني حقيقي» (أي يعيش أيضا على الأرض الصينية، غير منشق، ولا يحمل أيّ جنسية أخرى، كالعديد من الكتّاب الصينيين الآخرين، «المنشقين»، وللتفرقة مع حالة غاو بالتأكيد). من هنا نفهم تهنئة ماي جا (كاتب صيني يتمتع أيضا بالشهرة الكبيرة) حين قال: «الشرف ليس له فقط، بل لهذه اللغة التي يمثلها، كما إلى البلد والشعب الصيني، تهنئتي مو يان، برافو للصين».
إذاً سارت الأمور «على ما يرام» بالنسبة إلى الصينيين، ظُهر البارحة، بعد أن أعلنت اللجنة الملكية السويدية فوز مو يان بأكبر تكريم في دنيا الأدب، وقد أشارت في بيانها إلى أن الكاتب «يدمج قصصا شعبية بالتاريخ والحاضر، بواقعية تمتزج بالخيال». وأضاف البيان أن «مو يان أقام من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البُعد التاريخي والاجتماعي، عالما يُذكر من خلال تعقيداته بعوالم كتّاب مثل وليام فولكنير وغابريال غارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية».
بمعنى آخر، هو كاتب من قلب النظام الرسمي، وأحد البارزين في المشهد الأدبي والثقافي هناك، لدرجة أن كاتبا صينيا آخر هو ما جيان (يعيش في لندن، بعد أحداث تيان آن مين)، كان ندّد منذ فترة بمو يان لعدم تضامنه والتزامه الأخلاقي تجاه الكتّاب والمثقفين الصينيين الآخرين الذين يتعرضون للاضطهاد أو السجن أو الذين «تُكمم أفواههم» «المؤسسة». فمو يان، الذي انتخب نائبا لرئيس اتحاد الكتّاب الصينيين، لم يتفوه، على سبيل المثال، بأيّ كلمة عن سجن الكاتب والمثقف ليو زياوبو، الذي يقبع في السجن، على الرغم من حيازته جائزة نوبل للسلام العام 2010. فبرأي تينغ بياو (أحد المحامين الصينيين المنشقين) أن مو يان «لم يستفد من حضوره ككاتب ليتحدث باسم المثقفين والسجناء السياسيين، بل على العكس من ذلك كان مكتفيا بمصالح الحكومة حين كتب لها خطابا» (إشارة إلى مساهمته بكتابة نص في ذكرى رحيل ماو تسي تونغ).
ربما لم يفعل لسبب أن هذا «الفلاح الجندي الكاتب» بقي لفترة طويلة يرتدي الثياب العسكرية، التي لم تمنعه من الكتابة، على الرغم من انه تعرض أحيانا لمقص الرقيب وبخاصة في روايته «نهدان جميلان، أرداف جميلة» (وفق العنوان بالفرنسية) وهي إحدى أكثر رواياته شهرة.
«عنصر سيئ»
ولد مو يان واسمه الحقيقي غوان مويي، العام 1955 في غاوومي، مقاطعة شاندونغ (الصين الشرقية)، في عائلة فلاحية، وقد عرفت الجوع الشديد بين 1959 و1961، بسبب ما عرف زمن الثورة الثقافية باسم «القفزة الكبيرة للإمام»، من هنا كان لا بدّ لمو يان أن يتعرض للعديد من المضايقات، إذ صُنف بأنه «من العناصر السيئة» فوجب طرده من المدرسة. وبقي لسنوات يحمل هذا «الإثم» الذي لم يتحرر منه إلا وهو في العشرين من عمره، حين التحق بـ«جيش التحرير الشعبي»، فعاد لاحقا إلى متابعة الدراسة، في مدرسة تابعة للجيش، قبل أن يلتحق بجامعة بكين التي تخرج منها العام 1991.
إذا كانت طفولته «متوترة» بعض الشيء بسبب هذا الحرمان، من هنا وجدت عائلات تلك المنطقة، غير المتعلمين، الملجأ الوحيد في الانتساب إلى الجيش، ليتقدموا في السلم الاجتماعي إذا جاز التعبير، وهذا ما فعله الكاتب الذي أصبح كاتبا، وهو اليوم على قمة الأدب في العالم.
نشر أول أعماله العام 1981 بعنوان «فُجلة الكريستال» (وفق الترجمة الفرنسية)، وليتخذ معها اسمه الأدبي مو يان («الذي لا يتكلم»)، ليعرف الشهرة عبرها. حول اختياره هذا الاسم الأدبي، قال الكاتب العام 2009 لصحيفة «باروسيون» الفرنسية: «زمن الثورة الثقافية، كنتُ في العشرين من عمري، وكنت أتلقى التربية من والديّ، وكان من الخطر علينا أن نتكلم. طلب أهلي مني دائما أن أسكت. وعندما بدأت الكتابة، أعدت التفكير بهذه التربية، بهذه الحكمة التي فرضها والداي عليّ. من هنا، يأتي هذا الاسم المستعار بمثابة سخرية ما». عدم كلامه هذا، جعله يقل جدا من أحاديثه الصحافية، على الرغم من أن صفحات رواياته كلها تتجاوز دائما الـ500 صفحة (على الأقل وفق الترجمات الفرنسية)
صحيح أن روايته الأولى جلبت له شهرة ما، لكن هذه الشهرة لم تتكرس إلا مع روايته الثانية «عُصبة سورغو» التي تحولت إلى فيلم سينمائي بعنوان «السورغو الأحمر» (1986) بإخراج زانغ ييمو، والتي جلبت له المجد الذي هو عليه الآن. لكنه لم يستقل من الجيش إلا العام 1997، كي يتفرغ أكثر للإبداع.
تأثيرات الآخرين
عدا الروايات التي جعلته يتبوأ هذا المركز المتقدم على الساحة الثقافية، نشر الكاتب العديد من الأقاصيص والأبحاث، حول موضوعات مختلفة وهو، كما تقول الأكاديمية أيضا في بيانها، «على الرغم من حكمه النقدي على المجتمع، إلا أنه يعتبر أحد أكثر الكتّاب بروزا في بلاده». هذه الكتابة جاءت في البداية، بالطبع، من حبّه للقراءة، إذ يُعرف عنه عشقه للقراءة وبخاصة «الكتّاب الغربيين»، كما الأدب الروسي والياباني والأميركي لاتيني. حول هذه التأثيرات، أجاب في أحد أحاديثه الصحافية، عمّا إذا كان تأثر بكتاب فرانكوفونييين أو أنغلوفونيين، بالقول: «نعم، هناك تأثيرات كتّاب آخرين. دائما ما نتأثر بالآخرين. لكن علينا أن ننوع في ذلك، على كتابتك أن تصبح كتابتك أنت. لقد تأثرت بغابرييل غارسيا ماركيز، بلزاك، بروست، ثمة ضرورة عند كلّ كاتب: أن يقرأ كثيرا كي يعرف ماذا يفعل الآخرون وكيف يقومون به. تشعر أن ما تقوم به هو شيء جديد، وهنا الخطأ، إذ ثمة كثيرون قد قاموا به منذ زمن بعيد».
في واحد من أعماله الأخيرة «ضفادع»، يتحدث مو يان ـ بلغته اللاذعة ـ عن سياسة تحديد النسل في الصين، وهو موضوع حساس على الرغم من أنه توقف عن أن يكون موضوعا محرما منذ سنين. وعلى قول إريك ابراهامسن، خبير أميركي في الأدب الصيني، فإن مو يان «كاتب كبير(...) يكتب رواية الصين الكبرى» وهو في الوقت عينه «كاتب خبيث بالنسبة إلى ما لا يكتب أو ما لا نستطيع كتابته». من هنا تعتبر سيلفي جانتيل، (من أوائل من ترجم أعماله إلى الفرنسية)، أنه إذ كان يتحدث في كتبه عن مشهد جنسي أو عن مشهد تعذيب، أو عن خراب الحرب أو عن جلسة شراب، فإنه يقوم بذلك بطريقة تشبه طريقة رابليه لذلك «يستمتع بالطريقة عينها».
في أي حال، أعلن اسم الفائز البارحة. فرح كبير في الصين، وانتقادات شتى من المنشقين في الخارج. وأين قيمة مو يان الأدبية؟ ربما لم نقرأه بعد لنعرف أين يقف، بين ذلك كله، إذ كما يقول الكاتب نفسه: «على الكاتب أن يعبر بنقد وسخط تجاه الجانب المعتم من المجتمع وتجاه بشاعة الطبيعة الإنسانية، بيد أنه علينا أن نحتفظ بعبارة موحدة» ويضيف: «يفضل البعض أن يصرخوا في الشارع، لكن علينا أن نسامح أيضا الذين يختبئون في غرفهم ويستخدمون الأدب للتعبير عن آرائهم».
وبعيدا عن هذه الآراء، أجمع جميع مترجميه إلى اللغة الفرنسية على أنه كاتب يستحق هذا التكريس، بعيدا عن مواقفه السياسية، إذ عرف كيف يؤسس عالما أدبيا يستحق أن يقرأ.
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد